السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

إسرائيل دولة محظوظة جدا !!!!

نشر بتاريخ: 09/02/2016 ( آخر تحديث: 09/02/2016 الساعة: 10:30 )

الكاتب: محمد خضر قرش

لا أعلم دولة على كوكب الأرض محظوظة كإسرائيل .فهي رغم كونها تحتل أراضي الغير وتطرد السكان وتغير بطائراتها على المرافق الاقتصادية والإستراتيجية والمدنية للدول المجاورة لها وحتى البعيدة عنها حتى تاريخه وتمعن في القتل وبذات الوقت تقيم علاقات دبلوماسية وتتبادل السفراء مع من تحتل أراضيهم أو كانت حتى وقت قريب تحتلها وتبني مستوطنات فوقها وتستجلب ألاف المهاجرين وتسكنهم فيها كما تقوم بشن حروب عدوانية على بعض الشعوب العربية وفي المقدمة منها الفلسطيني وتدنس أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين وبنفس الوقت تقيم علاقات تجارية مع العديد من الدول العربية ويقوم المسوؤلون فيها بزيارات دورية علنية وسرية وتبادل المعلومات الأمنية ،كما يحصل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ومحظوظية دولة الاحتلال ليس مرده الدعم والتسليح والتأييد والتمويل الأميركي التاريخي الأعمى لها فحسب ،فهذا قائم منذ قيامها وخاصة بعد الحرب العدوانية عام 1967 بشكل خاص.فلم يحل الدعم الأميركي (السياسي والعسكري والمالي) من توجيه ضربات قوية ومؤثرة للقوة العسكرية الإسرائيلية (حرب أكتوبر 1973) كما لم يحل دون قيام المقاومة الفلسطينية واللبنانية من توجيه ضربات موجعة لها خلال العقود الماضية (الانتفاضة الأولى والثانية والحالية)وما فعلته في العقود السابقة لها بالإضافة بالطبع لما أحدثته المقاومة اللبنانية في العقود الثلاثة الأخيرة تحديدا. فما دام الأمر كذلك فأين هي محظوظية إسرائيل – إذا جاز التعبير- وحتى لا نطيل في السرد المعروف جيدا للجميع فإنه من الأهمية بمكان الإشارة بإيجاز وبدون شرح إلى ماهية وعناصر المحظوظية والتي برزت بشكل ملفت للنظر منذ العقد الماضي.ولا جرم بأن كل ما سنتطرق إليه جاء لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تتربع الآن على قمة الأحداث الجارية في فلسطين والعالم العربي كله تراقب وهي مسرورة ومسترخية إستراتيجيا. 

لكن من المهم قبل الإشارة إلى حيثيات المحظوظية الإسرائيلية التذكير بما صرح به عاموس يادلين رئيس الاستخبارات العسكرية عام 2010 عند انتهاء مهامه حيث قال ( لقد أنجزنا خلال الأربع سنوات ونصف الماضية كل المهام التي أوكلت إلينا، واستكملنا العديد من التي بدأ بها الذين سبقونا،ونجحنا في ربط نشاط الشبكات العاملة في لبنان وفلسطين وإيران والعراق كما أعدنا صياغة عدد كبير من شبكات التجسس لصالحنا في لبنان، وشكّلنا العشرات مؤخراً، وصرفنا من الخدمة العشرات أيضاً، وكان الأهم هو بسط كاملة سيطرتنا على قطاع الاتصالات في هذا البلد؛المورد ألمعلوماتي الذي أفادنا إلى الحد الذي لم نكن نتوقعه، كما قمنا بإعادة تأهيل عناصر أمنية داخل لبنان؛من رجال ميليشيات كانت على علاقة مع دولتنا منذ السبعينات، إلى أن نجحت وبإدارتنا في العديد من عمليات الاغتيال والتفجير ضد أعدائنا في لبنان، وأيضاً سجّلنا أعمالاً رائعة في إبعاد الاستخبارات والجيش السوري عن لبنان، وفي حصار منظمة حزب الله." 

واستطرد يادلين بسرد إنجازاته قائلاً: في إيران سجلنا اختراقات عديدة، وقمنا بأكثر من عملية اغتيال وتفجير لعلماء ذرة وقادة سياسيين، وتمكنا إلى درجة عالية من مراقبة البرنامج النووي الإيراني،الذي استطاع كل الغرب الاستفادة منه بالتأكيد، ومن توقيف خطر التوجه النووي في هذا البلد إلى المنطقة والعالم. وفي السودان أنجزنا عملاً عظيماً للغاية؛ لقد نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه، ودرّبنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجوستية، لمساعدتهم، ونشرنا هناك في الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حالياً على تنظيم (الحركة الشعبية) هناك، وشكّلنا لهم جهازاً أمنياً استخبارياً قادر على حمايتهم وإنجاح مشروعهم بإقامة دولة ذات دور فاعل في هذه المنطقة. وأضاف: أما في شمال إفريقيا، فقد تقدمنا إلى الأمام كثيراً في نشر شبكات جمع المعلومات في كل من ليبيا وتونس والمغرب، والتي أصبح فيها كل شيء في متناول أيدينا، وهي قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في مجمل أمور هذه البلاد.

أما في مصر، الملعب الأكبر لنشاطاتنا، فإن العمل تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979، فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر. 

