الجمعة: 25/04/2025 بتوقيت القدس الشريف

حين يصبح الألم عادة

نشر بتاريخ: 16/04/2025 ( آخر تحديث: 16/04/2025 الساعة: 10:11 )

الكاتب:

بيسان تعامرة

في كل مرة أكتب فيها عن فلسطين، أشعر وكأنني أُحاول أن أُطفئ حريقًا بالنَفَس. وكأن الحروف، مهما كانت صادقة، لا تملك وزن الدم، ولا حرارة الدموع التي تجفّ على وجوه لا تعرف غير الحصار. لكن ما يُوجع أكثر من الاحتلال، هو هذا الصمت العربي… هذا الخراب المُعطّر بالبروتوكول، المُغلف بالأعلام، والممهور بختم العار.

أكتب لأنني لا أحتمل أن أكتفي بالمشاهدة. أكتب لأن السكوت جريمة، ولأن فلسطين ليست خبرًا عابرًا في نهاية نشرة، بل امتحان يومي لإنسانيتنا… ولأسف، نحن نسقط فيه كل يوم

كل صباح أفتح هاتفي، أجد صورًا من غزة لا تختلف عن صور الأمس. ذات الركام، ذات العيون الواسعة المحروقة، ذات الدماء التي لا تجف. كأن الزمن توقف هناك، وكأن الموت قرر أن يستوطن الأرض دون رحيل.

أشعر أن فلسطين لم تعد مجرد قضية، بل صارت اختبارًا يوميًا لضمير العالم، ولفشلنا الجماعي كعرب.

أكتب وأنا أعرف أن كلماتي لن توقف قصفًا، ولن تعيد شهيدًا. لكنني أكتب لأنني خائف… خائف أن أعتاد المشهد، أن يمر الخبر دون أن يرتجف قلبي. خائف أن يصير الألم خلفية ثابتة في نشرات الأخبار، بلا طعم، بلا تأثير، بلا صرخة.

والأدهى؟ أننا، كعرب، أصبحنا بارعين في فنّ الصمت. بارعين في التعايش مع القهر، في تحليل الكارثة من خلف الشاشات، في تقديم “الرأي الآخر” وكأن الحق نسبي، وكأن فلسطين مجرد موضوع قابل للنقاش.

نحن غارقون في نجاسة من نوع آخر. نجاسة الأخ الأكبر الذي يرى أخاه يُذبح في الحقل المجاور ويكتفي بإغلاق النافذة. نجاسة التبرير، والمصلحة و"الظروف المعقدة "

في الوطن العربي، لا أحد يريد أن ينظر في المرآة. لأن ما نراه مخجل: أنظمة خانعة، شعوب منهكة، إعلام مُسيّس، ومجتمع يلهث خلف الخبز وينسى الكرامة.

ومع ذلك، لا تزال فلسطين واقفة. لا تزال غزة تُنجب شهداء كأنها تنجب فجرًا. لا يزال طفل في الخليل يحمل حجرًا بيد ودمية بيد. لا تزال القدس تصلي وحيدة، لكنها لا تنحني.

كلما أردت أن أكتب شيئًا “عاديًا” ، أجد فلسطين تطل من النافذة، بعينين دامعتين، وتسألني:

“كيف تكتب عن الحياة وأنا أموت كل يوم؟”