الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مسرحية مشوّهة

نشر بتاريخ: 10/04/2016 ( آخر تحديث: 10/04/2016 الساعة: 11:45 )

الكاتب: محمد نجيب الشرافي

في مشهد مسرحي صادم، اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، فوجئنا بطلبة مدارس ينتزعهم شيوخ من بين زملائهم، ليتقدموا نحو كبيرهم، ترافقهم موسيقى تصويرية حزينة لزوم المشهد الدرامي المؤثر، وكأننا أمام فيلم هندي. ومع تقدم الطفل نحو الشيخ الكبير ينطلق هتاف: الله أكبر ولله الحمد. تتحرك الكاميرا باتجاه الطفل فإذا به ينهمر في نوبة بكاء يخلع القلب. ما الذي أبكاه؟ لماذا؟ وكيف؟ عليك الانتظار، لتعرف أنها "التوبة" في ثوب جديد.

يعرف المسلم أن عودته إلى ربه لا تحتاج وسيطا. فإن توضأ وكبّر فإنه يقف بين يدي الله. يمتلئ يقينا أن الله يراه ويفرح به... يسمع كلامه ويجيب سؤاله، أما أن يُدفع بفتية إلى السجود من غير وضوء في اتجاه زملائهم الطلبة للتأثير عليهم، فليس من التوبة في شيئ، إنما تخويف وترويع ظاهر، وإخراج مسرحي سيئ.

ثم إن التوبة تكون عن فعل أنت تعرفه، والله يعرفه من دون الناس، وتضمر في نفسك الندامة وعدم العودة اليه.

بهذا المعنى، تكون التوبة صرخة ضمير، ثورة صامتة على الماضي .. التوبة تغيير في الفكر والسلوك .. التوبة اختيار فقرار فعزم ثابت.

شاهدنا الاطفال والخجل يعتصر قلوبهم، يغمرهم الندم عن خطيئة "اقترفوها". وأي خطيئة تلك التي لا يعرفها حتى الطفل نفسه؟ طفل فَقَدَ طفولته بين مدرسة وبيت يفتقر إلى شروط العيش الادمي لا يجد فيه قوت يومه، ولا يجد فيه ضوءا ولا مياه نظيفة، بعدما فقدَ معنى العيش في وطن لا علاج فيه لمريض ولا مستقبل امن.

لو سألت تلميذا عن ذنب اقترفته يداه واستوجب التوبة، أوعن معنى أن يمرّغ وجهه على صدر الشيخ لمأمأ التلميذ وتأتأ وتلعثم، وربما مطّ شفتيه وأرجعها ثم عقد حاجبيه وذهب شرقا وغربا في تبرير ما فعل، بذلك تكون التوبة ابتعدت عن جوهرها الروحي الذي حدده النص القرآني وشرحته المذاهب الاربعة، واقتربت مما هي عليه في الديانة المسيحية وغيرها.

ما الفرق بين كاهن يتقبل التائبين في كنيسة أحد شروط التوبة فيها أن يلجأ الخاطئ إليه ليعترف أمامه بما ارتكبت يداه، باعتبار أن الكاهن وكيل الله على الارض. وباعتباره مفوض من الله ومن الشعب بمباشرة مهام وكالته. بينما حدد علماء المسلمين ثمانية عشر مفتاحا للتوبة، ليس فيها البكاء على صدر الشيخ في السر والعلن أو معانقته، ولا يعترف الاسلام به وسيطا أو مخلصا من الذنوب والخطايا.

ربما كان في صدور شيوخ وزارة الاوقاف نوايا حسنة، لكنهم أخطأوا في اختيار هذه الشريحة. ربما كان عليهم التوجه إلى لصوص وقتلة ومصاصي دماء ينامون وكروشهم متخمة بشتى المأكولات، يتمتعون بما ليس حقا لهم ويمدون ألسنتهم إلينا منذ سنوات.