وتابع الجنرال المتقاعد:أما بين الفلسطينيين فنحن الذين أفرغنا السلطة من محتواها، وسيطرنا على معظم قادة منظمة التحرير الذي عادوا إلى أراضي السلطة ، وشبكنا معهم أوثق العلاقات، ومنهم من ساعدنا كثيراً في عدد من الساحات العربية، ونسج لنا علاقات مباشرة وغير مباشرة مع أجهزة وقادة عرب، إلى أن أصبح جزء منهم جزءاً من عملنا.وختم الجنرال الذاهب إلى التقاعد كلامه: لقد كان لحادثة اغتيال رفيق الحريري الفضل الأكبر في إطلاق أكثر من مشروع لنا في لبنان، وكما كان للخلاص من عماد مغنية الفضل في الولوج إلى مرحلة جديدة في الصراع مع حزب الله، قبل التوجه إلى سورية؛ المحطة النهائية المطلوبة، لكي تنطلق جميع مشروعات الدولة اليهودية، بعد الإنجاز الكبير في العراق والسودان واليمن، والقريب جداً إتمامه في لبنان، كما يجب تحية الرئيس حسني مبارك كل يوم، لما قدمه لاستقرار دولتنا وانطلاق مشاريعها). تلك باختصار ابرز ما قاله عاموس يادلين .وعلى ضوء ما تقدم بات من السهولة أن نشير إلى عناصر ومكونات المحظوظية الإسرائيلية وهي:

1- الانقسام الفلسطيني أو الشرخ الكبير بين جناحي الوطن والذي باتت فيه إعادة الوحدة شبه مستحيلة،
في ظل القيادات الحالية والوضع المهترئ لمنظمة التحرير وانتشار الفساد في بعض مؤسسات السلطة والفصائل والحركات والأحزاب دون استثناء.فلم تعد المنظمة ولا الفصائل والحركات تملك الإرادة الفعلية للمساهمة في التغيير أو للتخلص من حالة الاسترخاء والضعف والتفتت والذاتية التي باتت صفة متلازمة للوضع الفلسطيني.وبالتالي فإن القدرة على تجميع القوى والفصائل واستنهاض الهمم وتجميع الطاقات والإمكانيات لمواجهة مرحلة التحرر الوطني وإنهاء الاحتلال قد أخفقت وفشلت عمليا وميدانيا ومؤسساتيا وهذا العنصر يعتبر من أهم وأبرز مكونات المحظوظية لدولة الاحتلال.فهل هذا ما قصده عاموس يادلين؟

2- انشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية وخاصة المؤثرة منها (العراق وسوريا ومصروليبيا) بحيث تراجعت اهتماماتها بما يجري في فلسطين، بل وفي بعضها لم يعد يشكل خبرا له أولوية أو أهمية تذكر.فجامعة الدول العربية ضعفت وبهت دورها وباتت كخيال المآتي لا أكثر.وقد نجم عن ذلك ميوعة غير معتادة وغير مسبوقة في الموقف العربي إزاء ما يدور ويجري في فلسطين فهل هذا ما قصده عاموس يادلين في تصريحاته المنوه عنها آنفا فيما يتعلق بالنجاحات التي حققتها الاستخبارات الإسرائيلية بأفرعها كافة في معظم الدول العربية؟؟

3- لا مبالاة وسائل الإعلام العربية الرسمية منها والخاصة بما يجري في فلسطين.حيث لم تعد نضالات شعب فلسطين وأعماله البطولية تجد لها متسعا في محطات البث الفضائية المباشرة على كثرتها.ولولا قيام محطات بعينها لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة وبعضها ينقل على استحياء أو من باب المجاملة لا أكثر لما علم العرب بوجود انتفاضة أو هبة يستحق الاهتمام فيها ومتابعتها ونشر أخبارها.وهذا ينطبق على كل وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة على حد سواء.

وبعد كل ما تقدم ألا تعتقدون معي بان دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من محظوظة !وعليكم أن تأخذوا التصور المغاير لما هو قائم حاليا، وهو أنه لو كان هناك موقفا فلسطينيا موحدا وبغياب الانقسام الضار والمؤذي والمحبط وأخر عربي مؤيد وداعم وغير مشغول بأوضاعه وفتنه وهمومه الداخلية معبر عنه بتدفق المساعدات بكل أشكالها وليس بمحاصرة شعب فلسطين برا وجوا وبحرا كما هو قائم حاليا مع موقف إعلامي عربي نشط ومؤيد للحق الفلسطيني،هل تستطيع دولة الاحتلال أن تصر على عنجهيتها وغرورها وصلفها في التعامل مع الحق الفلسطيني والعربي ؟؟ سؤال نطرحه للقوى التي تدعم الإرهابيين المنتشرين في العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن . وأخيرا نقول للدول العربية أن شعب فلسطين يشكل خط الدفاع الأول عنها كلها. فلولا صموده ومقاومته الباسلة للاحتلال الغاشم لكانت عواصم عربية غير قليلة كالقدس الفلسطينية.كل ما يريده الفلسطينيون هو الدعم والمؤازرة فحسب.ويحق لنا في هذا السياق

أن نستذكر ونترحم على الزعيم جمال عبد الناصر وهواري بومدين وغيرهما من الزعماء العرب.شعب فلسطين لا يريد من الدول العربية أن تقاتل معه وان تخوض حروب ضد إسرائيل ،فكل ما يطمح إليه أو يتطلع إليه هو موقف عربي مساند وداعم وتخصيص 10% فقط مما يصرف على المنظمات الإرهابية التي تفتك وتدمر سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن.هذا ما نبتغيه ونتمناه ونتطلع إليه تقديرا وتكريما للشهداء الذين يسقطون يوميا برصاص الاحتلال الإسرائيلي.الانتفاضة الفلسطينية مستمرة رغم كل الحصار والخناق المفروض ولا مبالاة وسائل الإعلام العربية وميوعة المواقف الرسمية. هذا هو قدرنا فلا نملك خيارات أخرى لأنه ليس لنا غير فلسطين واحدة وعاصمتها القدس.