الخميس: 16/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة في الارقام الصادمة لإستطلاعات الرأي العام الفلسطيني ...

نشر بتاريخ: 14/03/2016 ( آخر تحديث: 14/03/2016 الساعة: 13:01 )

الكاتب: يونس العموري

من الواضح ان الشعب الفلسطيني بات منقسما ومتشرذما هو الأخر جراء الواقع الراهن التي تعيشه الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث انسداد الافق السياسي وفشل الحركة الوطنية على مختلف توجهاتها ومشاربها الفكرية الأيدولوجية، وقد يكون التتوع بالرأي واختلاف وجهة النظر بين جموع مكونات الشعب الفلسطيني جغرافيا او طبقيا أمرا طبيعيا لكن ان يكون هناك اختلاف على حقيقة الثوابت فهو الأمر غير الطبيعي، ويعكس بالاساس عدم قدرة مجاميع الحركة الوطنية وتشكيلاتها لإقناع الرأي العام بجدوى التوجهات ومسارات العملية السياسة مما يعني ان الشعب الفلسطيني منقسما وبشكل حاد وعمودي حول حقيقة تلك الاطروحات سواء أكانت التسووية منها او تلك التي تطرح خيارات المقاومة وجدواها بالظراف الراهن. ولأول مرة ينقسم الشعب الفلسطيني بهذا الشكل حول مسألة الانتفاضة واستمرارها مما يعكس حجم التخبط والتوهان الذي باتت تعيشه جماهير الشعب الفلسطيني، وللجغرافيا كما هو واضح تأثير عملي وفعلي بالأراء المتشكلة عند هذه الجماهير ... حيث أظهر استطلاع للرأي أعده مركز القدس للإعلام والاتصال ارقام صادمة بنبض

الشارع الفلسطيني وتوجهاته وقد جاءت هذه الارقام على النحو الأتي:
استمرار الانتفاضة -
( ... أن أكثر من (55.9%) من الفلسطينيين يؤيدون استمرار "الانتفاضة/الهبة الحالية"، مقابل 41% عارضوها، حيث أن أغلبية المؤيدين كانت من قطاع غزة بنسبة (75.8%) مقابل اغلبية معارضة في الضفة بلغت 51.6%.

وأيدت أكثرية من 56.2% استمرار عمليات الطعن الجارية مقابل 41.1% عارضوها، حيث ظهر الاستطلاع أيضًا ارتفاعًا في التأييد لعمليات الطعن في غزة حيث أيدتها اغلبية من 79.5% مقابل اغلبية معارضة في الضفة بلغت 53.9%. ..)
وهذه الارقام تعكس مؤشرات خطيرة لها دلالات من الأهمية بمكان ان تأخذها القيادة الفلسطينية على محمل الجدية، الأمر الذي يعني انه لربما اصبحت الجماهير بعيدة عن منطق مواجهة سياسات الاحتلال جراء عمليات التدجين والتهجين وسياسات التجويع والتركيع ونجاعة سياسات الاحتلال بهذا الشأن وهو ما يؤشر لضرورة مراجعة شاملة وعملية بجدوى الخطاب المقدم من قبل قادة من يتربعون على عرش الفصائل والتنظيمات مكونات الحركة الوطنية عموما ...

حل الدولتين -
(... وما زال حل الدولتين هو الأكثر قبولا لدى المستطلعين بدليل أن أكثرية من 69% عارضت تغير السياسية الفلسطينية الرسمية من المطالبة بدولة مستقلة في الضفة والقطاع إلى المطالبة بحقوق متساوية للعرب واليهود في دولة واحدة في فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، بينما أيد ذلك أقلية من 24.8%. ..)
الأمر الذي يعني ان الشعب الفلسطيني تواق لإنجاز هدف الدولة، الا انه هنا يتناقض مع ذاته ففي الوقت الذي يؤيد وبقوة حل الدولة المستقلة ذات السيادة ويتراجع قبوله لإستمرار الانتفاضة الشكل الأبداعي للفلسطينين منذ بدايات الصراع، فإنما يتضح حجم التناقض وانفصام وتخبط بالتوجه والتوجيه،ولا شك ان الانتفاضة هي صناعة جماهيرية بامتياز وابداع شعبي له علاقة بالمزاح العام لجماهير الشعب القادرة على تحديد منطلقات الفعل الانتفاضي واساليبه وتوجهاته والانتفاضة وحدها القادرة على فرض معطيات جديدة على ارض الواقع ، وهي التعبير العام لتأيد منهج المقاومة وحينما يتراجع تأيد الانتفاضة فالأمر اكثر من خطير يعني تراجع بتأيد منهج المقاومة عموما وبالتالي ومرة اخرى تتحمل مكونات الحركة الوطنية مسؤولية هذا التراجع وبالتالي هذا التخبط، حيث الإرباك الواضح المعالم من قبل هذه الفصائل والتنظيمات على التعاطي وقوانين المرحلة ...

التنسيق الأمني -
(... وحول التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل ظهر أن هناك انقساما بين الفلسطينيين حول وقفه مع تفاوت بسيط، حيث قال 48.2% إنهم مع إنهائه، مقابل 43.4% أيدوا استمراره. وفي المقابل أيدت اكثرية من 52.7% استمرار التنسيق الأمني، حال كان وقفه مرهونا بوقف التنسيق المدني (التصاريح، التحويلات الطبية) مقابل 38.6% عارضوا ذلك....)

