الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحن لسنا بالشعب الخارق ...ولنكف عن جلد الذات

نشر بتاريخ: 20/09/2021 ( آخر تحديث: 20/09/2021 الساعة: 13:11 )

الكاتب: راسم عبيدات

على مدار ثلاثة وسبعين عام احتلال ل ال 48 و 54 للضفة الغربية وقطاع غزة قبل تحررها في 2005 وحتى الآن..الإحتلال في سبيل تحقيق اهدافه وخدمة مشاريعه ومخططاته،يعمل على خلق بنية له من افراد وجماعات وبنى اجتماعية واقتصادية وسياسية في البلد المُحتل،...ولذلك في الداخل الفلسطيني- 48 - تجد من يعملون من ابناء شعبنا في مؤسسات الإحتلال الأمنية والشرطية وفي مصلحة السجون والمؤسسات المدنية ذات البعد الأمني،وكذلك من يخوضون الإنتخابات للبرلمان الإسرائيلي " الكنيست" ضمن أحزاب اسرائيلية...وفي الضفة الغربية والقدس المحتل يغرس اعوانه والمتعاونين معه في قلب صفوف شعبنا ...حتى الكثير من العصابات الإجرامية ومهربي السلاح تكون تعمل مع أجهزة امن الإحتلال،وكذلك هذا ينطبق على نسبة ليس بالبسيطة على "طخيخة" الأعراس والجنازات،فهؤلاء عندما يسمح لهم المحتل بحمل السلاح يعرف جيداً انه يوظف في اغراض ليس لها علاقة ب م ق ا و م ت ه أو عمل وطني.

نحن لسنا بالحالة الفريدة او الإستثنائية المتميزة عن البلدان التي خضعت للإحتلال والإستعمار الإحلالي ...الإحتلال الفرنسي للجزائر والأمريكي لفيتنام ولليابان والآلماني لفرنسا والجنوب اللبناني ...كل هذه البلدان جند فيها المحتلون متعاونين معهم افراد ومؤسسات ...ولذلك الصياح والعويل وبث ونشر الفتن بين ابناء الشعب الواحد يحفر عميقاً في تفكيك وحدة الشعب مجتمعياً ووطنياً..ويبقى الجوهر هنا خلق حالة وعي سياسي حقيقي وتصليب الجبهة الداخلية وتحصينها .. وايجاد بيئة طاردة ونابذة لمن ترتبط مصالحهم بمصالح الإحتلال أو من يتعاونون معه.

عملية أبطال "نفق الحرية" والتي ضربت هيبة المؤسستين الأمنية والعسكرية ا ل ص ه ي و ن ي ة كركائز لوجود دولة الإحتلال،وقالت بأن هناك حالة من الإهتراء والضعف عند هذه الدولة وتراجع في قدراتها الأمنية ومدة الإستعدادية والجهوزية.

عملية "نفق الحرية" أعطت شعبنا على طول وعرض فلسطين التاريخية وفي مخيمات اللجوء وفي الشتات،وكل المؤمنين بنهج وخيار وثقافة ا ل م ق ا و م ة ،والقائلين بأن كلفة هذا النهج والخيار،رغم ثمنها الغالي،ا تبقى أفضل مليون مرة من خيار ثقافة الإستسلام و" الإستنعاج"..وهي اعطت شحنة كبيرة من المعنويات الى كل أبناء شعبنا،هذه الشحنة من الطاقة الإيجابية،شاهدناها في المسيرات والمظاهرات ومباهج الفرح التي انطلقت تحيي بطولة هؤلاء الأسرى وتشيد بدورهم ونضالاتهم وتضحياتهم،وما أقدموا عليه من حفر للصخر بملاعقهم ومقابض المقالي والبراغي والأدوات الحديدية الأخرى،تلك العملية البطولية التي اختزنت من معاني البطولة والإرادة والعزم الشيء الكثير والنوعي،وأنا في قراءتي لما حدث وما تبعه من سيناريوهات واعادة اعتقال لهؤلاء الأبطال ،أرى بأن ما حصل اتي في سياق متصل وعلى نحو سريع وبوجهة واحدة،هي الصعود نحو تركيم المزيد من الإنتصارات والإنجازات ضمن مسار سيؤدي الى مرحلة نوعية قادمة لا محالة،فنحن امام قوسين،قوس فلسطيني صاعد يمثله الشعب الفلسطيني وم ق ا و م ت ه وطاقاته الشبابية التي تؤمن بالقدرة على التغيير وتحقيق الإنتصار،وبين دولة إحتلال تراكم فشل وراء فشل من بعد معركة "سيف القدس" و قتل القناص الص ه ي و ن ي من نقطة الصفر على يد م ق ا و م فلسطيني عبر فتحة الجدار على حدود القطاع.

دولة تتشظى سياسيا وتزداد أزماتها ونشهد تراجعاً في قدراتها الأمنية..والفشل الإستخباري والأمني الكبير في عملية "نفق الحرية".لا شك بأن لحظة تلاقي القوسين الفلسطيني الصاعد والإسرائيلي الهابط ، ستشق الطريق نحو مسار تراكمي جديد، يضع الكيان بين خياري المضي في حرب شاملة قد تكون آخر حروبه، أو التساكن مع متغيرات تزيد هزاله وتعمق حال التراجع الاستراتيجي، وتمنح خيار ا ل م ق اوم ة مساحات إضافية في توازن الردع والتحرير، على قاعدة معادلة «القدس أقرب».

