السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ضاحي خلفان وكتابه الأخضر الجديد

نشر بتاريخ: 24/09/2020 ( آخر تحديث: 24/09/2020 الساعة: 17:14 )

الكاتب: السفير منجد صالح

يقول المثل العربي: "في غلاء الجلود إسلخ كلاب وهات!!!".

ويقول المثل والحكمة: "شرّ البليّة ما يُضحك".

تذكّرت المغفور له، العقيد مُعمّر القذّافي، إذ لا تجوز على الميّت إلا الرحمة، و"شطحاته" وخُيلاؤه و"فتاويه" الخضراء، "عصارة تجربته الفريدة المديدة السديدة، التي ضمّنها في كتابه "التحفة" الكتاب الأخضر.

طبعه مرّات ومرّات بورق أنيق فاخر، وصرف عليه ربما أكثر وما يزيد عن ميزانيّات ثلاثة دول إفريقية فقيرة تقع ما تحت الجنوب الليبي.

والكتاب الأخضر الذي إندثر كما إندثر مؤلّفه "الجهبذ" لا يرقى ما فيه من "مجننات" وهفوات ومغالطات وتهيّؤات وتخيّلات و"ضرب بالمندل" و"تبصير بالودع" إلى رائعة "دون كيشوت" البهلوانية الهزلية المُبدعة، التي كتبها الأديب الإسباني الشهير ميغيل دي سرفانتيس وهو في السجن.

أمّا القذافي فعندما ألّف الكتاب الأخضر، أو ربما عندما ألّفوه له، ما الفرق؟؟ فالأمر سيّان!! كان حرّا طليقا "يحكم ويرسم" ويتحكّم، هو وأولاده، بمزرعة كبيرة مليئة بالنفط تُدعى ليبيا، عفوا، تُدعى "الجماهيرية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى"!!!

وأنّ من أهم ما جاء في الكتاب الأخضر من درر هو تفسير القذافي الفرق ما بين الرجل والمرأة.

يقول القذافي في ذلك: الفرق بين الرجل والمرأة هو أن المرأة تحيض إذا فهي إمرأة، أما الرجل فلا يحيض إذا هو رجل!!! ما شاء الله على هالتفسير "الخارق للعادة"، ودُقّي يا مزّيكا!!!

لكن يبدو، في الحقيقة والواقع، ونحمد الله كثيرا على هذه النعمة، أنّ "جعبة" الوطن العربي الرحب الفسيح الممتد من الخليج إلى المحيط مليئة ب "القذّافات"، أو "القذاذيف"، (جمع قذافي)، بدل أن تكون مليئة بالسهام والسيوف والرماح!!!

فقد أطلّ علينا "المُعلّم" ضاحي خلفان، نائب قائد شرطة دبي السابق، ونطق "دُررا وياقوتا ومرجانا"، أو قل نطق "نصائح خضراء"، من عصارة تجربته وخبرته وتأليفه، في موضوع "حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

قبل أن أخوض في بحر ضاحي خلفان المليء "بالاسماك والمحاريّات" إلى جانب اللؤلؤ والجواهر والماس، لطالما جال في خاطري سؤالا غريبا.

لماذا يُلقّب ضاحي خلفان "بنائب" قائد أو نائب رئيس شرطة دبي السابق؟؟ ومن هو هذا القائد أو الرئيس، الذي لا نعرف اسمه ولا هويته، والذي طغى عليه "الضاحي" بنباغته وبراعته الشرطية والأمنية.

طغى عليه إلى درجة أننا لا نعرف إسمه، ولم تتناقل الصحف هويّته ولا حتى عندما "إقتحم" 16 عميلا من الموساد بجنسيات وجوازات سفر متعدده.

و"سرحوا ومرحوا" في فنادق وربوع الإمارات العربية المتحدة، بوجود الخلفان وجهازه الأمني الحديث والمُتطوّر جدا، وأجهزوا على "محمود المبحوح" وخنقوه على سريره في الفندق!!!

ذيول وترسّبات "موضوع محمود المبحوح" سيُحلّ الآن بين أصدقاء، بعد السلام والتطبيع والتوقيع.

نعود إلى الشخصية المركزية والرئيسية في مقالنا هذا، إذا كان أحدكم لا سمح الله قد سها أو نسي، ألا وهو ضاحي خلفان.

يُتحفنا الخلفان بنظريّته "البديعة" الجديدة، "إلّي خارجة جديدة طخّ" من فرنه ومصنعه ومن "بنات أفكاره" و"عصارة ذهنه وتفكيره" و"حسن تدبّره وتدبيره".

ويُقدّم الضاحي "مبادرة جديدة للفلسطينيين والإسرائيليين تقضي بإندماجهم في دولة واحدة"!!!"

يا إلهي ما هذه الروعة، ما هذا الإبداع، ما هذا التفكير النيّر خارج الصندوق، ما هذا الإكتشاف العظيم الجديد، ما هذا الأمر والحلّ الجلل!!!

