الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

36 عاماً على اغتيال "أبو جهاد" الوزير... حضور يُؤلم الاحتلال رغم الاستشهاد!

نشر بتاريخ: 16/04/2024 ( آخر تحديث: 16/04/2024 الساعة: 10:10 )

الكاتب: هيثم زعيتر



فشل "المُوساد" الإسرائيلي، بتحقيق غايته من اغتيال نائب القائد العام للثورة الفلسطينية خليل إبراهيم الوزير "أبو جهاد" في عملية كومندوس، نفّذها بتاريخ 16 نيسان/إبريل 1988 في تونس، فاستشهد عن 53 عاماً.
كما كان "أبو جهاد" في مسيرة حياته يُؤلم ويُؤرق الاحتلال الإسرائيلي، شكّل استشهاده نُقطة تحوّل هامة في تأجيج "الانتفاضة الأولى" - "انتفاضة الحجارة"، التي أطلقت شرارتها بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر 1987، فأضحت أكثر قوةً وصلابةً وإيلاماً للاحتلال.
وبعد استشهاده استمر "أبو جهاد" مُلهماً للفدائيين والثُّوار والأحرار وحركات التحرر في فلسطين والعالم.
خلال المُتابعة وبحث العديد من الملفات، التي تُعنى بالقضية الفلسطينية، كنا في الكثير من الأحيان، نقف لدى المُتحدث، أو من نُجري معه حواراً أو عنه، أمام اسم لافت ومُميز، هو "أبو جهاد" الوزير، الذي أُطلق اسمه على أبنائهم البكر، ليحملوا اسم "أبو جهاد".
نادراً ما تجد هناك إجماعاً على شخصية من أطراف مُتعددة ومُتباينة فيما بينها، لكنها كانت تلتقي بهذا الإجماع على شخصية "أبو جهاد" الوزير، التي بقيت مسيرته ناصعة بمراحلها كافة، مُنذ المُشاركة في تأسيس الخلية الأولى لحركة "فتح" مع الرئيس ياسر عرفات، مُروراً بالمحطات المُتعددة، وبعمليات فدائية نوعية، هزّت الكيان الإسرائيلي، فأوقعت قتلى في صفوفه.
تميّز "أبو جهاد" الوزير في أسلوب حياته وعمله على الكثير من المسؤولين والقياديين، حيث كان مُواكباً العمل الميداني بنفسه، غير آبهٍ بالمخاطر، فيُشارك الفدائيين أفكارهم، ويُتابع وإياهم أدق التفاصيل، حتى أصبح قائدهم المُفضّل.
لم يكترث كثيراً بالظُّهور والبُروز، فكان رجل العمل بصمت، أحدثت أعماله دوياً وصدى آلم الاحتلال، وحظي بتقدير واحترام العالم أجمع.
كان دقيقاً في كل خياراته، عاملاً على تكريس الوحدة الفلسطينية، بما يُجسّد أن القضية الفلسطينية تجمع لا تُفرق، لكن مع ثابتة الحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني المُستقل.
من كان "أول الرصاص"، فجر "انتفاضة الحجارة"، وأصبح يُشكّل خطراً أكبر على الاحتلال، فكان القرار باغتياله، الذي نُفذ بمنزله في العاصمة تونس، بتاريخ 16 نيسان/إبريل 1988.
مُهمة خاصة لقوات النُخبة
من أجل ضمان تنفيذ العملية، دفع الاحتلال بجيشه باتجاه الشواطئ التونسية، بمُشاركة حاملة طائرات مُقاتلة وهيلكوبتر وغواصة، مُستشفى ميداني، وجُنود من النُّخبة، مع عُملاء وفّروا المُتطلبات اللوجستية.
قاد المُهمة إيهود باراك، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لحُكومة الاحتلال، حيث نفذت جريمة الاغتيال "قوة كومندوس" إسرائيلي، من وحدة "سيرت متكال"، أبرز من فيها، موشيه يعلون، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للأمن الإسرائيلي.
عندما اقتحمت قوة الكومندوس منزل "أبو جهاد" الوزير في ضاحية سيدي بوسعيد، بُعيد الواحدة فجراً، قامت باغتيال الحرس والصعود إلى مكتب "أبو جهاد"، الذي أحس بحركة غريبة، فاستهل مُسدسه، مُطلقاً الرّصاصة الأولى والأخيرة، قبل أن ينفجر المُسدس بيده، بعد إصابته برصاص جُنود القوة، الذين تناوبوا على إطلاق 74 رصاصة، من أسلحة مُزودة بكواتم للصّوت، توزعت في جسد "أبو جهاد" وفي المكان، وكانت آخر الرصاصات من يعلون، فاستشهد "أبو جهاد" مُقاتلاً شرساً حتى الرمق الأخير.
جريمة كانت تُرتكب أمام أعين زوجته انتصار الوزير، وكريمته حنان، اللتين نجتا مع الطفل نضال من حقد الجناة المُجرمين!
ألهبت دماء "أبو جهاد" الزكية، المُنتفضين الذين كان يكتب لهم بياناً باسم "القيادة الوطنية المُوحدة للانتفاضة"، خطّ منه 34 كلمة في 6 أسطر، لم يكفيها، فكانت وصيته الأخيرة، التي تابع كتابتها من تعلموا وتتلمذوا على يديه.
تلامذة "أبو جهاد" يُواصلون المسير
ما زالت عائلة الشهيد "أبو جهاد" الوزير، الصغيرة، المُؤلفة من زوجته انتصار، والأبناء: جهاد، باسم، إيمان، حنان ونضال، يُواصلون السير بثباتٍ على القيم والمبادئ التي تعلمونها في مدرسة "أبو جهاد" مع شريكته "أم جهاد".
كما أن تلامذة "أبو جهاد" الوزير، الذين توزعوا على مُختلف الفصائل الفلسطينية، والأحزاب والقوى اللبنانية والتحررية، عربياً وإسلامياً وأُممياً، يُواصلون المسير، كل بأسلوب وخططه بمُقاومة المُحتل الإسرائيلي.
بعد 36 عاماً على استشهاد "أبو جهاد" الوزير، ما زال يُؤرق المُحتل الإسرائيلي، حيث يُسيطر أبناء الشعب الفلسطيني أروع ملاحم البُطولة والنضال والفداء، من أجل تحقيق الحُرية والتحرير والاستقلال الناجز، وعودة اللاجئين، ويُواجهون حرب الإبادة الإسرائيلية المُتواصلة، حيث تشهد غزة التي شهدت البدايات الأولى للعمل النضالي لـ"أمير الشهداء"، عُدواناً مُتواصلاً في يومه الـ192، فسقط أكثر من 34 ألف شهيد، و10 آلاف مفقود، و76 ألف جريح ودمار رهيب، فضلاً عما شهدته الضفة الغربية من عدوان إسرائيلي، أدّى إلى استشهاد 465 شخصاً، وإصابة 4800 بجراح، واعتقال الآلاف، الذين زُج بهم في سجون الاحتلال، ليرتفع العدد إلى أكثر من 15 ألف أسير فلسطيني، واستباحة الاحتلال جيشاً ومُستوطنين.