الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

طبيعة الصيغ التمويلية للإجارة المنتهية بالتمليك من منظور شرعي

نشر بتاريخ: 14/09/2022 ( آخر تحديث: 14/09/2022 الساعة: 17:30 )

الكاتب:

بقلم د. سهيل الأحمد

إن الصيغ التمويلية التي تدعم وجودها التشريعات الإسلامية بقواعدها وتفصيلاتها تعمل على تحقيق رسالتها السامية وإبراز دورها الإيجابي في خدمة المجتمع وزيادة رفاهيته، فهي بما لديها من تطبيقات شاملة ومتكاملة لإظهار قاعدة الصلاحية لكل زمان ومكان ولأداء الواجبات المنوطة بها من النواحي الاجتماعية والاقتصادية؛ هدفت لرعاية مصالح الناس والتيسير عليهم وتحقيق سعادتهم، وحيث كان من وسائل تحقيق ذلك وإرسائه عقد الإجارة المنتهية بالتمليك. والإجارة المنتهية بالتمليك هي صيغة تمويلية من وجهة نظر المستأجر واستثمارية من وجهة نظر المؤجر، وهي مبنية على قواعد عقد الإجارة وفي إطار صيغة تمويلية تحقق حاجات الراغبين في اقتناء عقار لا يملك هؤلاء كامل الثمن. حيث يقوم المؤجر بشراء الأصول وتأجيرها للمستأجر بعقود تتضمن وعد المؤجر للمستأجر بنقل الملكية له بعد قيامه بسداد قيمة الأصل المأجور إضافة إلى الأجرة، لهذا تكون الأجرة أعلى من أجرة المثل، وغالباً ما يتم سداد هذا الثمن على أقساط. وتتجلى الصيغ التمويلية للإجارة المنتهية بالتمليك تبعًا لطريقة نقل الملكية من خلال الآتي:

أولًا: أن يصاغ العقد على أنه عقد إيجار ينتهي بتملك المستأجر للعين المؤجرة بمقابل يتمثل في المبالغ التي دفعت فعلاً كأقساط إيجار للشيء المؤجر خلال المدة المحددة، ومن ثم يصبح المستأجر مالكاً ومشترياً للعين المؤجرة تلقائياً بمجرد سداد القسط الأخير دون حاجة إلى إبرام عقد جديد. وهذا كأن يقول: أجرتك هذه السلعة بأجرة معينة في كل شهر أو عام، لمدة خمس سنوات، على أنك إذا وفيت بهذه الأقساط جميعها في المدة المحددة؛ كانت العين المؤجرة ملكاً لك مقابل ما دفعته من أقساط، فيقول الآخر: قبلت.

فالعقد هنا إجارة تنتهي بتمليك يكون بمقابل قسط الأجرة المحدد، حيث تنتقل ملكية السلعة إلى المستأجر بمجرد سداد القسط الأخير ودون الحاجة إلى إبرام عقد جديد، والثمن هنا فقط ما سدد من المبالغ كأقساط خلال المدة المحددة. وهذه الصورة منعها مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم 110(4/12)، في دورته الثانية عشرة بالرياض، في 25 جمادى الآخرة، عام 1421ه، حيث يتضح لنا أن العقد صِيغَ من بدايته على أنه إجارة، ولكنه بيع في نهايته، وهنا لا يمكن اعتماد هذه الصورة لأمور منها:

1- أن كل مبيع لابد له من ثمن، وهو هنا لم يتحقق، لأن الحاصل هنا اعتبار الأقساط في الإجارة من قبيل ذلك، وهذا ليس بثمن بل المدفوع هو الأجرة فحسب. وقد روعي فيها ثمنية السلعة مع إضافة ربح متفق عليه بلا اعتبار لأجرة المثل.

2- أن إرادة المتعاقدين متجهة إلى بيع هذه السلعة وليس إلى إجارتها، والدافع لذلك خوف البائع (المؤجِر) ألا يحصل على ثمن السلعة المؤجل، وكذلك رغبة المشتري في اقتنائها والانتفاع بها مع عدم ملكه ثمنها في الحال (بالنقد).