إنها مناسبة للزهو والفرح، زغردي يا نساء بلاد الشام، زغردي يا نساء العراق، زغردي يا نساء بلاد فارس، زغردي يا نساء خُراسان، فقد تجلّت "فصاحة" الخلفان وقدّم الحل والبرهان وحل معضلة عُمرها سبعين عاما ونيّف في دقيقتين!!!

في سلسلة تغريدات غرّدها البلبل خلفان يشدو فيها على "التويتر": "يسرّني ويُسعدني أن أتقدّم للقادة الإسرائيليين والقادة الفلسطينيين بمبادرتي لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، وذلك بإندماج الشعبين الذكيين في كيان دولة واحدة، تُؤمن بحقوق الإنسان".

الله الله الله، يا للروعة!!! أين كنت يا سيّد خلفان كل هذه السنوات؟؟؟ يا ريت لو أنّك كنت ظهرت من زمان، لكنّا الآن في أمان، ولرفلنا بأثواب العز والهناء والإمتنان!!!

والله يا أستاذ خلفان نلوم عليك عدم مسارعتك لتقديم مبادرتك القيّمة إلى السيد غوتييرش، أمين عام الأمم المتحده، حتى يُخضعها للتصويت الفوري في الجمعية العامة للأمم المتحدة وليتمّ تبنّيها بالإجماع، لتصبح قرارا "مُلزما" تلتزم به دول العالم وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، فالأمور "بينكم وبينهم الآن خوش بوش"، ولا اعتقد ان إسرائيل سترفض لك طلبا "بسيطا" مثل هذا.

واللوم الثاني عليك هو أنّك لم تُدشّن مبادرتك بإسم "إسراطين" تيمّنا بالإسم الذي كان أطلقة القذافي في حينه.

لكن لنستمر ونرى ماذا يقترح الخلفان في مبادرته أيضا. يقول لا فُضّ فوه: "أنّ إندماج الفلسطينيين مع الإسرائيليين في دولة واحدة أمنيتي (أمنيته هو أي خلفان)، لأن هذا الحل العادل لبني الإنسان كلّكم أهل هذه الأرض".

لقد ساوى خلفان المستعمر الغاصب الدخيل بأهل وأصحاب الأرض منذ الأزل، بل رغبته أن "ينضمّ" صاحب الأرض ومالكها إلى اللص الذي سرقها وأن يستظل بظلّه و"بدولته"!!!

كم من السمّ تدسُّ في السمّ يا خلفان؟؟؟!!!

ألم اقل لكم منذ البداية ان "شرّ البلية ما يُضحك".

لكن في هذه الحالة فإن شرّ البليّة ما يُبكي، عندما نتابع مبادرة خلفان وهو يوجّه كلامه للفلسطينيين والإسرائيليين ويقول: "إلغوا عنكم هذه الأحقاد العفنة، أنت يهودي وأنت عربي، كونوا على أي دين ، فأنتم على تراب واحدوستدفنون فيه ... إيش المشكلة؟؟؟

والله المشكلة يا سيّد خلفان هي أنّك بطرحك هذا لا تعرف أن تُفرّق بين "البعرة والتمرة"، بل أن كلامك هذا خال من التمر و"مدبوز" بالبعر!!!

ويُتابع خلفان مُغرّدا: "سواء إسرائيل أو فلسطين، وسواء أورشليم أو القدس، إن هي إلا أسماء سميّتموها أنتم وآباءكم، الأرض هي .. هي عليها اليهودي والمسلم والمسيحي، إقبلوها وطنا واحدا للجميع تحت أي إسم، وإسرائيل نبي يعترف فيه اليهودي والمسلم".

"اليهود والفلسطينيون ما يشكّلون أكثر من 3% من مجموع السكان المُحيط بهم في الدول العربية، على صراعكم العفن، أهلكتوا400 مليون إنسان في المنطقة".

"حلّكم الأصح يا يهود ويا عرب في فلسطين أن تكونوا دولة واحدة، لا يهودي ولا مسلم، المواطنة ليست بالدين، لكن الموطنة بالأرض التي أنتم عليها تتصارعون".

وختم خلفان تغريداته، مبادرته، بتساؤل" "ما هي المشكلة أن تكون دولة الفلسطيني إسرائيل، اليوم رئيسها نتنياهو وبكرة رئيسها البرغوثي؟؟؟!!!".

وما هي المشكلة يا سيد خلفان أن تكون دولة الإسرائيلي أمريكا، أو أن نُعيد وتُعيد القضية إلى جذورها، أن تكون دولتهم في أوغندا أو في بتاغونيا في الأرجنتين، حيث يوجد ما ينوف عن 700 الف يهودي هناك منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وما هي المشكلة يا سيّد خلفان في أن تقول قولا معقولا مقبولا سديدا او أن تصمت؟؟؟!!!

كاتب ودبلوماسي فلسطيني