الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الخطاب المُناوئ للوطنية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 24/11/2020 ( آخر تحديث: 24/11/2020 الساعة: 13:40 )

الكاتب: ميساء أبو زيدان

"تسلمتها السلطة من الحاكم العسكري الفعلي للأراضي الفلسطينية المحتلة " كانت هذه إحدى الجمل التي تضمنتها مقالة لأكاديمي فلسطيني نشأ ضمن محيطٍ كان من المفترض أن يكفل له الكثير، بخلاف امتلاكه لعديدٍ من العوامل وانخراطه في مجال التعليم العالي. وبعيداً عن تفنيد العبارة تلك وبأبعادٍ متعددة؛ كتناول مفردة (السلطة) وبأننا انتقلنا فعلياً لدولة تحت الإحتلال، أو التوقف (الضرورة) عند توصيفه الإحتلال وقادته وسياساته بالـ(الحاكم العسكري الفعليّ) بحيث نندفع لنسأل الكاتب عن قراءته لدور المؤسسات الوطنية العاملة في قطاع الأمن على اختلاف مجالاتها ! أو الأفكار المتولِدة من وصفه ذاك فنستفسر عن الحاكم (المدني الفعليّ) أو المرجعية الأساس للحاكمين (العسكري) والمدني بالنتيجة ! نجد أن سطور المقالة احتوت على نقاطٍ عديدة تناقضت في بنيتها، إلى جانب تحميله القيادة الفلسطينية مسؤولية تنصل حركة حماس من مسار الوحدة الوطنية، واستمرار الإستيطان وكافة النتائج المترتبة على سياسات الإحتلال الإسرائيلي بمختلف المسارات، لكأن الكاتب يشير إلى أن القيادة الفلسطينية هي القوة المُحتلة !

اللافت هنا؛ والأصعب بطبيعة الحال السائد أن لغة كتلك التي اتسمت بها المقالة تلقى ترحيب القائمين على إعلامنا الفلسطيني، بل وتُرَوّج من قبل العديد العامل في مجال صناعة الرأي العام ومَن يسعى برفقته ! ولماذا لا؛ فالدرجة الأكاديمية وطبيعة مصدرها كما العلاقات والمسميات الاعتبارية (على اختلاف مستوياتها) معيار يتقدم (حسب العُرف القائم) على كافة المعايير الواجب تبنيها وصونها في حالتنا الفلسطينية. المثال الذي يقودنا لكثيرٍ من المشاهد المرتبطة بمنهجيتنا بمجالي الإعلام وصناعة الرأي العام (إن كنا نمتلك أساساً)، إذ أن الموقف لم ينحصر بحدود هذا المثال فحسب، بل وبحال استعراضنا واقع الإعلام الفلسطيني والسياسات المعتمدة بهذا الصعيد، خاصةً بظل التحديات الجسام المتربصة بنا وبهذه المرحلة الدقيقة، سنجد المهول الذي يفسر عِظم الهوة بين الجماهير وقيادتها الوطنية، وكونه مآل الأداء الحالي في هذا المضمار.

واحد من تلك المشاهد وبحال تتبعنا الصحف الفلسطينية المحلية هو انغلاق كلٍ منها على عددٍ محدد من الكتاب لا يمكن الخروج عنه، إلا في حال خوض معركة بمجال العلاقات العامة لصنع اختراق في ذلك الثابت المُقدس بصفحاتهم، ويأتي كنتيجة لامتلاك المقدرة والوزن المنسجم ومصنفاتهم، ذات الحال الذي يسود مؤسسات ومنابر إعلامنا الفلسطيني، ما أدى لخلق المناخ المواتي لمخططات الآخر الذي أسس الماكينات المختلفة والتي بدورها ساهمت في تفريخ العديد من المنابر المُتساوِقة وتوجهاته. فتأتي الإصابات بليغة في المكون البنيوي الفلسطيني، إذ أن خط الدفاع الأساس في المعركة المحتدمة مع هذا الإحتلال الفاشي وقواه الحليفة هش بمكوناته وعناصره والعلاقات فيما بينها مما أدى لفشله وظيفياً.

هنا وبذات الشأن؛ وبحال التوقف لقياس أثر أداء المنظومة الإعلامية برمتها وآليات صناعة الرأي العام المحلي (متفادين تناوله بالإطار الخارجي لاعتبارات متعددة)، لا يمكن لنا المرور عن طبيعة الخطاب على اختلاف فئاته المستهدفة ولغة العاملين والنخب في هذا المجال. بل سنجد أن الخطاب لم يتمكن من تحصين الوعي العام والشعب يخوض معاركه ضد هذا الإحتلال في كل زاوية ومستوى، بحيث تدرك الجماهير انتصارها الفعلي بدوام استقلالية قرارها الوطني وحجم الثبات الذي سطرته بمواجهة السياسات الإسرائيلية الشرسة والانحياز القذر لعديدٍ من الأطراف الحليفة لهذه القوة الإحتلالية، خاصةً تلك المستترة خلف عباءاتٍ برّاقة بهدف استثارة العاطفة الشعبية. ولا اللغة امتلكت الموضوعية ولا حتى الواقعية بحيث تنتج الأثر الكفيل بتمتين النسيج الفلسطيني، يبرز ذلك دليلاً عبر تتبع الموجة التي كونتها نخب السياسة والإعلام والفكر وخلافه التي رافقت الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الاميركية، للدرجة التي يخيل لقارئها وللوهلة الأولى أن هذه النُخب بمقدورها إدارة الكون لا تشخيص المشهد الأميركي فحسب، بالوقت الذي انفصلت فيه (مقدرةً) عن الفلسطيني وافتقدت المقدرة على إسناده بمختلف الميادين وبشتى المواقف والأزمات.

وعليه؛ نعتقد أن التوقف أمام هذه القضية هي ضرورة وطنية مُلحّة، بل هي أحد الأولويات التي تفرضها طبيعة معاركنا على درب التحرر وتقرير المصير، التي لن تتأتَ بالنتيجة ما داما إنساننا مُستنزف في معارك ثانوية لن تُسمنه ولن تُغنيه من جوع. الأخطر هنا يتهدد الوطنية الفلسطينية برمتها والتي لا زالت مُصانة بوجود أحد صُناعِها ومؤسسيها الأخ الرئيس (محمود عباس) الذي لا يُقلقه أن تخرج تلك الأعداد لتؤكد له فلسطينيته ووطنيّته، ولا يقضَّ مضجعه عدد الصور التي تُرفع في (الفزعات) الموسمية، بل ينهش سلامه أن يتزعزع ثبات الفلسطيني بِفعل السياسات والماكينات المتربصة، وتغدوهاجسه تلك الكلمة التي بمقدورها أن تحفظ صلابة العلاقة بين الإنسان وهويته الوطنية. لقد اختلفت أبجديات الحروب في عالمنا بحيث انتقلت بالتجربة النضالية الفلسطينية لفصولٍ استمرت على ذات الجوهر لكنهاة اختلفت وتعددت بالصياغات، ما يتطلب تبني منظومة إعلامية تنسجم وتسند أداء قيادة الشعب الوطنية وتضحياته وثباته، واحتضان الطاقات (لا تهميشها وإزاحتها) التي بمقدورها صناعة الرأي العام الكفيل بديمومة المسار النضالي وحمايته من المشاريع اللا وطنية وطموح البعض المُنهزم.