الإثنين: 20/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

تدمير بيتي الثاني في خانيونس لن تهزم دباباتهم وصواريخهم ذكرياتنا وأحلامنا

نشر بتاريخ: 07/03/2024 ( آخر تحديث: 07/03/2024 الساعة: 13:57 )

الكاتب: د.وجيه ابو ظريفة

انتصرت الطائرات الحربية الاسرائيلية علي جدران بيتي وأسقطتها .
وغلبت قوة الصواريخ العملاقة ، قدرة أعمدته الشامخة علي الوقوف في مواجهاتها.
وحولت آلة الحرب الهمجية طبقات منزلى الأربعه إلى ركام .
استطاعت القوه الغاشمة ان تهزم المنزل ، وان تهدم البيت في حي الامل بخانيونس ، بعد أن هدمت بيتي ومكتبي في مدينه غزه .
ولكنها عجزت وستعجز عن هزيمة الذاكرة والذكريات ، رغم سقوط آخر القلاع التي بنيناها في مسيره ثلاثون عاما من الجهد والصبر .
ثلاثون عاما باكملها مسيره إنشاء هذا البيت حتى اكتمل .
ثلاثون عاما من الامل والعمل لإنجاز بيت يأوى الابناء والأحفاد بسكينة وسلام ويبقى لأجيال تتذكرنا فيه .
ثلاثون عاما سحقتها أسلحة الفاشية الجديده في ثلاثين ثانية وربما اقل ، ودمرت بيتي وبيوت ابنائي وعائلاتهم التى سكنوها منذ اشهر قليلة فقط .
علي مدى الثلاثون عاما جبلنا التراب بالدموع ، وخلطنا الأسمنت بالدماء ، ووضعنا طوب المنزل قطعه فوق قطعه ، كما سنوات العمر فكل طوبة استغرق بنائها زمن خصم من أعمارنا .
جاهل من يعتقد أن مباني بيوتنا مجرد أشياء مادية جافة ، فهى تراث عقود من السيره والمسيره .
آثار اقدام امي التى أراها علي ارضية البيت رغم تغييرها مرات ومرات .
بصمات أصابع ابنائي وهم اطفال التى طبعت علي جدرانه رغم مرور عشرات السنوات .
بيت جمع في جنباته افراح لا توصف ، امتلأ بالورود والزغاريد في مناسبات عظيمة ، من نجاحات دراسية ، وتخرج جامعي ، وحفلات زواج .
بيت ضمد جراحنا في كل مصاب جلل ، من فقدان للأحبة ، او حزن صديق ، او لآلام الوطن .
بيتنا لم يكن بيتا لنا فقط ، بل كان مستقرا للأصدقاء والرفاق والأحباب ، يشعرون فيه بالترحاب والاعتزاز والكرم .
منزلا للمحتاجين والمحرومين ، يلبي حاجه المحتاج ويذود عن مظلمه المظلومين ويحتضن النازحين بترحاب .
تعاتبنا حجاره البيت ،
تصرخ في وجوهنا عتباته ،
فقد تركناها وتركها العالم وحدها ، تواجه الحديد والنار وتتصدي لدبابات الاحتلال وطائراته .
صمدت كشعبنا مرات ومرات ، ولكنها انهارت في النهاية ، لتدفن معها أحلامنا ، ولكن تحتضن ذكريتنا وتحميها وتجثم فوقها ، خشية أن يخترقها جنود الاحتلال ، بعد أن اخترقت صواريخهم الجدران .
لا الم يضاهي فقدان من نحب او ما نحب ، ولكن لان الظلم سمة الكون الحالي ، أعطى الاحتلال حق الدفاع عن النفس في مواجهة جدران بيوتنا ، وحرم هذه البيوت حتى من آهات الالم لكي لا تكون معادية للسامية ولا توصم بالأرهاب .
لكن سينهزم هذا العالم الظالم امام ذاكره الاطفال ، الذين ينظرون الي ركام بيوتهم ، وتحتها ألعابهم وحقائبهم المدرسية وأحلامهم البريئة .
ستنهزم الفاشية اما شهادات العلم المعلقة علي جدران البيوت .
وستفشل العنصرية في طمس مصير أمة ، حتى وان دفنت مكتباتها ومؤسساتها تحت الركام .
وسيزول الظلام يوما ما رغم تدمير كل الجامعات والمدارس ومنارات العلم .
وسيبقي شعبنا يحمل في قلبه صور الراحلين من الاحبة ، التي دفنها العدوان تحت ركام منازلنا .
انتقمت منا اسرائيل بقصف بيوتنا ومكاتبنا بسبب تغطيتنا الصحفية للعدوان ، لانها تخشى الحقيقة التى ننشرها للعالم عبر اكبر وسائل الاعلام في العالم ، ولكن سنظل كصحفيين فلسطينيين ننقل الحقيقة بصدق وبموضوعية ومهنية ، وسيبقى شعارنا الخالد .
( بالدم نكتب لفلسطين ).
وسنلاحق اسرائيل امام ضمير الإنسانية ، ونحاكمها امام التاريخ ، ونحاسبها امام العداله ، معهما كلفنا ذلك من ثمن .
مؤلمه ان ترى ما بنيته في عقود ينهار امام عينيك في ثواني
مؤلم ان تشعر بالعجز وقله الحيلة امام ما يجري
مؤلم أن تشعر بالخذلان
ولكن رغم فداحة الخسارات ، إلا ان الأمم والشعوب لا تموت ولا تنسى ولا تغفر .