الكاتب: د.نبيل عمرو
اليوم ندخل العام الثاني على حربٍ أبرز خصائصها المفاجآت.
إسرائيل فوجئت باجتياحٍ اخترق حصونها وكان الأخطر والأعلى خسائر في تاريخها منذ قيامها.
وأمريكا فوجئت بهشاشة الدفاعات الإسرائيلية التي انهارت في دقائق معدودات، لينفتح المدى أمام المهاجمين لكي يصلوا تل أبيب لو أرادو.
تلك كانت مفاجأة البداية أما ما تلاها..
فقد فوجئت إسرائيل بقوة وفاعلية المقاومة في غزة.
كما فوجئت بطول أمد الحرب بعد أن تعودت على الحروب الخاطفة، وأحيانا إن امتدت فإلى أيام وأسابيع أو أشهر قليلة.
كما فوجئت بطوفان التنديد والإدانة الذي اجتاح عواصم العالم وجامعاته.
وفوجئت بفقدان الهيبة والصورة المدّعاة.. كواحة للديموقراطية والحضارة في الشرق الأوسط، لتمثل أمام محكمة العدل الدولية ليلاحق قادتها من قبل محكمة الجنايات بتهمة الإبادة الجماعية، وليلقي نتنياهو خطابه السنوي أمام مقاعد فارغة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفوجئت كذلك بفشل التهجير من غزة والضفة بعد أن قدّرت أن تفريغهما صار في متناول اليد.
أمّا أمريكا صاحبة السياسة المزدوجة المنادية بوقف الحرب والمزودة لكل مقوّمات استمرارها وتصاعدها، فلم تكن لتتوقع كثافة النزف الذي فرضته هذه الحرب عليها، مالياً حيث المليارات التي تنهمر على إسرائيل بلا حساب، والجسور الجوية التي تحمل مئات آلاف الأطنان من الذخائر العادية والثقيلة والذكية، لتغطية حرب على عدة جبهات في وقت واحد، ولم يظهر لها أفق بانتهائها أو انحسارها.
الفلسطينيون واللبنانيون ومن معهم من العرب، قدّموا عشرات آلاف الشهداء، وأضعافهم من المصابين حد الإعاقة، ومئات آلاف البيوت التي أبيدت، وتعطل التعليم فيها وخروج المستشفيات عن الخدمة، واستوطنت الملايين العراء تحت برد الشتاء وحر الصيف. وانتشرت الأمراض والأوبئة على نحو لم يحدث مثله من قبل.
كل ذلك مؤلم ومفجع، غير أن ما انتجته الحرب من حقائق أعمق وأهم، أن القضية الفلسطينية تواصل انبعاثها وحضورها كقضية أولى على مستوى العالم كله. ولا أمل باستقرار المنطقة وأمن وأمان إسرائيل، ما دامت هذه القضية بلا حل يرضى عنه أصحابها، وهذا ما بات العالم كله على يقين منه، وهذه هي النتيجة التي وصفها وزير الدفاع الأمريكي أوستن من الأيام الأولى للحرب.
إن إسرائيل قد تكسب تكتيكياً إلا أنها ستخسر استراتيجياً.