الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عناصر التفاوض بين الإمام علي وروجر فيشر

نشر بتاريخ: 30/11/2020 ( آخر تحديث: 01/12/2020 الساعة: 13:37 )

الكاتب:

الكاتب: محمد علي فقيه

يعدد الراحل صائب عريقات المصادر والحجج والكتب المرجعية التي تؤكد أن الإمام علي بن أبي طالب سبق كل علماء السياسة في نظرية الدولة والإدارة والتفاوض.

كتاب "عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر" لصائب عريقات

يعتبر كتاب "عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر"، الصادر عن دار النصر في بيروت، من أهم المراجع في علم التفاوض وسيضفي عليه مؤلفه الراحل الدكتور صائب عريقات أهمية زائدة من خلال اختصاصه بعلم العلاقات الدولية وتمرسه الطويل في المفاوضات حيث لقب بكبير المفاوضين الفلسطينيين نظراً لخبرته الطويلة.

ولا أُبالغ إن قلت بأن هذا الكتاب سيدخل في تعداد أهم الكتب التي كتبت عن أمير المؤمين علي بن أبي طالب إلى جانب كتب:

"أعمال علي بن أبي طالب" لعبد الفتاح عبد المقصود، كـ"علي صوت العدالة الإنسانية" لجورج جرداق، "الغدير" للعلامة الأميني، "علي" لعباس محمود العقاد، و"علي إمام المتقين" لعبد الرحمن الشرقاوي...

ومن المفيد أن نستذكر هنا اقتراح أمين عام الأمم المتحدة (كوفي عنان) عام 2002 بأن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر، فتداولته اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، وبعد مناقشات طويلة، طُرحت هل هذا يرشح للتصويت؟ وقد مرت العملية في عدة مراحل ثم رُشح للتصويت، وصوّتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي.

وبعد أشهر أعلنت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قرارها التاريخي في عام 2002 والذي قال نصه ” يعتبر خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، أعدل حاكم ظهر في تاريخ البشر مستندة إلى وثائق شملت 160 صفحة باللغة الإنجليزية".

وقد جاء ذلك بعد أن قرأ الأمين العام للأمم المتحدة السابق (كوفي عنان)، كلمة مترجمة لأمير المؤمنين الإمام علي (ع) فافتُتن بها، وهي قول علي بن أبي طالب: "يا مالك إن الناس؛ إما أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق"، وقال: "هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تُنشدها البشرية".

يرى رئيس المعهد الدبلوماسي في قطر الدكتور حسن ابراهيم المهندي في تقديمه لكتاب"عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر"، أن عريقات "يؤسس في المقدمة للإسهام الذي قدمه أمير المؤمنين في علم التفاوض، مستصحباً ذكرى تجربته التفاوضية، وتأثيره عليه شخصياً (أي على المؤلف)، مشيراً إلى أن "ما قدمه في مجال الواقعية السياسية، والعلاقة بين الضعف والقوة، بين الظلم والعدالة. هذا الإنسان العربي الذي حدد مفاهيم الدولة والعهود والمواثيق وقال للمظلوم والضعيف: إن قوته تكون بالتمسك بحقوقه وليس بالتنازل عنها ."

ربما كان يطمح صائب عريقات كمفكر سياسي وكمفاوض متمرس أن يؤسس لمدرسة علوم سياسية – إسلامية، وقد بدأها بتأليف كتابه "الحياة مفاوضات"، وإلا ما معنى قول المهندي بأن "كتاب عريقات جهد أكاديمي جليل للتعريف بتراثنا وقيمنا ومبادئنا الإسلامية في مجال التفاوض، من منظور شخصية فذة في التاريخ الإسلامي، ألا وهو الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والكتاب محاولة لبناء جسور مع هذا التاريخ، للمشاركة في تأصيل وتأسيس إطار علمي شامل في دراسة عملية التفاوض".

واضح جداً منذ بداية الكتاب حتى اَخره شغف وعشق صائب عريقات لشخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيث يقول: "لم أجد احداً من يختلف في نسبه وإسلامه وشجاعته وقوة حجته وصوابه".

ويبدأ عريقات بتعداد مصادره وحججه والكتب المرجعية التي تؤكد أن أمير المؤمنين كان قد سبق كل علماء السياسة في نظرية الدولة والإدارة والسيادة.

ويبحر بنا عريقات في مطالعته الواسعة قائلاً: "الذي يقرأ تاريخ الطبري أو نهج البلاغة للشريف الرضي أو ما كتبه الشيخ محمد عبده أو عباس محمود العقاد، ومئات الدراسات والأبحاث التي كتبت عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب، يعرف تمام المعرفة أن امير المؤمنين علي بن أبي طالب، صاحب حكمة ومعرفة وسداد رأي وعبقرية قول، رجل اقتصاد وسياسة، جمع ما بين حاجات الدنيا ومتطلبات الاَخرة، وحدد ركائز وأسس علوم مختلفة منها: النفس، الاقتصاد والسياسة، واتخاذ القرار وإدارة الأزمات والمفاوضات، وأرسى أسس ومبادئ السيادة قبل أن يحددها جان بودان في كتابه "جمهورية" بألف عام".

