الثلاثاء: 18/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

العفو العام بين فرص الإصلاح ومخاطر الانتكاس

نشر بتاريخ: 12/03/2025 ( آخر تحديث: 12/03/2025 الساعة: 22:51 )

الكاتب:

بقلم: معمر العويوي

أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قراراً بالعفو العام عن المفصولين من "حركة فتح "خلال اجتماع القمة العربية في القاهرة، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بين مؤيدٍ يرى فيها بذرةً لإصلاح داخلي، ومعارضٍ يحذر من تداعياتها على وحدة حركة فتح والمشهد السياسي الفلسطيني.
بين هذين الرأيين تبرز أسئلة حول مدى قدرة القرار على تجاوز الإشكاليات التاريخية لحركة فتح، أو إعادة إنتاج أزماتها تحت شعارات المصالحة.

السياق السياسي للقرار: محاولة لاستعادة الوحدة أم ترسيخ الانقسام؟
جاء قرار العفو في ظل ظروف بالغة التعقيد فمن جهة تعيش الحركة الوطنية الفلسطينية حالةً من التشرذم بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث لا تزال حركة حماس تسيطر على القطاع منذ عام 2007، ومن جهة أخرى، تشهد حركة فتح ذاتها انقسامات داخلية عميقة، تتفاقم بسبب غياب المؤسسية وتراجع الممارسات الديمقراطية. يبدو أن الرئيس من خلال هذا القرار، يسعى إلى استعادة زمام المبادرة السياسية، عبر إرسال رسائل تطمين داخلية وخارجية، إلا أن نجاح هذه الخطوة مرهونٌ بآليات التنفيذ ومدى جدية الإصلاحات الموعودة.

الجانب الإيجابي: بوابة للإصلاح المؤسسي إن نُفذت بشروط
يرى المؤيدون أن القرار قد يمثل منعطفاً إيجابياً إذا ما اقترن بإصلاح حقيقي داخل هياكل حركة فتح، عبر خطوات ملموسة مثل:
_ إجراء انتخابات داخلية تبدأ من القواعد (المناطق والأقاليم)، وتتدرج حتى المؤتمر العام الثامن لحركة فتح، بما يضمن تمثيلاً حقيقياً للإرادة التنظيمية ويحد من هيمنة النخب التقليدية.
_ دور فاعل للجنة المركزية في الإشراف على التحضير للمؤتمر الثامن، وضمان شفافية اختيار الاعضاء والمكان والزمان، إذ أن مكان انعقاده (سواء في الداخل الفلسطيني أو خارجه) قد يؤثر على توازنات القوى داخلياً، ويحدد مدى استقلالية القرار التنظيمي.
_ إعادة هيكلة الحركة وفق معايير الكفاءة والنزاهة، وتجديد الدماء، بما يعيد لفتح دورها كقوة تحررية جامعة، بدلاً من أن تكون مجرد سلطة إدارة ذاتية.

بهذا المعنى، قد يكون العفو خطوةً لـ"طي الصفحة" وتجسير الخلافات، شرط أن تتبعها عمليات ديمقراطية تمنح الشرعية لأطر داخل الحركة، وتعزز ثقة الجماهير بها.

اما الجانب السلبي: إعادة إنتاج الأزمات وتكريس الفساد

في المقابل يرى النقاد أن القرار ينطوي على مخاطر جسيمة، أهمها:
_إعادة إدماج شخصيات مثيرة للجدل بعضها متهم بالفساد المالي، وكان سببا في الانقلاب والانقسام خلال أحداث غزة 2007، أو العمل لصالح أجندات خارجية على حساب المصلحة الوطنية. قد يؤدي ذلك إلى إضعاف الحركة عبر إعادة إنتاج صراعات الزعامات وترسيخ ثقافة الإفلات من المحاسبة.
_ تقويض جهود الإصلاح إذ قد يُفهم العفو كـ"مكافئة" للأشخاص المسببين في الانقسام، بدلاً من محاسبتهم، مما يُعيد الحركة إلى مربع الصراعات الداخلية، ويُعيق ظهور قيادات جديدة.
_ التأثير على مصداقية الحركة خاصة إذا شُكك في نزاهة التحضير للمؤتمر الثامن، أو إذا استُخدم القرار كأداة لترضية الخصوم دون معالجة جذرية لأزمات الحوكمة والشفافية.

العفو ليس غاية.. والإصلاح يحتاج إلى إرادة سياسية
لا يمكن فصل قرار العفو العام عن السياق الأوسع للأزمة الفلسطينية، التي تتطلب أكثر من أي وقت مضى إعادة بناء النظام السياسي على أسس ديمقراطية. فالقرار – بحد ذاته – ليس إيجابياً ولا سلبياً، بل تكمن قيمته في كونه جزءاً من عملية إصلاح شاملة، تبدأ بإطلاق حوار وطني شامل، وتُتوج بانتخابات تشريعية ورئاسية، واستعادة الوحدة الجغرافية بين الضفة وغزة.

لكن الخطر الأكبر يتمثل في تحول العفو إلى مجرد "ورقة دعائية" تكرس الوضع القائم، دون معالجة أسباب الانقسام الداخلي في فتح، أو إصلاح اختلالات الحوكمة. هنا، يتحمل المؤتمر الثامن – إذا ما عُقد بشروط موضوعية – مسؤولية تاريخية في تحديد مصير الحركة: إما أن يكون نقطة انطلاق لتجديد الشرعية، أو منصةً لتدوير النخب القديمة تحت غطاء ديمقراطي شكلي.

في النهاية، فإن مستقبل القرار يرتبط بمدى جاهزية القيادة الفلسطينية لتحويل الخطاب الإصلاحي إلى ممارسة فعلية، وبقدرة المجتمع الدولي والفصائل الفلسطينية على الضغط من أجل انتقال ديمقراطي حقيقي، بدلاً من الاكتفاء بتغييرات صورية تكرس الانقسام.