ومن الناحية الشرعية لا بد من معرفة الشروط المرتبطة بهذا العقد من حيث الصحة والبطلان، فإن صحت وجب الوفاء بها وإلا فلا. والشروط هنا لا يمكن القول أنها حولت العقد من إجارة إلى بيع؛ لأن المتعاقدين أرادا العقد إجارة لا بيعاً، فكان القول بذلك عكس إرادتهما الظاهرة والباطنة. ولا يمكن اعتبار هذا العقد بيعًا معلقًا يكون الثمن فيه الأقساط المسددة من المستأجر؛ لأن هذه الأقساط قد دفعت على أنها أجرة لا يمكن أن تتحول إلى ثمن للعين المؤجرة في نهاية المدة لمخالفتها للقواعد المحددة لكل عقد من حيث الأحكام وترتب الآثار عند انعقاده صحيحًا منتجاً واجـب الوفاء بما يقضي به، وهذا يعني بطلان هذه الصورة وعدم صحتها لانعقاد الإجارة المنتهية بالتمليك. وقد ذهب إلى منع هذه الصورة مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم 110 (4/12)، والصادر بشأن موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك وصكوك التأجير، في الدورة الثانية عشرة، بالرياض، في 25 جمادى الآخرة، عام 1421ه. وحتى تصح هذه الصورة يصاغ العقد فيها على اعتباره عقد بيع يشترط فيه ألا يتصرف المشتري في المبيع لا معاوضة ولا تبرعًا... إلا بعد سداد جميع الثمن، وإلا ينفسخ هذا العقد، وتكون الأقساط المدفوعة هي ثمن السلعة، والوفاء بها يعني تمكين للمشتري من التصرف فيها، وإلا فللبائع استردادها، ويخصم من الأقساط المدفوعة قيمة الأجرة الحقيقية خلال هذه المدة، وإذا ترتب ضرر عن هذا العدول فيصار إلى تعويض عادل للأضرار المترتبة.

ثانيًا: أن يصاغ العقد على أنه عقد إجارة، يكون فيها تمكين للمستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معينة في مدة محددة، يحق للمستأجر فيها تملك هذه العين في نهاية مدة الإجارة مقابل مبلغ معين من المال. وهذه الصورة أجازها مجـمع الفـقـه الإسلامي، القرار رقم 110(4/12)، في الدورة الثانية عشرة، الرياض، في 25/جمادى الآخرة، 1421ه. وهذا كأن يقول: أجرتك هذه السلعة بأجرة معينة في كل شهر أو عام، لمدة خمس سنوات، على أنك إذا وفيت بهذه الأقساط جميعها في المدة المحددة؛ بعتك هذه السلعة بثمن معين (سواء أكان الثمن رمزيًا أم حقيقيًا)، فيقول الآخر: قبلت.

فالعقد هنا اقتران للإجارة ببيع العين المؤجرة بثمن رمزي، أو حقيقي، وهذا يعني اجتماع عقدين في عقد، وهو يظهر كذلك أن عقد البيع قد علق على شرط، والأقساط المدفوعة هنا تعد جزءًا من ثمن السلعة. فإذا كان العقدان أحدهما معاوضة والآخر تبرعًا؛ فالفقهاء على جواز ذلك، وجواز تعليق عقد البيع على شرط، مع أهمية أن يكون ثمن المبيع مقاربًا لقيمة السلعة؛ لأن المعاوضة أخذ المشتري السلعة من البائع عوض ما دفعه من ثمن أو ما يقارب ذلك مع تحقيق العدل بين العوضين من حيث الثمن والقيمة.

وأما المبدأ القائل بحرية المتعاقدين في تحديد الثمن المتفق عليه عند التعاقد فهو غير واقع هنا إذا كان الثمن رمزيًا لأن وجود أجرة تفوق أجر المثل بكثير مع الاقتران بعقد بيع عند سداد أقساط الأجرة المحددة خلال المدة المتفق عليها؛ يظهر أن المقصود من حيث الأصل هو البيع وليس إجارة يأتي بعدها عقد بيع، والقاعدة تقول العبرة في للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، وعليه فالثمن الرمزي المدفوع هنا عند نهاية الإجارة هو في حقيقته جزء من الثمن، والباقي منه يكون استيفاؤه من الأقساط التي دفعها المستأجر كأجرة حتى ينتهي عقد الإجارة، ولا يمكن اعتباره عقد بيع بثمن مقسط؛ لأنه قد تم بناؤه على اعتباره عقد إجارة يرتبط بأحكام ذلك في المدة المحددة، ومن ثم ينتقل إلى عقد بيع بعد انتهاء مدة الإجارة تترتب عليها أحكام عقد البيع، وما يوجبها هذا العقد من الحقوق والالتزامات والتي منها جميع أقساط الإيجار، وحتى تقبل هذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك بثمن رمزي؛ يصاغ عقد بيع يشترط فيه عدم التصرف في المبيع معاوضة أو تبرعاً حتى يتم سداد جميع الثمن المتفق عليه. وإذا اقترنت الإجارة ببيع العين المؤجَرة بثمن حقيقي؛ فإن هذا العقد هو في حقيقته عقد إجارة تترتب عليه أحكام هذا العقد وآثاره، وعند انتهاء عقد الإجارة يبدأ عقد البيع المعلق على تحقق شرط سداد جميع أقساط الأجرة المقترن بعقد الإجارة، وهنا تقبل هذه الصورة للإجارة المنتهية بالتمليك بناء على مشروعية اجتماع عقدين أحدهما معاوضة والآخر تبرع وكذلك صحة تعليق عقد البيع على شرط عند الفقهاء.

