الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

"فتح" الثورة والفكرة .. المقاومة والأسرى والدولة

نشر بتاريخ: 20/02/2021 ( آخر تحديث: 20/02/2021 الساعة: 19:01 )

الكاتب: ربحي دولــة





مُنذ النكبة وما لحق بشعبنا من ويلات التشريد والتفريق بينه وبين أرضه وعائلته، بفعل إجرام الجماعات الصهيونية التي لاقت الدعم والتجهيز من الانتداب البريطاني فهدمت المُدن والقرى وقتلت وشردت المئات من أبناء شعبنا ووشردتهم عن أرضهم.
بفعل ذلك توزع أبناء شعبنا في المهجر بين مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا والأردن وفي داخل الضفة الغربية، أبدى العالم الذي كان شريكاً بذات النكبة، أبدى نوعاً من التعاطف وأصدر القرار ١٩٤ الذي نص على وجوب عودة كافة اللاجئين الذين شُردوا من ديارهم الى مدنهم وقراهم ، فيما لم يلق هذا القرار استجابةً من قبل دولة الكيان الصهيوني التي لم تتعرض لأي ضغط حقيقي لتنفيذ هذا القرار، وفي ظل هذه الظروف الصعبة بدأ العالم أجمع يتعامل مع قضيتنا كقضية لاحئين : معونات ومساعدات وإغاثه، فيما تناسى كونها قضية شعب وأرض وحقوق وهويةز
في هذه الأثناء كانت مجموعات من الطلبة الدارسين في الجامعات في بعض الدول العربية وعلى رأسهم الشهيد ياسر عرفات ورفاق دربه من القادة المؤسسين الذين لم يقبلوا بما جرى فأطلقوا نواة التفكير في كيفية إعادة الحقوق لهذا الشعب جراء الصمت العالمي والتراجع العربي، بتأسيس فعل جدي مقاوم يعمل على دحر الاحتلال وتحرير الأرض المسلوبة وإعادة الحق الى أهله، حيث كان اللقاء الأول الرسمي في دولة الكويت كأول مؤتمر تأسيسي لحركة فتح التي انطلقت بأول عمل عسكري في العمق الصهيوني عندما كان يفكر هذا الاحتلال بنقل مياه بحيرة طبريا الى صحراء النقب.
تجسيد الفكرة الى واقع ..
هنا كان العمل الذي جسد الفكرة الى واقع وبعدها جاءت النكسة وهُزمت الجيوش العربية كافة وسقطت كامل الاراضي الفلسطينية تحت الاحتلال ، فيما كانت حركة فتح متمركزة في الأردن الذي حاول وزير جيش الاحتلال خلالها الخلاص من مواقع الثورة وجهز جيشه وقام بالهجوم على موقع الثورة موهماً نفسه وحكومته بأنه قادر على القضاء على ثورة هذا الشعب الذي آمن ثُلة من أبنائه بحقهم في وطنهم وبقدرتهم على تحريره، حيث كانت المُفاجأة التي فجرها الثوار الذين قادوا معركة الكرامة التي مرغت أنوف جيش الاحتلال الذي لا يقهر على حد وصفه، في ذلك الوقت بفعل قيادة الثوار الذين ابلوا بلاءً حسناً في مواجهة العدو وردوه خاسراً خاسئاً في معركة ردت الكرامة للأمة العربية ، واستمر المد الثوري والحركي ليطال كل المناطق وتشابكت الأيادي بين الداخل والخارج بعنفوان وقوة وقدمت حركة فتح خيرة أبنائها وقادتها على طريق الحُرية والاستقلال، فتعرضت "فتح" للعديد من المؤمرات من قبل الأنظمة العربية التي كانت ترتجف خوفا على مواقعها فحاولت الاحتواء وحاولت الخلاص منها وبعد أحداث جرش والخلاف مع النظام الاردني وضمن اتفاق القاهره الذي عمل عليه الراحل جمال عبد الناصر خرجت على إثره قيادة الثورة الى لبنان، ولم تقف محاولات الخلاص من حركة التحرر الى هذا الحد، ففي لبنان حاولت "الكتائب المارونية" وبدعم من "النظام السوري" القضاء على الثورة فقصفت المخيمات وحاربت الثوار، الا أن بسالة الثوار وحكمة قيادتنا التي خرجت من هذه المواجهة أكثر صلابة لأن بوصلتنا دائماً تتجه نحو القدس وليس نحو اي عاصمة عربية أخرى. جاء دور دولة الاحتلال بالهجوم المباشر على قواعد الثورة في الليطاني عام ١٩٧٨ ولم يحقق مبتغاه حتى عام ١٩٨٢ عندما أعاد وزير جيش الاحتلال التجربة مرة أخرى مع الثورة فقام باجتياح لبنان، وحاصر قواعد الثوار والتي سجلت صمودا اسطوريا بقيادة الشهيد الخالد ياسر عرفات ورفاق دربه، وارتكب العدو أبشع الجرائم وتعاون معه عصابات "الكتائب" التي ارتكبت مذابح صبرا وشاتيلا بالشراكة مع جيش الاحتلال الذي كان يُحاصر المنطقة جميعها، وقدمت "فتح" خيرة ابناءها شهداء، واستمرت المؤامرة فيما ساعد النظام السوري في عملية الانشقاق الشهيرة في الحركة عندما انشق "ابو موسى" أحد القادة العسكريين المهمين في الحركة لكسر إرادة هذه الحركة قوة الحركة والالتفاف الجماهيري حولها في الداخل والخارج كان أهم اسرار الاستمرار في العمل بقوة، وخرجت الثورة من لبنان وتوزعت على عدة دول عربية وجاءت انتفاضة الحجارة كاستمرار طبيعي للعمل الثوري والجماهيري نحو العودة الى فلسطين.
الانتفاضة طريق للعودة

