الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

القدس ترحب بطبيبها

نشر بتاريخ: 10/04/2016 ( آخر تحديث: 10/04/2016 الساعة: 11:40 )

الكاتب: محمد خضر قرش

وصل إلى القدس يوم الاثنين الماضي طبيب الفقراء الدكتور صبحي سعد الدين غوشة في زيارة هي الرابعة له منذ عام 1993.الأولى كانت في العام 1995 والثانية تمت لمشاركته في توديع والدته إلى مثواها الأخير والثالثة كانت أيضا لتوديع شقيقه سمير غوشة. التقيته في عمان قبل توجهه بيوم واحد تحدثنا طويلا بهموم وجراحات وآلام القدس كما هي عادتي في كل زيارة إلى الأردن. كم كنت أتمنى وأتوق لأكون في استقباله ومرافقته للتجول معا في قدسنا الغالية والتي أحبها وعشقها وقدم لها الكثير. قابلت شخصيات مقدسية وفلسطينية عديدة على امتداد الفترة من 1967 وحتى تاريخه يحبون القدس وفلسطين بالطبع، لكن قلة قليلة منهم أعطوها ولم يأخذوا منها بل ولم ينتظروا أية مكاسب أو التمتع بأية مزايا أو منافع شخصية.ولست هنا بصدد ذكر هؤلاء ولكن يحضرني بعض الشخصيات غير المكررين والاستثنائيين في تاريخ القدس الحديث والذين قدموا ما لم تقدمه دول ولا حتى فصائل.

من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، طبيب القدس صبحي غوشة ورفيق دربه الذي قضى نحبه قبل سنوات قليلة المناضل بهجت ابوغربية والشهيد فيصل الحسيني الذي سقط وهو يحاول إعادة توجيه البوصلة نحو القدس وفلسطين والشيخ رائد صلاح بصفته الشخصية والمناضل الفذ عمر القاسم الذي قضى نحبه وهو في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.لكن من الأهمية بمكان أن تتصدر قوافل الشهداء قائمة الاستثنائيين وغير المكررين والذين رووًا بدمائهم الخالدة ثرى القدس وفلسطين سواء الذين سقطوا خارج حدودها الجغرافية في دول اللجوء والشتات أو فوق ترابها وأرضها، بالإضافة إلى المعتقلين والأسرى القابعين في سجون الاحتلال .

لم ينتظر الطبيب صبحي غوشة (وبالمناسبة هذه الصفة هو الذي كتبها على اللوحة- الآرمة- التي وضعها على مركز عيادته بمدخل عمارة هندية في باب العامود مقابل مدرسة الشميدت) من أي جهة تكريم أو شكر على ما يقوم به فهو يقوم بما يمليه عليه واجبه الوطني نحو مسقط رأسه باعتبارها عاصمة لفلسطين. وأضيف هنا لأقول بان زيارته الحالية (الرابعة) للقدس لم تكن بغرض الرغبة أو الحب بالتكريم بالدرجة الأولى ولكنها كانت لرغبته الجامحة وحنينه لزيارة القدس وهو يلج العقد التاسع من عمره المديد ليعيد ذكرياته ويتفقد شوارعها وأزقتها وإلى منزل العائلة في الشيخ جراح الملاصق لمدرسة خليل ألسكاكيني. لقد رفض ومعه رفيق دربه بهجت ابوغربية تكريمهما بمنحهما أوسمة رفيعة من قبل (منظمة التحرير و السلطة الوطنية عام 2007 لأسباب مبدئية نتيجة لموقفهما من اتفاقيات أوسلو، وأقول هنا بأن من رفض أوسمة التكريم الرفيعة لا يستهويه أوسمة من نوع آخر. فموافقته على حضور التكريم في جامعة القدس كان لتسهيل دخوله لمسقط رأسه. 

الطبيب صبحي غوشة أحب القدس وخاصة فقرائها فأحبوه ولم يترددوا في انتخابه مرتين متتاليتين للانتخابات البلدية التي تمت قبل الاحتلال حيث حصل على أعلى الأصوات في كلا المرتين لكنه حرم من رئاسة البلدية لأسباب سياسية وفي إحدى المرتين المنوه عنهما كان موقوفا حينما تم انتخابه.وكغيره من المناضلين زار سجن الجفر الصحراوي في العام 1957- 1958 ثم سجن المحطة قبل حرب حزيران . ومع وقوع العدوان عام 1967 اعتقلته سلطات الاحتلال وأبعد عن المدينة التي أحبها وعشقها وقدم لها الكثير. من الصعوبة بمكان تعويض مثل هذه الشخصيات المقدسية التي أعطت بلا حدود ولم تنتظر من أحد مقابل ذلك، بعكس العديد من الشخصيات التي يدعون حبهم للقدس وفلسطين والتي تزدحم بهم شوارع القدس حاليا والذين يقدمون دينار واحدا ويأخذون مقابله عشرة ألاف دينار على الأقل ويمولون حفلات تكريمهم ونشر صورهم في وسائل الإعلام . ولقد نشرت جريدة القدس في الأسبوع الماضي أكثر من مقال عن هذه الظاهرة المخزية وغير الوطنية.

الطبيب صبحي غوشة لم يسع للحصول على مسميات وأوصاف ما انزل الله بها من سلطان والتي لا يمكن وصفها إلا "بأن من لا يملك الحق أعطى الوصف لمن لا يستحق" . بعضهم اعتبر أن شراءه منزلا في القدس القديمة وإطلاق أسم فلسطين عليه جدير بأن يكرم وأن يشار إليه في البنان.وبعض المكرمين والحاصلين على الأوسمة والدروع من له علاقات وثيقة بسفراء الولايات المتحدة الأميركية والبريطانية والفرنسية ويحضرون احتفالات أو مناسبات استقلالهم وأعياد ميلاد زعمائهم بانتظام بل أن بعضهم يعرف شوارع واشنطن ولندن وباريس أكثر مما يعرف شوارع القدس القديمة. لقد شكل الطبيب صبحي غوشة نموذجا متواضعا لا يمكن مقارنته بالشخوص سالفة الذكر والتي يعرفها المقدسيون جيدا.فقراء القدس وفلسطين وبقية المناضلين يرحبون بطبيب القدس وليس أكثر من ذلك ، يرحبون ممن كان يعالجهم بنصف أو بربع دينار وفي أحيان كثيرة بالمجان .المقدسيون قادرون على التمييز بين الغث والسمين ، كل التحية للطبيب المقدسي صبحي غوشة في مسقط رأسه وبلده التي أحب وعشق وقدم لها الكثير ولم يطلب من أحد منا ولا شكورا. وكل ما نقدمه له في هذه المناسبة هو أن نتضرع إلى الله لأن يهبه طول العمر لتكتحل عيناه برؤية القدس محررة من دنس الاحتلال. وأخيرا نقول أهلا وسهلا بك يا أبا سعد في مدينتك ومسقط رأسك.