الأحد: 01/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

علاقات بنكهة حقل الألغام

نشر بتاريخ: 02/05/2016 ( آخر تحديث: 02/05/2016 الساعة: 15:31 )

الكاتب: سري سمور

نحن في زمن صارت خريطة العلاقات فيه أشبه بحقل ألغام، نظرا لسيولة الصراعات الموجودة في المنطقة والعالم؛ وإذا سرت وفق خريطة بعض مراهقي الفيسبوك أو الفضائيات، والمرسومة بمنطق الجهل أو الحقد أو الطفولة السياسية (يمينية أو يسارية ) فستنفجر بك هذه الألغام تباعا وستغرق السفينة.
ونؤكد دوما وباستمرار أن فلسطين وقضيتها هي الخاسر الأكبر من الصراعات بين مكونات المنطقة من دول وطوائف وعرقيات مختلفة, كما ثبت بالتجربة العملية.

فما الذي جنيناه شعبا وقضية من الحرب العراقية- الإيرانية التي أكلت في بضع سنين ملايين الأنفس ما بين قتيل وجريح وأسير ومشرد وأرملة ويتيم ...إلخ وكانت فاتورتها مئات الملايين من الدولارات؟لم نستفد شيئا سواء كان منا أو فينا من رآها قادسية جديدة، أو بداية فتح إسلامي مبين!
وأما احتلال صدام دولة الكويت وتداعياته؛ فنحن دفعنا وما نزال ندفع الأثمان الباهظة جراء تلك الأزمة بشريا وسياسيا وماليا.
و المثالان السابقان يقدمان دليلا بأن الصراعات بين مكونات ودول المنطقة بغض النظر عن العناوين والشعارات التي يرفعها أطرافها، هي ضد مصلحتنا، وإذا كنا نحن لم نشعلها وغير قادرين على وقفها فلنتجنب قدر المستطاع الدخول فيها.
ولكن ابتلينا بقصار النظر المتسرعين في الحكم على الأحداث, ممن لم يحسنوا قراءة الماضي، فحكموا على الحاضر بجهالة ويعطون للمستقبل رؤية مبنية على هذيانهم المتغطي بشعارات مختلفة.

ولا يخفى على أحد كثرة الجدل والنقاش عن حركة حماس وكيف ينبغي أن تكون علاقاتها مع إيران وتركيا والسعودية وقطر؛ فهناك من يرى أن إيران تستطيع توفير كل احتياجات حماس بل كل الشعب الفلسطيني، مما يغني عن أي دعم سواه، ويتحدثون على مواقف إيران المتقدمة على كل مواقف العرب من القضية الفلسطينية، ويصورون الأمر أنه صراع بين الحق المتمثل -من وجهة نظرهم- بإيران وحلفائها، وبين الباطل المتمثل بأمريكا وإسرائيل ومن حالفهما ...وينسى هؤلاء أو يتناسون أنه ليس من الحكمة وضع البيض في سلة واحدة، وأن الصراع ليس بهذه الثنائية ذات اللونين الأبيض والأسود، حيث أن إيران تحالفت مع أمريكا ضمنا في غير مكان وزمان، ناهيك عن لامعقولية الوقوف خلف مشروعها الواضح في توسعيته وشعوبيته في عدة بلاد عربية.

وطرف آخر لا يقل تطرفا في القطب المقابل يظن أن تركيا الحالية هي تركيا السلاطين العثمانيين القدماء أمثال الفاتح وسليم وسليمان، ويختزل بتعبيرات ثنائية عناوين الصراع في المنطقة بأنها بين العثمانية والصفوية كما كانت قبل قرون، أو بين السنة والشيعة...وأيضا ينسى هؤلاء أو يتناسون أن تركيا تقيم علاقات تجارية مع إيران تتوثق باستمرار، كما أن تركيا يهمها مراكمة عوامل قوتها، ودعمها لحماس أو غيرها محكوم وخاضع لضوابط وقواعد المعادلات الدولية والحسابات الخاصة بها كدولة إقليمية كبيرة، وعضو في حلف الناتو.
ولم لا نتعلم من العدو؟فإسرائيل مزجت بين الاشتراكية والرأسمالية، إبان الحرب الباردة، ويرجح أن علماء يهود هم من قام بنقل سرّ صناعة القنبلة النووية إلى الاتحاد السوفياتي، بعد دورهم البارز في صناعتها للأمريكان.
وهناك معادلة مهمة مفادها أن كل من يقدم الدعم لفلسطين هو الرابح وثبت بالتجربة أن من يريد الاشتراط سيخسر وسيغني الله فلسطين عن دعم المشترطين.