ويوضح: حاولت أن أبيّن أننا نحن المسلمين أصحاب أكبر مدرسة تفاوضية في التاريخ قبل روجر فيشر والغرب مع احترامي لجميع الأديان والشعوب. ويضيف: لقد أسس أمير المؤمنين سيدنا علي نظرية الحق والدولة، قبل توماس هوبز وكتابه "ليفيثان" بمئات السنين.

ويروي عريقات طريقة مجالسته للعلماء بقوله: "لعشر سنوات وأكثر قرأت كل يوم، جالست الفارابي، وابن المقفع وأبا حامد الغزالي والشريف الرضي والطبري والبخاري، وكنت اسألهم في مختلف جلساتنا بعد منتصف الليل وفي ساعات الفجر في مدينة أريحا في أيام شتائها الدافئة وأيام صيفها الحارة، لو كنتم مكاني فكيف ستعدون أنفسكم لمفاوضات إسرائيل وأميركا أو هذه الدولة أو تلك في أوروبا وغيرها؟ كيف ستتعاملون مع واقع علاقات دول العرب في واشنطن؟".

ويضيف: كنت استحضر نيقولا ميكيافيلي، وتوماس هوبز، وجان بودان ومونتيسيكو وفولتير، وأطرح عليهم ذات الأسئلة، ولم تكن إجاباتهم مختلفة عن المفكرين العرب والمسلمين. فالضعف ظاهرة يسهل تشخيصها وعندما لا تتقن الأمم الحديث بلغة المصالح، فإنها عادة ما تتأثر بالأحداث من دون القدرة في التأثير عليها.

يركز عريقات في كتابه "عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر"، على أحد أبرز المؤلفين في علم التفاوض روجر فيشر الذي يمثل منهج مدرسة جامعة هارفارد ذات الأثر المهم في التعريف بعلم المفاوضات.

ويقول عن كتابه بأنه "عبارة عن دراسة مقارنة بين عناصر التفاوض السبع التي حددها عالم المفاوضات الأميركي روجر فيشر، وعناصر التفاوض الاثني عشر عند علي بن أبي طالب، أي أنها دراسة مقارنة بين السلوك التفاوضي الغربي والسلوك التفاوضي العربي – الإسلامي".

عناصر فيشر السبعة لأي مفاوضات هي: المصالح، الخيارات، الشرعية، العلاقة، الإتصال، الإلتزام، البدائل. وقد توسع عريقات في شرحها في الفصل الأول. وعناصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هي: الشرعية، الإلتزام، الإتصال، العلاقات، الخيارات، البدائل، المصلحة، العدل، العلم والمعرفة، الصبر والثبات، القيادة والمسؤولية، والمتغيرات.

وبذلك يكون هناك سبعة عناصر مشتركة بين روجر فيشر، وعلي بن أبي طالب.

ويوضح عريقات أن الفصل الثاني من الكتاب يدخل في مقارنة دقيقة بين هذه العناصر مسترشداً بعدد من التطبيقات أهمها عتبة بن ربيعة، صلح الحديبية، والتعامل عند فتح مكة، إضافة إلى رسائل الرسول محمد صلى الله عليه واَله وسلم.

ويؤكد عريقات أن الفصل الثالث يبحث بعمق تجربة سيدنا علي عنه عند استخدامه القصاص من قتلة سيدنا عثمان بن عفان، وعزل الولاة، وموقعة الجمل، ومفاوضات صفين، ومفاوضات أم تحكيم، ومواقف سيدنا علي من نتائج المفاوضات (التحكيم).

ورغم ذلك يؤكد عريقات بأدبه الجم وثقافته الموسوعية "أن المقارنة لا تُقيم بين إنسان مثلنا وروجر فيشر وبين الخليفة الراشدي الرابع أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، إلا انه وبغرض الموضوعية العلمية وجدت لزاماً أن أبين لكل الدارسين أن سيدنا علي، أرسى 12 عنصراً للمفاوضات، قبل أن يضع روجر فيشر عناصره السبع بألف وأربعمائة عام ".

ويركز عريقات على السلوك التفاوضي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب "بصفته صحابياً يلتزم بالأحكام الشرعية، خاصة أنه لم يكن قائداً متردداً إذ كان صاحب قرار ملتزماً بالحكم الشرعي، ولو لم يكن كذلك لما تصرف على النحو الذي تصرف عليه في عزله معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام، وفي طلب تسليم قتلة عثمان بن عفان، وفي معاملة طلحة والزبير وفي قبول التحكيم".

يعتقد عريقات أنه "دائماً ستكون الحاجة إلى المزيد حول سيدنا علي بن أبي طالب، فلو كتبنا كتاباً في كل دقيقة من ساعات وأيام وأشهر وسنين الزمن، لما أوفينا إمامنا وسيدنا وأميرنا علياً حقه".

كلام عريقات هذا يعيد إلى إلى الذاكرة ما قاله الباحث السعودي المعروف الشيخ حسن فرحان المالكي عندما تساءل: ألا يستحق علي بن أبي طالب الذي نزلت في حقه أكثر من (110) آيات في القرآن الكريم، أن نزيد عدد صفحات كتاب التاريخ ليعرف فلذات أكبادنا، إنسانية هذا الرجل وعطاءه الثري ودفاعه واستشهاده من أجل إعلاء كلمة الحق.