الإثنين: 14/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

نميمة البلد: القضاء ... ومواصلات الموظفين... فتح 51

نشر بتاريخ: 03/01/2016 ( آخر تحديث: 03/01/2016 الساعة: 10:40 )

الكاتب: جهاد حرب

(1) شجاعة محاكم ... وحيلة قضاة
برزت اربعة قرارات لمحاكم بدرجاتها المختلفة في العام 2015 تدل على شجاعة القضاة الفلسطينيين وإمكانية مراجعة قرارات السلطة التنفيذية هي: قرار محكمة الصلح في جنين بعدم انطباق اتفاق اوسلو على الاسرائيليين المخالفين في الاراضي الفلسطينية لتقادمه، وقرار محكمة جرائم الفساد "محكمة البداية" فيما يتعلق برفع الحصانة عن النائب دحلان، وقرار محكمة العدل العليا بالمرسوم الرئاسي المتعلق بتعيين رئيس المحكمة العليا، وقرار محكمة النقض المتعلق بالرسم الشهري لشركة الاتصالات الفلسطينية.

هذه القرارات هي بذاتها سوابق قضائية قادرة على تعزيز مكانة القضاء الفلسطيني في المجتمع الفلسطيني. لكن نتائج استطلاعات الرأي العام تقول أن الجمهور لا يثق بالجهاز القضائي. في المقابل بعد حوالي ثلاثة اسابيع على قرار محكمة العدل العليا أي "الاثنين العظيم في السابع من ديسمبر 2015" لم يظهر الدخان الابيض من مجلس القضاء الاعلى لتنسيب رئيس المحكمة العليا الذي هو نفسه سيتولى رئاسة مجلس القضاء الاعلى.
في ظني أن قضاة المحكمة العليا يقع عليهم مسؤولية هذا الاختيار . وفي ظني أيضا "إن بعض الظن إثم" ان قضاة المحكمة العليا قد غاب عن بالهم أو ذهنهم أن التنسيب هو القرار المنشأ لتعيين رئيس المحكمة العليا وما قرار الرئيس إلا قرارا كاشفا لهذا التعيين. فالمبادرة هي من القضاة انفسهم ومن داخلهم دون ذلك يضيع القضاة قرار يوم الاثنين العظيم هباءً منثورا مع بدء العام الجديد.

(2) مواصلات الموظفين... مساهمة في التذكير أو التفكير
اتفق تماما مع قرار مجلس الوزراء ببحث مسألة المواصلات ودفعها في اطار اصلاح شامل بخطة ترشيد وتقشف للنفقات معلنة واضحة ويمكن مراقبتها شعبيا، وعدم تحميل الخزينة العامة أعباء مالية وإرهاقها بنفقات غير ضرورية، وهي مسألة مركزية في تفكير أي حكومة رشيدة تتطلع الى المستقبل بنظر ثاقب، وبخطة قادرة على النهوض وليس بخطوات مستعجلة، أو ارتجالية، أو تقع فريسة دسائس اللئام، أو ضحية صراعات على مناصب ادارية ونفوذ في هذه الوزارة أو تلك، أو خوض معارك غير مضمونة العواقب، أو ليست في وقتها تزعزع بكل تأكيد رشاد الحكم أو الحكومة.

اعادة النظر في مواصلات الموظفين في اطار خطة ترشيد للنفقات يمكن العمل من أجلها والوقوف معها "بالباع والذراع". لكن في هذا الاطار ينبغي الاخذ بعين الاعتبار احتياجات الاطراف المختلفة والتجارب السابقة من ناحية، وسلوك الانفاق الحكومي الداعي للترشيد والتقشف من ناحية ثانية.
فإذا كان خصم المواصلات سيوفر على الخزينة العامة 9 مليون شيكل شهريا، اعتقد ان هذا الرقم مضخم أكثر من اللازم ويحتاج الى تدقيق بإجراء دراسة وافية، فالأولى النظر في اوجه انفاق اكبر كضبط ما يسمى صافي الاقراض الذي يكلف الخزينة مليار و200 مليون شيكل سنويا وهي تذهب دون فائدة للسلطة أو الدولة. كما أن وقف بدل المواصلات يتطلب أيضا النظر في بقية أشكال بدل المواصلات كوقف قسائم المحروقات لكبار الموظفين كالوزراء والوكلاء وموظفي الرئاسة وأجهزة الامن والقائمة تطول. ناهيك عن بدل السفر، حتى لا يثار سؤال ان الحكومة "قادرة" فقط على المستضعفين من الموظفين. وربما السؤال الاهم هل ستقوم هذه الحكومة بما عجزت عنه السابقة بالولوج لديوان الرئاسة لتحديد هذا التقشف، فحكاية السيارات لم تنسَ.

الحكومة التي تقول انها تريد التقشف لا تصرف مكافآت لموظفيها، سواء بواقع راتب شهر أي راتب ثالث عشر في احدى وزاراتها (كما هي الاحاديث المتداولة في الجلسات المغلقة) ما يعادل 9 مليون شيكلا على حساب الموازنة، أو مبالغ أخرى سواء كانت هذه المكافآت موزعة بشكل عادل بين موظفي هذه الوزارة أو بمزاجية رئيس تلك المؤسسة، أو تقوم بشراء سيارات جديدة موديل 2015 لموظفيها أو مستشاريها ما يدل على عكس ما تقول أو نواياها أو ما ترغب أو تريد.