ينبغي القبول بل الترحيب بأي دعم سياسي أو مالي أو عسكري أو إعلامي من أي دولة عربية أو إسلامية ولكن بشرط ألا يكون مرهونا بقطع العلاقة مع دولة أخرى، أو أن يكون ثمن الدعم تقديم تنازلات سياسية، حتى لو كانت تصنف تحت بند التكتيك...وهذا ليس مستحيلا.
فأهلا وسهلا بالدعم السعودي، ولا مانع من تلقي علوم الدين من علماء السعودية ومن يتبعهم خاصة في أصول الفقه وتحقيق الروايات المختلفة في الأحاديث والسيرة النبوية، فهم لهم باع طويل في ذلك، ولكن لأهل فلسطين فقه خاص بهم، والشافعي غير مذهبه في مصر؛ فحالنا ليس مثل حال جزيرة العرب؛ ففي غزة فتحت الكنائس أبوابها كي يؤدي المسلمون صلاتهم فيها في شهر رمضان بعد أن قصف العدو مساجدهم، ويتبادل المسلمون والمسيحيون التهاني بالأعياد، دون أن يتنازل هؤلاء أو هؤلاء عن عقيدتهم أو خصوصيتهم، وهو ما قد يصنف من المدرسة السلفية بأنه إخلال بالولاء والبراء، والاحتلال يعتدي على القبور الإسلامية وأهل فلسطين يدافعون عن قبور الأجداد والصالحين والمجاهدين التي تتهددها جرافات الاحتلال، ولا يعتبرون هذا شركا أو قبورية، مثلما هو حكمه عند السلفية...وأيضا لأهل فلسطين نسق اجتماعي خاص ، وعند أهل فلسطين لا يسود منطق التوسع في التحريم ازديادا في الحيطة أو سد الذرائع...فأهلا وسهلا بأي مؤسسة سعودية تضع هذه المعايير في الاعتبار، ولا تراهن على تغييرها لا بالمال ولا بتقدم الزمان.

وأهلا وسهلا بالدعم الإيراني العسكري والمالي بشرط عدم محاولة نشر التشيع في مجتمع سني شافعي وحنفي؛ وحتى لو بالمال استقطب بعض الأفراد والجماعات، فإن عموم الناس في فلسطين لم ولن يقبلوا أبدا بأن يطيل أحد لسانه على الشيخين(أبو بكر وعمر) أو ابنتيهما(عائشة وحفصة) رضوان الله تعالى عليهم، أو أن يقدم رواية جديدة للإسلام تقوم على الانشقاق على الأمة(السنة هم الأمة) فذاك خط أحمر لا يمكن التساهل مع من يتجاوزه ولو كان الثمن نصف بل كل عائدات النفط الإيراني!

وأهلا وسهلا بالدعم التركي السياسي والإعلامي والطبي ولكن دون محاولة إدخال نمط التدين التركي الضعيف على مجتمعنا، فما يسمى بالجلباب التركي، ليس حجابا إسلاميا لأنه ضيق، والعلاقات الاجتماعية عندنا لا يمكن أن تكون استنساخا من المسلسلات التركية وأحوال (العشق الممنوع) الذي يطفح منها!
طبعا تبقى المسألة الأهم، والتي يصبح ما ذكر في السطور السابقة واهيا أمام قوة ضغطها، وهي الاختيار في زمن الفرز والتحالفات، وعدم إمكانية الجمع بين النقيضين...وبرأيي فإن مسألة الفرز الثنائي لو جازت لكل أهل الأرض لما جازت لشعب فلسطين وفصائله وقواه، فمنطق الفرز الوحيد لفلسطين هو صداقة كل من يقدم دعما...كما أن من لا يرى إلا الفرز والثنائية في عينيه غبش؛ فهل قبلت تركيا المصالحة مع نظام السيسي مع وثاقة علاقتها بالسعودية؟وهل قطعت العلاقات مع إيران، بل تم توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادية جديدة، مع أن الأتراك والإيرانيين لديهم أكثر من ملف خلاف مشتعل في المنطقة.

لذا فإن العلاقة الوطيدة الطيبة مع الرياض أو أنقرة يجب ألا تكون على حساب العلاقة الطيبة الحسنة مع طهران؛ وعلى طهران ألا تطالب تصريحا أو تلميحا بعداوة أحد سوى الاحتلال ثمنا لدعمها...فكما أن فلسطين بحاجة إلى دعم الجميع؛ فإن الجميع يكسب -إذا قدم الدعم- شرعية لا تؤخذ من أي مكان أو قضية أخرى، ويكتسي من يدعم فلسطين بثوب لا يشبه فيما يمنحه من وقار وجمال أي ثوب آخر.

وأما أهل التطرف في تصور طبيعة وخريطة العلاقات والسياسات والمواقف فعليهم أن يتعلموا قبل أن يتكلموا، وإذا تكلموا فعليهم أن يتذكروا دوما بأن هناك أرض اسمها فلسطين تتكالب كل قوى الظلم والشر كي تحيلها إلى إسرائيل ليس فقط فيزيائيا بل بتغيير الفكر وتزييف الوعي والإشغال بقضايا أخرى، ولهذا فإن التصدي لهذا المشروع، ولإنقاذ فلسطين فإن الحاجة قائمة والشكر واجب لكل من يقدم قرشا أو رصاصة أو كلمة طيبة في أي محفل، حتى لو كان موقفه مرفوضا بل مبغوضا في قضايا أخرى.