السبت: 18/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

10سنوات على حركة مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات

نشر بتاريخ: 13/07/2015 ( آخر تحديث: 13/07/2015 الساعة: 13:48 )

الكاتب: حيدر عيد

تمر هذه الأيام الذكرى العاشرة لإطلاق نداء المقاطعة الذي أصدرته القطاعات العريضة للمجتمع المدني و قواه السياسية الحية. و بما أن المقارنات التاريخية في النضال ضد أشكال الاضطهاد العنصري و الإثني و الاستعمار الاستيطاني مفيدة فلا يسعنا إلا أن نلقي نظرة على ما أنجزته حملة المقاطعة الجنوب افريقية عام 1969, أي في الذكرى العاشرة لإطلاق النداء الذي أصدرته الحركة المناهضة لنظام الفصل العنصري-الأبارتهيد. و كوني أكتب من غزة و أحمل درجة علمية من جامعة جوهانسبرج, فإنني لا أتمالك نفسي من عقد المقارنات, حيث أن الأفارقة السود في جنوب أفريقيا كانوا قد تعرضوا لمجزرة شاربفيل في عام 1961 التي راح ضحيتها 69 مدنيا, و هذا كان قد لفت نظر المجتمع المدني الدولي لجرائم الأبارتهيد كما أعطى زخما لحملة البي دي أس التي كانت قد أٌطلقت عام 1959 , بعد تجاهلها بالكامل من قبل المجتمع الدولي.

و المقارنة في هذا السياق من وجهة نظرنا كنشطاء مقاطعة نستلهم التجربة الجنوب أفريقية هي عن التحول الايجابي الذي حصل بعد مجزرة غزة 2009 التي أطلقنا عليها لقب شارب فيل فلسطين.كل نشطاء المقاطعة الجنوب أفارقة يؤكدون لنا أن ما تم انجازه في فترة زمنية محدودة على صعيد مقاطعة نظام اسرائيل يتخطى بمراحل ما أنجزته حملتهم. و نحن بدورنا نجزم أن السبب الأول يعود للدماء الزكية التي أراقتها قوات الاحتلال في حروب لا يمكن وصفها إلا بالإبادية أعوام 2009, 2012 و 2014. و لزيادة الطين بلة, فإن اسرائيل قررت فرض حصار قروسطي همجي غير مسبوق على 1.8 مليون مواطن بطريقة تؤدي الى موت سادي بطيء, و كل ذلك تحت مرأى و مسمع مجتمع دولي رسمي متخاذل

فهل هي صدفة أننا نحتفل بالذكرى العاشرة لإطلاق نداء البي دي أس بالضبط بعد عام من حرب ضروس شنتها اسرائيل قتلت خلالها ما يزيد على 2300 مدني, منهم 580 طفل, و تدمير كامل للبنية التحتية, و 110.000 منزل و مبنى؟ و حتى اليوم لم يتم السماح بإعادة بناء منزل واحد؟
الحقيقة أن رد فعل المجتمع الدولي الرسمي لم يرتق الى مستوى الجرائم الفادحة, جرائم ضد الانسانية و جرائم حرب اعترفت بها لجان التحقيق الدولية التي أعاقت اسرائيل عملها.

و هنا تكمن أهمية نداء المقاطعة. ففي المجزرة الأخيرعلى صعيد المثال , و تحت قصف الطائرات الإسرائيلية, كنا قد أصدرنا 3 نداءات من غزة طالبنا من خلالها العمل على انهاء عقودالأسلحة مع اسرائيل , و طالبنا بمسيرات ضخمة في العواصم العالمية مع تصعيد حملات المقاطعة. و هذا ما حصل. بمعنى أننا تعلمنا الدرس جيدا, و هي أن نخاطب الضمائر الانسانية الحية بشكل مباشر, بعيدا عن الحكومات المتواطئة. لقد وصلنا لنتيجة واضحة ألا و هي أن أداة المحاسبة الفعالة في هذا اللحظة التاريخية ضد مستعمر مضطهد يمارس العنصرية و لا يتوانى عن ارتكاب مجازة ذات نزعة إبادية تكمن في تضامن أممي من الممثلين القاعددين للشعوب و ليست من حكومات متخاذلة.

إذا كان المجتمع الدولي أخذ أكثر من 30 عاما للاستجابة لنداء المضطهد الجنوب أفريقي, فإن انجازات حملة المقاطعة العالمية ضد اسرائيل اكاديميا و اقتصاديا و رياضيا و فنيا, تستطيع أن تفتخر أنها قد وصلت تلك اللحظة التي سبقت أطلاق سراح نلسون مانديلا عام 1990. و هذا ما أقرت به القيادة اليمينية الصهيونية في اسرائيل من خلال حملة شعواء ضد نشطاء المقاطعة.

الشيء المؤلم و الغريب في هذا السياق هو أنه في الوقت الذي لا زلنا في غزة نتعامل مع ما خلفته الحرب الإبادية الأخيرة, و تحويل القطاع الى أكبر معسكر اعتقال على وجه الأرض, يتم الاصرار على أشكال مختلفة من التطبيع و تقويض معايير المقاطعة (و أسوأها ما يسمى بالتنسيق الأمني). حقيقةً أننا لا نستطيع أن نفهم المنطق الذي يكافئ المحتل الذي يمنع عنا الماء و الدواء و الغذاء بشكل يتناقض مع حقوقنا الأساسية و على رأسها رفع الحصار الاسرائيلي الذي أدى لاستشهاد العديد من أبناء و بنات شعبنا الصامد.

و لكن على الرغم من بعض المنغصات فإن الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها ذات القيادة الفلسطينية قدأنجزت انتصارات متلاحقة نستطيع الاقرار بأننا لم نكن نتوقع حجمها, و قد أثبتت عملياً أنها أكثر الطرق نجاعة ً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، و قامتبإحداث نقلة نوعية في دعم شعوب العالم للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث (67, 48و شتات). و هكذا وصلنا الى ما تستطيع أن نقول أنه بداية عزل إسرائيل في شتى المجالات—أكاديمية, اقتصادية, فنية, ثقافية, رياضية, و حتى العسكرية.و أصبحت التيارات السياسية الصهيونية بتلويناتها السياسية المتعددة تعتبر أن حملة المقاطعة تشكل "خطراً استراتيجياً ووجوديا" لأنها تحقق نجاحات غير مسبوقة في "نزع شرعية" نظامها القمعي المركب.
و نحن في غزة نقول أن نافذة الأمل المتبقية لنا هي من خلال مقاطعة اسرائيل و عزلها بالكامل حتى يستطيع سكان مخيمات القطاع المحاصر, وهم يشكلون أغلبية السكان هنا, العودة الى المدن و القرى التي طهروا منها عرقيا عام 1948.