الكاتب: مصطفى ابراهيم
في غزة تتطاير أشلاء الأطفال الجوعى، وتبقى أرواحهم لعنة لجميع المجرمين، ووصمة عار على جبين البشرية الشريكة في نفي الحياة، وتشريد الفلسطينيين في اصقاع العالم أفراداً وزرافات.
العالم يتحدث عن الاحتياجات الإنسانية، لكن الأمر لا يتعلق بذلك فقط، إنما بالكرامة، وإسرائيل تمارس الاعتداء على كرامة الفلسطينيين في قطاع غزة يومياً في حرب يبدو أنها تُخاض بلا حدود.
ما زالت إسرائيل تتمسك بمكوناتها كافة، باستمرار الحرب على غزة، وبإلقاء اللوم على الغزيين وتحميلهم المسؤولية الجماعية، ويبدو أنها لم تشفى من الانتقام من غزة.
إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة بالقتل غير ممكنة، لذا فإن ما تقوم به إسرائيل من خلال القتل على نطاق واسع هو انتقام، والانتقام سيصل في النهاية إلى منتهاه وسيبقى الشعب الفلسطيني.
وهذا ليس جديداً على إسرائيل، التي فرضت نظام فصل عنصري يمارس الأبارتايد ويعمل على طرد الفلسطينيين وتهجيرهم، وفي الوقت
نفسه، يتنصل الاسرائيليون من المسؤولية الشخصية بينما يستخدمون فكرة المسؤولية الجماعية نفسها.
قبل 80 عاماً، كتب دوايت ماكدونالد في نهاية الحرب العالمية الثانية، مقالاً مؤثراً عن “مسؤولية الأمم”، والتي لا تزال الدروس المستفادة منه وثيقة الصلة بيومنا هذا. إذ قال فيه: بدأت أهوال المحرقة تتسرّب بالفعل. وفي الوقت نفسه، أصبحت جرائم الحرب التي ارتكبها الحلفاء معروفة على نطاق واسع. إنه يطرح السؤال الصعب: ما هو الذنب الجماعي لملايين الألمان؟ وأمام جرائم الجهاز النازي؟ ليست لديه إجابات قاطعة، لكن من الواضح له أن هذا المفهوم، “مسؤولية الشعوب”، هو نتاج مشوّه للدعاية والإنكار”.
طوال أمد الحرب، تم التأكد أن هناك وحدة داخلية إسرائيلية كبيرة على ضرورة محو غزة وتجويع سكانها. والحقيقة واضحة، وهي أن الهدف من تدمير غزة وقتل سكانها هو قمع الهزيمة داخل الإسرائيليين.
لم يعد هذا حديث الخبراء عن خطر محتمل، بل بات واقعاً، إذ إن سكان غزة يموتون بالفعل من الجوع والصواريخ. وسرعان ما سيبدأون بالموت من الأمراض. وإسرائيل المسؤولة عن مصيرهم، تواصل القصف وتدمير أي بنية تحتية من شأنها تحسين وضع الناس في غزة. ولا تسمح بإدخال المساعدات لأسباب مختلفة، ولا تبذل أي جهد على الإطلاق لمنع الموت.
خلال اجتماع مع رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين جوناثان ويتال، قال: الوضع في قطاع غزة خطير جداً، والأيام المقبلة ستكون حرجة في غزة، من لا يُقتلون بالقنابل والرصاص، يموتون ببطء. وأضاف إن الوكالات الإنسانية تواصل - على الرغم من التحديات - محاولة العمل أينما استطاعت لتلبية الاحتياجات.
الناس يتعرضون للاختناق. ما نراه من حولنا هو معاناة لا نهاية لها مع استمرار الإغلاق الكامل والتام منذ ما يقرب من شهرين في ظل اشتداد الغارات الجوية والعمليات البرية وأوامر النزوح التي تدفع الناس إلى مغادرة ديارهم.
في غزة المستشفيات مكتظة، والإمدادات اللازمة لتوفير العلاج آخذة في النفاد، والناس يعانون من الجوع ومعدلات سوء التغذية آخذة في الارتفاع، لكن مستودعاتنا فارغة، ومخابزنا تغلق أبوابها، وقريبا ستُضطر مطابخنا المجتمعية إلى التوقف عن العمل. ونعلم أن الناس يشعرون بالعطش، لكن آبار المياه بعيدة المنال.
في الواقع، هذه ليست حرب، بل هي تفكيك متعمد للحياة الفلسطينية على مرأى من العالم. ليشهد الجميع صور جثث الأطفال التي تُرمى من مبنى إلى آخر بسبب قوة الانفجار. رأينا مقاطع فيديو لعائلات تُحرق وهي حية. رأينا جثث زملائنا الذين قتلوا. رأينا التدمير الكامل والتام للبنية التحتية في غزة، من حولنا في كل مكان.
الجوع جريمة حرب، وما تبقى الا اسبوع فقط لانهيار منظومة العمل الانساني، ولا يوجد إحساس في معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، قتل وجوع وعطش وسوء وتغذية. ومناشدات الامم المتحدة.
وينتظر الناس ان يتحرك العرب والعجم، حتى مع مشاهد مخازن الاونروا والمؤسسات الدولية والأواني الفارغة من المواد الغذائية، والمجاعة تتعمق في غزة. كل ذلك لم يقنع أحد، والعالم يصدق رواية الاحتلال ان المواد الغذائية تكفي شهرين. مع انها انتهت الشهرين ولم يشفع ذلك للجوعى.
ويقاوم 2:4 مليون انسان الموت من الجوع، لا يشعر أحد بالأطفال والنساء والشيوخ عندما لا يستطيعوا النوم ووجعهم وجوعهم دون أكل لأيام.
تعتمد الأرواح على رفع الحصار، والسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، وعلى استئناف وقف إطلاق النار، وآمل الفلسطينيين رؤية المساءلة الحقيقية. بدلا من أن ننتظر التاريخ للحكم على المجرمين وشركاؤهم، أولئك المتواطئين والعاجزين والذين لم يفعلوا شيئا في مواجهة ما الإبادة وجرب الانتقام، وما تعيشه غزة من معاناة وكارثة إنسانية مستمرة.