بعد عملية اعادة اعتقال الأسرى الأربعة بزمن فاصل ، شهدنا بأن ردودنا غلب عليها العاطفية والإنفعالية وتراجع كبير في الحالة المعنوية،والبعض بدأ يسوق الإتهامات وعبارات التخوين،بحق أهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني – 48- وبالذات أهلنا في الناصرة،بأن المتعاونين مع الإحتلال هم من سلموا الأسرى الأبطال الأربعة،ورغم نفي قائد عملية "نفق الحرية" محمود العارضة لذلك،ولكن لو أخذنا بشبهة ما قاله الأسير المعاد اعتقاله يعقوب القادري،بأن هناك من وشى بهم،فهذا ليس بالشيء الإستثنائي ولا بالمستغرب،في ظل إحتلال يعمل ليل نهار،لكي يفكك سياج نسيجينا الوطني والمجتمعي،ويخترقهما حتى في أضيق الدوائر المحيطة بالمناضل من بيت وأسرة وعائلة ومحيط اجتماعي ومن ثم قرية ومدينة وأحزاب وفصائل ومجتمع.

وما حصل بعد اعتقال الأسرى الأبطال الأربعة في الناصرة وبالقرب من أم الفحم،وجدنا بأن هذا السيناريو يتكرر بعد اعتقال الأسيرين ايهم كممجي ومناضل انفيعات،واللذان أيضاً وجهها ضربة قوية لأجهزة أمن الإحتلال ومخابراته المتسلحة بكل وسائل التكنولوجيا والتجسس والعنصر البشري والمتعاونين في الميدان،حيث تمكنا من اختراق كل أسيجة وحصون وحواجز الإحتلال الأمنية،وتمكنا من الدخول الى جنين،ووجدا هناك من احتضنهما،رغم كل المخاطر المترتبة على ذلك،وكذلك الفصائل لم لم تتخلى عنهم ،رغم انني متفق بأن الجسم الفصائلي ليس على ما يرام،ولكن ما حدث في تقديم موعد بدء العملية،حسب ما أفاد الأسرى أنفسهم في التحقيق،خلق حالة من البلبلة والإرباك في عملية التواصل والمساعدة.

ولذلك القيام بعملية جلد الذات بشكل غير مسبوق وبثث ونشر الإحباط واليأس بين الناس،وكيل الإتهامات لأهل جنين ولفصائل م ق ا و م ت ه ا،بانهم جزء من عملية تسليم الأسيرين ،اعتقد انه يجافي الحقيقة،ويصب في خدمة الإحتلال وأجهزته الأمنية،الذي يريد تهشيم صورة ا ل م ق ا و م ة في أذهان شعبنا،وتظهرهم بأنهم مجموعات من اصحاب الشعارات والتهديدات الفارغة والجوفاء،وبأن كل هذه ال ب ن ا د ق غير قادرة على حماية اسيرين وكذلك اهل جنين ا ل ق س ام.

لا شك بأن العملية التي قام بها الإحتلال من أجل اعادة اعتقال الأسيرين،والتي اشترك فيها الجيش و"الشاباك" ووحدة "اليمام"،واستخدم فيها عدد كبير من قواته وأجهزته الأمنية ووسائل التكنولوجيا المتقدمة والمناورة الواسعة وعملية التضليل والخداع التي قام بها المحتل،نجحت في اعادة اعتقال الأسيرين،والإحتلال وهو يقدم على عملية الإعتقال،ويتابع ذلك كل قادته بما فيهم وزير جيشه واركانه ورئيس وزرائه،كان حريصا على عدم قتل الأسيرين،خشية من رد فعل ا ل م ق ا و م ة وإنفجار الأوضاع في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني- 48،وكذلك الأسيرين كانا حريصين على سلامة من احتضنوهم،ولذلك كما فعل رفاقهم الذين اعتقلوا قبلهم،حيث قالوا لم نختلط او ندخل بيوت أهلنا في الداخل الفلسطيني -48 – خوفاً عليهم وليس منهم،وهنا تجلت في الحالتين اخلاقهم وإنسانيتهم فوق وطنيتهم ومصيرهم.

ولذلك نحن نقول رغم كل الأخطاء والثغرات والقصورات،ولكن ما حصل اعاد لقضية الأسرى مركزيتها فلسطينياً وعربياً ودولياً،وكذلك اكد على أن ثقة الشعب با ل م ق ا وم ة وخيارها ونهجها أعلى بكثير من الثقة بخيار القائلين بالمفاوضات العبثية و"التفاوض من أجل التفاوض"،وأيضا هذ العملية عمقت من حالة الفرز الداخلي وكشفت عورات الكثيرين..وقالت للمحتل بأن من يمتلك الإرادة قادر على تخطي كل منظومات الإحتلال الأمنية والعسكرية،وأيضا ما تحقق يراكم المزيد من الإنتصارات والإنجازات في مسار صاعد نحو الوصول لمرحلة نوعية قادمة.