الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

حال تأجيل الانتخابات التشريعية: هل يحق للموظف العام -المستقيل لغاية الترشح- العودة لوظيفته؟

نشر بتاريخ: 26/04/2021 ( آخر تحديث: 26/04/2021 الساعة: 10:34 )

الكاتب:

د. محمد صعابنه عميد شؤون الطلبة ورئيس قسم القانون الخاص في جامعة فلسطين الأهلية

اشترطت المادة (8) من القرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة وتعديلاته، على الموظفين العموميين ومن في حكمهم- كالوزراء وموظفو المؤسسات العامة- الراغبين في ترشيح أنفسهم لعضوية المجلس التشريعي ضمن إحدى القوائم الانتخابية تقديم كتاباً خطياً يفيد قبول استقالتهم يرفق مع طلب ترشحهم.

ويبدو لي أن الغاية التي يبتغيها المشرع الفلسطيني من اشتراط الاستقالة لهذه الفئات من المرشحين هي عدم الجمع بين وظيفتهم وعضوية المجلس في حالة الفوز، وحتى لا يستغلوا مراكزهم الوظيفية في الانتخابات، وليتفرغوا للانتخابات بشكل كامل.

وبالعودة للمشهد الانتخابي، نلحظ أنه في الأيام الأخيرة توالت الأخبار والشائعات والتسريبات والتصريحات للمسئولين الفلسطينيين التي توحي بأن قرار تأجيل انتخابات التشريعية الفلسطينية أصبح وشيكًا ومرجحاً. وهذا يجعلني أطرح التساؤل التالي: أنه في حال صدر قرار التأجيل لأي ظرف كان، هل يحق للموظف الذي استقال من وظيفته – رغبة للترشح- العودة إليها، خاصة وأن التأجيل كان لظرف أجنبي خارج عن إرادته، وأن سبب تقديم الاستقالة لم يتحقق؟ بعد مراجعتي للقوانين الفلسطينية النافذة، لا سيما القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م، وقانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998م وتعديلاته، والقرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة وتعديلاته، لم أجد نصاً قانونياً صريحاً يجيب على التساؤل المطروح، الأمر الذي يدفعني للاجتهاد بغية استنباط حكم المسألة المذكورة من القواعد القانونية العامة الناظمة لموضوع الاستقالة وغيرها.

فالمادة (8) كما ذكرنا أعلاه، اشترطت صراحة على الموظف العام ومن في حكمه تقديم كتابا خطياً يفيد قبول استقالته ويرفق مع طلب ترشحه، ولكن بذات الوقت لم يرد فيها أو بغيرها من المواد ما يفيد تعليق قبول الاستقالة على شرط تحقق إجراء الانتخابات في موعدها وعدم تأجيلها و/أو الفوز فيها.

وهذا يعني أنه بمجرد قبول الاستقالة، يكون الموظف العام (المرشح) قد أنهى خدمته من وظيفته خطياً وبإرادته المنفردة والحرة، ودون إكراه أو قيد أو شرط، وهذا ما تؤكده المادتين (96 و 99) من قانون الخدمة المدنية، ومن ثم لن يقبل من الموظف المستقيل - بعد قرار التأجيل– الاعتذار بجهل القانون بهدف العودة لوظيفته. وتأسيساً لما سبق، وفي حال صدر قرار التأجيل، فإنه لا يحق للموظف المنتهية خدمته العودة إلى وظيفته-السابقة- مباشرة، أو حتى المطالبة بإلغاء قرار التأجيل و/أو التعويض عن الأضرار التي أحدثها له القرار، وذلك لأن استقالة الموظف غير مقترنة أصلاً بأي شرط، وكون قرار التأجيل يدخل في سياق قاعدة الجواز الشرعي ينافي الضمان، ويعد مثل هذا القرار من قبيل أعمال السياسة السيادية الصادرة عن السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارية، هدفها حماية الوطن ومصالحه العليا، وهذه الأعمال تتمتع بحصانة ضد رقابة القضاء سواء الإلغاء أو التعويض أو وقف التنفيذ أو فحص الشرعية.

وعلى ضوء ذلك، ليس أمام الموظف المستقيل إلا أن يسلك الطريق التي حددتها المادة (8) من القرار بقانون، وهي أن يتقدم بطلب توظيف جديد عند وجود أي شاغر في أي دائرة، وأن يخضع إعادة توظيفه لشروط المسابقة والاختبار، أسوة بغيره من المتقدمين للوظيفة وفقاً لأحكام القانون أو أنظمة التعيين النافذة. وعليه، إذا قامت أي دائرة أو هيئة أو مؤسسة بإعادة موظفها المستقيل (المرشح)، دون أن تسلك الإجراءات التي يتطلبها القانون، فإنه يحق لصاحب المصلحة الطعن في قرار إعادة التعيين لدى القضاء الإداري كونه قراراً معيباً ومخالفاً للأصول والقانون. ولعلي ألتمس مما سبق، غياب الضمانات القانونية للموظف المستقيل بشأن عودته لوظيفته، وهذا يعني أن الموظف سيجد نفسه قد دفع ثمن قرار تأجيل الانتخابات وخسر وظيفته ومصدر رزقه، الأمر الذي قد يدفعه إلى إدانة هذا القرار ورفضه قولاً وفعلاً، وهذا سيدخل المشهد الفلسطيني في دوامة أصعب وأعقد من الدوّامة التي سبقت قرار التأجيل، وسيكرًس الانقسام والفرقة لا قدر الله. وتجنباً لتبعات قرار تأجيل الانتخابات وتداعياته على كافة الأصعدة، أوصي بإجراء الانتخابات بموعدها، وتحويلها إلى تحدٍّ للاحتلال ومعركة لانتزاع الحقوق، لأنه ليس من العدل والمنطق أن يبقى مصير الانتخابات ومستقبل النظام السياسي الفلسطيني والشعب كله رهينة بيد المحتل الصهيوني.

وختاماَ، قد لا تتحقق أمانينا وتوصيتنا بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وهذا يعني أنه سيصدر مرسوماً رئاسياً بشأن تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، حِيْنئذٍ نأمل أن يتضمن هذا المرسوم أحكاماً قانونية تعيد لمستقيلي الوظيفة -لغاية الترشح- مراكزهم القانونية.