أسست الانتفاضة طريق العودة لأرض فلسطين وكان لحركة فتح ورجالاتها الكلمة الفصل في هذه الانتفاضة التي قدمت فيها الالاف بين شهيد وأسير وجريح، كي تعود القيادة وتؤسس أول كيان فلسطيني على الأرض الفلسطينية بعد مشوار طويل من النضال، ولا عجب أن تستمر الحركة في قيادة هذا المشروع الوطني دون إغلاق الباب أمام الكل من المشاركة، فيما تحملت هذه الحركة كل السلبيات التي نتجت عن سلوكيات البعض أو نتيجة قصور في الآداء نتيجة عدم التزام حكومة الاحتلال بالتزاماتها وسياسة العقاب والحصار والتي أضعفت الحكومة وحدت من انجازاتها وخاصة ان شعبنا بنى الكثير من الامال عليها.
وفي ظل استمرار سياسة المماطلة والتهرب من الالتزامات فجر ابوعمار انتفاضة الاقصى وكان لأبناء فتح كما العادة الدور المحوري والمركزي في قيادتها فكان أبناء الأجهزة الأمنية والعسكرية الى جانب مجموعات كتائب شهداء الاقصى البصمة الواضحة في الرد على جيش الاحتلال من خلال عمليات نوعية شكلت نقطة تحول في المعركة، حيث كانت عملية "عيون الحرامية" وحاجز دير ابزيع التي نفذ الأولى ابن هذه الحركة ثائر حماد والثانية مجموعة من المؤسسة العسكرية في مواجهة كانت من نقطة الصفر مع جيش مجهز بأحدث معدات القتال لكنه أضعف من يواجه أصحاب الحق في أرضهم.
وبعد رحيل الرئيس ياسر عرفات كما تمنى شهيداً بعد حصار طويل وتعرضه للتسميم، استلم خليفته الرئيس محمود عباس إدارة الحكم بانتخابات رئاسية، وعقد انتخابات للمجلس التشريعي الذي عاقبت الجماهير، حركة فتح كما فعل ابناؤها من خلال خروجهم عن قوائم الحركة وفازت حركة حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي وانقلبت على نفسها من خلال سيطرتها على قطاع غزة بقوة السلاح بعد هجومها المسلح على مقار السلطة الوطنية وقتل المئات من ابناء شعبناز
نقف اليوم على أعتاب انتخابات تشريعية أرى أنها مفصلية في طبيعة العلاقة الفلسطينية - الفلسطينية والتي بدورها ستحدد الطريقة والبرنامج الذي سيبنى في مواجهة الاحتلال حتى إحقاق الحق الفلسطيني .
وهنا لا بد من التطرق الى أن حركة فتح الحركة التي قدمت قادتها وشبابها شهداء وقدمت التضحيات الجسام لم تكن تتطلع الى موقع او مسمى وظيفي ولكن تطلعاتها نحو التحرر الوطني ودحر الاحتلال وتخليص شعبنا من ويلاته، فكادرها قيادي بامتياز لا يُعنى بكل المسميات المطروحة سواء نائب في التشريعي او المسميات الوظيفية والتي لا تُقارن بعدد ابناء الحركة .
إن حسن الاختيار لمن يمثل هذه الحركة في الاستحقاقات القادمة هو سر نجاح حركتنا في استمرار قيادة هذا المشروع حتى النهاية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .
هذه الحركة التي قادت الثورة منذ اللحظة الاولى وتسابق كبارها وصغارها على التضحية والشهادة أكبر بكثير من أية مسميات أخرى، فلقب مناضل أو ثائر أو مقاتل لا يحصل عليه، إلا من قام بالفعل الحقيقي في المواجهة، أما الموظف او اي مسمى آخر فهي متاحة للجميع واي شخص ممكن ان يصل لها ، فإن فتح الحركة التي ستبقى اكبر من كل المسميات .

• كاتب وسياسي