ثالثًا: أن يصاغ العقد على أنه عقد إجارة، يتمكّن المستأجر فيه من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معينة في مدة الإجارة، وفيه يعد المؤجر المستأجر وعداً ملزماً أنه إذا سدد أقساط الإجارة أن يبيعه العين المؤجرة بمبلغ مالي معين. وهذا كأن يقول له: أجرتك هذه السلعة بأجرة معينة في كل شهر أو عام، لمدة خمس سنوات، وأعدك ببيعها لك إذا تم سداد جميع أقساط الإيجار المتفق عليه في المدة المحددة، فيقول الآخر: قبلت.

فالعقد هنا اقتران إجارة بوعد البيع بثمن معين، والوعد هنا ملزم ديانة وقضاء عند تحقق شرط استيفاء جميع أقساط الإيجار، سواء أكان الوعد بالبيع والشراء قد صدر من المؤجر أو المستأجر أو منهما معًا، ولابد هنا لإتمام هذا البيع من صيغة جديدة تصدر عند الانتهاء من تحقق الشرط المعلق عليه الوعد بالبيع، لعدم وجودها قبل ذلك، وهي صيغة تدل على إرادة البيع والشراء في الحال، وهو ما ذهب إلى مشروعيته مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم 110 (4/12).

رابعًا: أن يصاغ العقد على أنه عقد إجارة، يتمكّن المستأجر فيه من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معينة في مدة الإجارة، حيث يعد المؤجر المستأجر وعداً ملزماً بهبة العين المؤجرة في نهاية العقد إذا قام بسداد جميع أقساط الإيجار في المدة المحددة المتفق عليها. وهذا كأن يقول له: أجرتك هذه السلعة بأجرة معينة في كل شهر أو عام، لمدة خمس سنوات، وأعدك بهبتها لك إذا تم سداد جميع أقساط الإيجار المتفق عليه في المدة المحددة، فيقول الآخر: قبلت.

فالعقد هنا اقتران إجارة بوعد الهبة بثمن معين، والوعد هنا ملزم ديانة وقضاء عند تحقق شرط استيفاء جميع أقساط الإيجار، وقد ذهب مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم 110 (4/12)، المتعلق بموضوع الإيجار المنتهي بالتمليك، وصكوك التأجير، في الدورة الثانية عشرة بالرياض، جمادى الآخرة، 1421ه إلى مشروعية هذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك، لانتفاع الموانع الشرعية في ذلك.

خامسًا: أن يصاغ العقد على أنه عقد إجارة يكون فيه للمستأجر حق الانتفاع بالـعين المؤجرة مقابل أجرة معينة، حيث يرتبط العقد فيها بوعد ملزم للمستأجر إذا انتهت مدة الإجارة بأن يكون له الحق في في زيادة مدة الإجارة أو إعادة العين المؤجرة للمؤجر، إضافة إلى تملك العين المؤجرة بثمن معين عند إنشاء العقد أو بسعر السوق عند نهايته، ويعتد بقسط الإجارة المدفوع سابقًا في تحديد الثمن.

وهذه الإجارة عند اقترانها بوعد بيع العين المؤجرة للمستأجر، أو زيادة مدة الإجارة أو إعادة العين المؤجرة إلى المؤجر، من الأمور المشروعة لتشابهها مع الإجارة المقترنة بوعد البيع بالثمن الحقيقي، وتعد أكثر قبولًا للمستأجر لأنها تخيره بين عدة أمور عند انتهاء مدة الإجارة. وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي هذه الصورة، في قراره رقم 44(6/5)، في دورته الخامسة، الكويت، عام 1409ه.