الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الشهداء أجمل منا جميعاً

نشر بتاريخ: 21/06/2021 ( آخر تحديث: 21/06/2021 الساعة: 11:07 )

الكاتب: د. سرمد فوزي التايه

ظاهرةٌ شائعة في مجتمعنا الفلسطيني يتم بموجبها نعت الشهداء بأجمل الألقاب والأوصاف، والنظر إليهم بأبهى الصور والتجليات! كان الظنّ وعبر التاريخ أنَّ من يفقد روحه ويختاره الله إلى جواره؛ أن يُنظر إليه بعين الحُزن والشفقة؛ وبالتالي يتم ذِكْر محاسنه والتندُّر على أيامه وذكرياته. ولكن وبعد الأحداث الأخيرة؛ وتحديداً ما صار رائجاً، وبدأ عَبَقِهِ يملأ الجو من مواقف العِزِّ والفَخار؛ ما أبهر العالم بما يجري في جبل صبيح في بلدة بيتا المُقاومة؛ والذي كان أحد أهم مظاهره سقوط خمسة شهداء ومئات الجرحى دفاعاً عن جَبَلها السليب، إضافة الى ما شهدناه من المواقف البطولية والرجولية والمقاومة العنيفة خلال العدوان الغاشم على قطاع غزة خلال هذه الهَبَّة للدفاع عن حي الشيخ جراح بالقدس الشريف المُهدَّد بالاستيلاء عليه من قِبَل العصابات الصهيونية وقطعان المستوطنين المُشردين المُعتدين بحماية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية المُغتصِبة والتي أدت إلى سقوط 243 شهيد، ناهيك عما شهدناه من أحداث جنين الفخر والفداء والبطولة وتحديداً في مقر الاستخبارات الفلسطينية والتي دفعت قرابينها للدفاع عن أبناء الوطن الواحد! علاوة على من ارتقوا في أنحاء مُتفرقة من الضفة الغربية ومدن فلسطين التاريخية المُحتلة في العام 1948 نُصرةً للقدس والقضية المُقدَّسة المُشرِّفة.

عند استعراض مُحيّا وصور الشهداء الذين سقطوا في تلك الاحداث الأخيرة المُشار إليها، وعلى سبيل الذكر لا الحصر؛ نرى الجَمال الأخّاذ لهؤلاء الثُلة الذين آمنو بربهم وبعدالة قضيتهم؛ فزادهم الله هُدىً وجمالاً ورِفعةً، وأسقط مَحبَّتهم في قلوب العالمين! فصورة عيسى برهم، وطارق صنوبر، وزكريا حمايل، ومحمد حمايل، وأحمد بني شمسه، وأدهم عليوي، وتيسير عيسه، وجميل العموري، وفادي وشحة، وسعيد عودة، ومي عفانة والجمع الغفير من شهداء غزة في ذات الفترة الزمنية، وجميع الشهداء في جميع أرجاء فلسطين التاريخية ومن سبقهم على هذا الدرب الطويل؛ نرى أنَّ النور بدا يُشعُّ من وجوههم جميعاً، وأنَّ ملامحهم تُوحي بِجَمالٍ غريبٍ ساحرٍ حازوا عليه دون غيرهم! وكأن الله قد حَباهم بهذه الخصال دون غيرهم.

لقد أصبح من المُتعارف عليه أنَّ الشهداء أكرم منا جميعاً، وبالطبع هذا لا مناص منه؛ فمن يُضحّي بأغلى ما يملك – وهو الروح – فهو بالفعل وبكل تأكيد هو أكرم والأكرم منا جميعاً؛ لأننا لم نصل بعد إلى قَدْرِ هذه التضحية وهذا الفداء! ولكن أن يُقال أنَّ الشهداء أجمل منا جميعاً؛ فهذا القول قد يكون غريباً للوهلة الأولى وقد يظهر أنه من باب مُداعبة المشاعر ليس إلا؛ ولكن عندما نتمعَّن بوجوههم جيداً، ونعمل على إدراج صورهم على آلة كشف الجَمال الحقيقي التي لا تُخطأ ولا تُبالغ ولا تُحابي أي كان؛ نشعر بالمعنى الدقيق والحقيقي لهذا الجَمال وهذه الوسامة!

أجزم قولاً انني وبعد أن استعرضت صوراً عديدة للشهداء الذين سقطوا في الفترة الأخيرة، أو من ارتقوا منذ سنين خَلَت؛ أنهم بالفعل كانوا أجمل منا جميعاً؛ فقد بدا على ملامحهم خِصالٍ غريبة، ومسحاتٍ عجيبة، وتضاريس جاذبة لم نكن نراها قبل استشهادهم للأسف. ولكن وبعد أن التحقوا بالرفيق الأعلى؛ بدت سيماهم وسيميائية وجوههم تُطلق عنان ذلك الجَمال غير الطبيعي ودون قيود! وتُقدِّمه على طَبَقٍ من ذهب أمام الناظرين الباحثين عن الإبهار والنور الحقيقي الذي لا شوائب فيه ولا تدليس.

إنَّ ما تَحصَّل عليه هؤلاء الشهداء المُميزون المُتميزون من الجَمال الحقيقي ليس بجَمال الوجه والمظهر فحسب؛ فاجتماع جمال الروح، وجمال الخُلق، وجمال الأدب، وجمال التعاون، والتحاب، والتواد، والتضحية، وغيرها من معاني الجَمال السامية نتج عنها كائن بهالةٍ واضحةٍ مُنيرة يراها كل ذي بصيرةٍ أو لبيب. فتلك الهالة تُوحي بأن هذا الآدمي قد استحوّذ على كل خِصال الجَمال والكمال كلها! فحاز طبقاً لذلك على حُبِّ الخَلق بعد حُبِّ الخالق له والذي حبَّب الخَلق بمخلوقة. بالتالي، ولأن الشهداء هم من اختاروا الشهادة وطلبوها بحق؛ فقد حقَّ على الله الحقّ أن يختارهم ويتخذهم شهداء مُصطفين من سائر خلقة! وخير دليلٍ على ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز وفي سنَّة نبيِّه المُطهرة؛ فقد قال الله تعالى في واحدة من الآيات في حق الشهداء واختياره لهم:

(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). (140)آل عمران

وقال رسول الله ﷺ:إن الله تعالى إذا أحبّ عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحببه، فيُحبه جبريل، ثم يُنادي في السماء، فيقول: إنَّ الله يُحب فلاناً فأحبوه، فيُحبه أهل السماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه. فيُبغضه جبريل، ثم يُنادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم تُوضع له البغضاء في الأرض[1]. رواه البخاري