إن تفهم الترشيد أو التقشف ضروري لكن تفهم ظروف الحياة لمن "استوطن" العاصمة ضروري ايضا. ما ستقول الحكومة في غلاء اسعار الشقق في العاصمة "رام الله الحلم" أهي ستدفع فروق الاسعار بين المدن وفوائد البنوك، أو ستدفع غلاء الاسعار الباريسية في العاصمة، أو تحسين جودة التعليم في المدارس الحكومية لوقف عبئ رسوم المدارس الخاصة المبالغ بها في كثير من المدارس. أم هي قادرة على تحمل عبئ عودتهم الى الديار وتحمل تأخير الاحتلال لهم على الحواجز؛ فأغلب من هرول الى العاصمة هرب من اذلال الاحتلال على الحواجز في سنوات الانتفاضة الثانية من ناحية، والقيام بواجبهم الوظيفي بالحضور في مواقيت الدوام وتقديم الخدمات من ناحية ثانية.

عند نقاشه لقانون الخدمة المدنية لسنة 1998، هدف المُشَرّعُ الفلسطيني، بوضع علاوة المواصلات ضمن الراتب، إلى زيادة الراتب للموظفين خاصة اصحاب الدرجات الدنيا لتتلاءم مع ظروف المعيشة، وهي امتياز يحظى به الموظف على رأس عمله، لكن بخبث تشريعي، لأنها لن تحسب في الراتب التقاعدي عند انتهاء سنوات الخدمة بمعنى اخر لا يثقل كاهل صندوق التقاعد. وقد فات على المشرعِ عام 2005 عند تعديل القانون ذاته النظر في هذا الامتياز حينما عدل جدول الرواتب ورفعه بنسبة 8% التي هي تشكل نسبة المواصلات من مجمل رواتب الموظفين.

أعتقد أن العقلنة في مسألة اصلاح مواصلات الموظفين لن يأتي بضربة واحدة بل تحتاج الى خطوات وإجراءات على المدى الطويل لانهائها، ويمكن النظر في خطوات اصلاحية كبيرة اتخذتها الحكومات الفلسطينية السابقة في الخدمة المدنية، وذلك في اطار استلهام العبر ،وهي:

أولا: في العام 2000 اتخذت الحكومة قرارا بوقف التعيين على مالية رام الله للتخلص من الاعباء التقاعدية على الخزينة المعمول به في قانون التقاعد الاردني القديم، بحيث يصبح موظفو السلطة الفلسطينية جميعا على "ديوان غزة" مرتبطين بصندوق التقاعد العام دون انتهاك لحقوق الاشخاص الذين عينوا على مالية رام الله. هذا يعني اجراء تعديل تشريعي لقانون الخدمة المدنية بإلغاء بند المواصلات في احتساب الراتب عند التوظيف الجدد، والتعاقد مع الموظفين على مكان العمل بغض النظر عن مكان اقامة الموظف الذي قبل بشروط الاعلان لهذه الوظيفة أو تلك.

ثانيا: التخلص من عبئ تكلفة المواصلات إما بعمل مقاصة مع علاوة الدرجة عند الترقية في نفس الفئة بحيث يحصل على 50% من العلاوة الى أن ينتهي بند المواصلات للموظف على غرار التخلص من سنوات "التنظيم". أو بدفع مبلغ مقطوع لكافة الموظفين في الخدمة المدنية بمقدار 500 شيكل وهي نفس القيمة التي تعفى من رواتب القطاع الخاص عند احتساب ضريبة الدخل.

ثالثا: في العام 2010 وضعت الحكومة شروطا لضبط صرف هذا النوع من الامتياز "المواصلات" لكنها فشلت في عملية الضبط هذه بسبب ايجاد وسائل للتحايل عليها. في كثير من الاحيان يؤمن الناس ان القانون وضع لخرقه، خاصة عند الحاجة وهي قادرة على التكيف مع هذا الخرق. لذا الوضوح عدل والقواعد التشريعية المُحكمة قد توفر أو تسعى لتوفير هذا العدل. لكن أيضا الانصاف لازم عند النظر في المسائل الاجتماعية، والحكمة مطلوبة عند النظر في مصالح الافراد. وأجزم انها ثَلاثُتها، العدل والإنصاف والحكمة، مطلوبة عند النظر في مسألة مواصلات الموظفين. من نافل القول "لن يصلح العطار ما أفسده الدهر". في المقابل الدهرُ وحده كفيلٌ بإصلاح ما أفسده لكن كي يستقيم هذا الامر يحتاج الى خطة (طويلة الامد)، واضحة (في إجراءاتها)، وصرامة عادلة ومنصفة.

(3) فتح ... 51 عاما ثورة
يحتفل الفلسطينيون اليوم مع جميع شعوب العالم باليوم الأول "الفاتح" للعام الجديد ومنهم ايضا يحتفلون بالذكرى الحادية والخمسين لانطلاقة ثورتهم المعاصرة، وهم ينظرون للمستقبل يتذكرون ثوارا صنعوا ثورة المستحيل في أحلك الظروف آنذاك عام 1965، وهم في هذه المناسبة يسترقون السمع أو النظر الى محطات تاريخية أو مفصلية في حياة ثورة شعب ضد الاستعمار والاستيطان منها؛ محطات مفعمة بالأمل والفخر و"الانتصارات"، وأخرى أليمة ومفجعة فَقَدَ الشعب الفلسطيني رجالا عظام، ومواطن قدم عزيزة، وفرص سانحة، وحلفاء أو أصدقاء على الطريق.
كلا النوعين من محطات التاريخ للثورة الفلسطينية هي دروس وَعِبر، وهي على درب الآلام ضرورية للتقييم والتقويم إن أُرادَ الاصلاح والنهوض والانتصار . الايمان بحتمية الانتصار يقتضي المراجعة وان بقي الايمان بأنها ثورة حتى النصر.
وكل عام وجميع ابناء شعبنا بخير للمحتفلين بالعام الجديد أو بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" أو بكلاهما.