وهو الامر الذي يعكس حجم الخوف والتخوف من وقائع الحياة في الاراضي الفلسطينية حيث القناعة التامة بالارتباط الجدلي لكافة مناحي الحياة وانشطتها وبشكل جدلي بسلطات الاحتلال، وثمة خشية مقنعة الى حد ما، انه اذا ما اقدمت القيادة الفلسطينية على وقف التنسيق الأمني بتأثر وقائع الحياة اليومية الفلسطينية .. وهذه الارقام انما تعكس الى حد كبير عدم الثقة بالنظام الفلسطيني وبمقدراته على التصدي لتحديات الحالة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في ظل اجراءات احتلالية اسرائيلية عقابية نتيجة وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال ... وايضا هذا مؤشر بضعف الحالة الوطنية وفقدان الثقة بقوائم وروافع العملية الفلسطينية برمتها ...

تراجع السلطة -
(... وقد أظهر الاستطلاع تراجعًا في نسبة الرضا عن الطريقة التي يدير بها الرئيس محمود عباس عمله كرئيس للسلطة الوطنية من 52.4% في آب من العام الماضي إلى 45.3% في آذار الحالي. وبالمثل تراجعت نسبة الذين يقولون أن الدكتور رامي الحمد الله يقوم بعمله كرئيس للوزراء بشكل جيد من 25.5% في آذار من العام الماضي إلى 22.2% في آذار الحالي.

كما يظهر الاستطلاع وجود تراجع في تقييم الجمهور لأداء بعض أجهزة السلطة، حيث ارتفعت نسبة من اعتبروا ان أداء جهاز التربية والتعليم سيئ من 12.9% في تشرين أول 2010 إلى 29.3% في آذار الحالي، وكذلك الحال بالنسبة التلفزيون الفلسطيني الذي ارتفعت نسبة من يعتبرون أداءه سيئا من 17.3% في تشرين أول 2010 إلى 29.5% في آذار الجاري....)

وهذه الارقام تعكس حقيقة الفجوة القائمة ما بين المواطن والسلطة ومهامها وبالتالي الحاجة لإحداث متغيرات بالنظام السياسي الفلسطيني يلبي حاجات المواطن اولا من خلال مشاركة المواطن بصياغة النظام السياسي الحاكم، وذلك عبر المنهج الديمقراطي وإشعار هذا المواطن بكونه صانع التوجهات العامة للبلد، وهو الأمر الذي من المفروض ان يتحقق عبر تلبية احتياجاته الأساسية اولا والتصدي لألويات المجتمع، والمتمثلة بنظام العدالة الاجتماعية وتحقيق النماء والإنماء ضمن وقائع الاحتلال وفقا لبرامج وطنية مواجهة ومجابهة لسياسات الاحنلال على قاعدة الثوابت الوطنية غير القابلة للتصرف او التأويل او التفسير او التنازل وعلى اساس محدادت قوانين الاشتباك مع الاحتلال على مختلف الجبهات والساحات، ومصارحة المجتمع والرأي العام الفلسطيني بحيثيات المرحلة، ومتطلباتها وتحدياتها وبالتالي تحديد واجبات المجتمع تجاه طبيعة المرحلة من خلال اشعاره بكونه شريكا بتحديد المنهج السياسي العام لإدارة شؤون البلد...

ان هذه الارقام انما تعكس حجم الفجوة المتسعة والهوة الكبيرة ما بين القيادة الرسمية الفلسطينية والمستطلعة اراءهم وهي اراء صادمة وغير متوقعة ومن المفروض التوقف عندها ودراسة متغيراتها .. الأمر الذي يستدعي احداث ثورة بحيثيات النظام الفلسطيني وكما اسلفنا على قاعدة وقائع الاحتلال واعادة صياغة منظومة العمل الفلسطيني وفقا لقوانين مرحلة التحرر الوطني بمعنى انه بات من الضروري جدا تجذير قوانين المرحلة وتسمية الاشياء بمسمياتها والالتزام اولا واخيرا بحقيقة قوانين المرحلة واعادة الاعتبار لمفاهيم التحرر الوطني ومغادرة المنطقة الرمادية المختلطة ما بين (الدولة) غير المنجزة على ارض الواقع وقوانينها، ووقائع مرحلة التحرر الوطني ومفاهيمها ومنظومة ضوابطها ومخراجتها، وان السلطة ما هي الا شكلا هلاميا اداري خدماتي ليس اكثر، ولابد بذات السياق من اعادة الاعتبار للإطار الوطني الجامع المعبر عن حقيقة المرحلة (كمرحلة تحرر وطني ) والمتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينة واعادة الاعتبار لمؤسساتها وبالتالي احتضانها جماهيريا ....
ان هذه الارقام تعبر وبشكل مباشر عن حالة احباط عامة لدى جموع جماهيرنا، وفقدان البوصلة بالعموم وانعدام الرؤية لماهية الظرف الراهن والتنصل من متطلبات وتحديات الصراع بكافة اشكاله وهو الامر الأخطر الذي يهدد المصير الوطني الفلسطيني بشكل او بأخر ...