الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

صائب عريقات يفاوض العرب

نشر بتاريخ: 17/08/2020 ( آخر تحديث: 17/08/2020 الساعة: 11:19 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

في معركة طروادة يندم أخيل على قتل هكتور بعد فوات الأوان. ويعرف أن هكتور من أشجع المحاربين الذين قابلهم في حياته. وعند سقوط طروادة بحصان حمل اسمها ظلما ، يقتل الغوغاء أخيل بسهم مسموم في عقبه حتى قالوا عقب أخيل .
الفلسطينيون على خطوط النار، يقاتلون نيابة عن الأمة العربية كلها . لم يتركوا الخنادق منذ مئة عام، ويبدو أنهم لن يتركوها لمائة عام أخرى. حتى تفيض الأنهار ببأسهم وتنشد نساء الأرض قصائدهم .

في بورصات الربا، لكل شيء ثمنه. وفي زنازين الاحتلال لا ثمن لسنوات العمر . يكتب الفدائيون قصائد بلا قافية. قصائدهم ليست مقفّاة و" قفى " العرب شر القتال .
كم يبلغ سعر سنوات العمر الأولى في سجن نفحة الصحراوي؟ كم ثمن الضحكة الطائشة في دار الأيتام لطفل قضى قناص على والده عند باب كنيسة المهد؟ كم تساوي دمعة والدة الشهيد الذي لم يبلغ الرابعة عشرة من عمره؟ من يبيع للجريح ساقا أو كفا مقطوعة؟ من يدفع لمدينة رفح ثمن الحب الذي ضاع على شريط حدودي لا يتذكره الأطلس؟ من يشتري لمخيم جنين أبطالا شربوا ماء الخلود تحت جنازير الدبابات؟ من يعيد ليافا برتقالها؟ من يرسم صورة لآخر صرخة لمحمد أبو خضر قبل أن يحرقوه حيا!!.
الاحتلال أوصل الفلسطينيين إلى قناعة بعدم جدوى المفاوضات فصار الفلسطيني يقاتل حتى يفاوض، ثم صار يفاوض حتى يقاتل .
في مؤتمر صحافي للدكتور صائب عريقات، شعرت بمرارة روحه مما حدث. لم أشفق عليه صائب عريقات بقدر ما أشفقت على حال العرب وهو يناشد أمين عام جامعة الدول العربية أن يقول أي شيء وأي كلمة. ثم قال بعد أن ضاق صدره بما لا يحتمل (بعض الدول العربية أعلنت تأييدها للتطبيع مع إسرائيل!! وماذا عن باقي العواصم العربية لماذا تلتزم الصمت؟ أين العرب؟ ).
صرخ ولم يجبه احد.
شعرت أن الدكتور صائب يفاوض العرب على الهواء وعبر ذبذبات تطبيق الزوم دون جدوى. فأتى على ذكر الخليفة المستعصم بالله في حاضرة بغداد وذكر مستشاره العلقمي بالاسم . ثم أتى على ذكر الملك المغيث ووالي الشام. حتى احرق هولاكو كل العواصم العربية.
وأخيرا.. ما يلفت انتباهي يا دكتور صائب هو هدوء الشارع الفلسطيني، هدوء كبير وعميق لم يعكره ترامب ولا قرنه، ولا كوشنير ولا شياطينه، ولا نتانياهو ولا ضمّه، ولا فريدمان ولا كسوره.
هدوء الشارع الفلسطيني وثقته بنفسه ومراقبته للأحداث بدا لي أهم من كل الكلام .. وأصدق من كل الصحف.