الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاتفاق التركي الإسرائيلي في ميزان الواقع

نشر بتاريخ: 30/06/2016 ( آخر تحديث: 30/06/2016 الساعة: 13:30 )

الكاتب: م. عماد عبد الحميد الفالوجي

حتى نكون منصفين ونحاول أن نكون موضوعيين في الحكم على أي اتفاق يمس جوهر صراعنا مع عدونا المركزي وهو الكيان الصهيوني لابد بداية إدراك أبعاد كل اتفاق من وجهة نظر أطرافه وانعكاسات ذلك على جوهر القضية الفلسطينية سواء كان ذلك بالسلب أو بالإيجاب ، ولابد بداية إدراك لغة المصالح المتعددة والمتشابكة التي أصابت الجميع دون استثناء وأصبحت هي اللغة الحاكمة لكل القرارات التي تصدر عن كل الأطراف ، وهذه المصالح قد تتقاطع أو تتعارض ، وكل طرف يملك الحق في استغلالها حسب الأصول ويمكن استخدام كل ثغرة فيها لتحقيق مكسب هنا أو هناك أو تأسيس لمرحلة قد تتغير نحو الأفضل لصالحه ..

وبالتالي يجب إدراك أهمية الظروف التي أحاطت بالدولة التركية خلال السنوات الأخيرة والمتغيرات الكبيرة التي ضغطت لضرورة إنجاز هذا الاتفاق لتحقيق المصالح التركية وخروجها من حالة ضغط شديد قد تواجهه في تحالفاتها الدولية والإقليمية خاصة وأن الدور التركي أصبح لا يخفى على أحد من المراقبين وبدأ يتعزز في كافة قضايا المنطقة بشكل مباشر ودون مواربة .
ومن هنا لا يحق لطرف من الأطراف النظر لكل خطوة من وجهته الخاصة فقط ولا يعنيه سوى مصالحه والانجازات التي كان يحلم بها، ولكن يجب النظر بمجمل الأوضاع العامة وقياس تلك الانجازات عليها ، وكيف يمكن استثمارها والبناء عليها لصياغة مستقبل أفضل وعدم خسارة أي طرف يعول عليه في المساعدة والدعم ؟؟؟..

العلاقات التاريخية بين تركيا والكيان الإسرائيلي منذ عقود واضحة في عمقها وقوتها وضوح الشمس في ضحاها ولا ينكرها أي من الطرفين ولا يستطيع أي منهما التخلص منها – في حال رغب احدهما في ذلك – بحكم المصالح المتشابكة على كافة المستويات الأمنية والاستخباراتية والاقتصادية والسياسية لأن كلا البلدين ينتميان الى ذات المحور الدولي القوي الحاكم . ..
وفي ذات الوقت لكل منهما سياسته الخاصة به سواء الداخلية أو الخارجية وكذلك العلاقات الدولية المتشابكة اوالمتعارضة أو المتوافقة أحيانا وكل طرف يحاول الاستفادة من الطرف الآخر لتحقيق أهداف بلاده أولا وآخرا ..

ومن هنا كان لحادث سفينة "مرمره" التي حملت معها متضامنين من دول عديدة للتضامن مع قطاع غزة الذي تحاصره " إسرائيل " والاعتداء الذي مارسته إسرائيل على تلك السفينة لمنعها من الوصول الى شواطئ غزة مما أدي الى مقتل تسعة من الأتراك ، كان لها تداعيات داخلية وخارجية للحكومة التركية ،، داخليا كان المطلوب عدم التساهل بحق الدماء التركية التي سالت وإثبات أن الحكومة التركية مسئولة عن دماء وحقوق أبنائها حتى لو كانوا في مهمة غير رسمية ، وخارجيا هو إثبات الدور التركي كطرف أساس في شئون المنطقة ومن حقه ممارسة دوره واحترام هذا الدور خاصة من دولة تربطها علاقات تاريخية معها .. 

ولذلك وضعت تركيا ثلاثة شروط تحقق لها مصالحها الداخلية والخارجية وهي الاعتذار والتعويض ورفع الحصار عن غزة ،، ومن خلال هذه الشروط تحقق أهدافها وفرض هيبة وجودها ، وأن المساس بالمواطن التركي له ثمن والدم التركي سيحقق أي هدف يعمل له .. ومن خلال نظرة على الاتفاق التركي الإسرائيلي نجد أنه حقق شروطه الثلاثة الى حد كبير ،، وهنا لابد من ملاحظة مهمة أنه على متن سفينة "مرمره" كان هناك العديد من الجنسيات الأخرى العربية والدولية وتربطهم علاقات جيدة مع الكيان الإسرائيلي وبالرغم من الاهانات التي تعرضون لها لم تجرؤ تلك الدول على طلب الاعتذار لما حدث مع مواطنيها ..
الكيان الإسرائيلي بحكم مصالحه المتعددة من العلاقات مع الدولة التركية – وقد تأثرت الى حد ما – خلال فترة التوتر رضخت للشروط التركية وقامت بالاعتذار الرسمي ودفع التعويض – عشرون مليون دولار لعائلات الضحايا – وأما الشرط الثالث الذي بقي العقبة الكبيرة وهو رفع الحصار عن قطاع غزة فقد تلاعبت به إسرائيل وتمكنت السياسة التركية من وضعه على طاولة البحث وتحقيق انجازات مهمة بشأنه يمكن استكمالها فيما بعد ، وهو حل المشاكل الأهم في حياة أهل القطاع مثل الكهرباء والمياه والصحة وفتح الطريق أمام المساعدات التركية الكبيرة بل وتعدى ذلك لبناء منطقة صناعية في الضفة الغربية – جنين - .

البعد الآخر تمثل في العلاقات التركية الفلسطينية ولعل أهمها أن الجانب التركي أكد على حقه في التواصل مع كافة الأطراف الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس بل ولقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في أنقرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قصره - قبيل التوقيع على الاتفاق - إشارة سياسية مهمة في بعدها كتحدي أساسي للسياسة الإسرائيلية وإثبات تميز المصالح التركية ،، واتصال الرئيس التركي بالرئيس محمود عباس ووضعه في صورة الاتفاق وشرح السياسة التركية الثابتة في دعم الحقوق الفلسطينية أعطى ذلك بعدا رسميا وبذكاء تركي واضح ..

أستطيع القول من كل ما سبق أن الاتفاق التركي الإسرائيلي أعطى كل الأطراف ما تريد بمقدار حجمها في المعادلة القائمة ، وكل طرف له القدرة على الاستفادة وتطوير الاتفاق حسب قوته وحضوره وقدرة التعاطي معه ، وحسب حكمته في استغلال الأحداث ، قطاع غزة أخذ جزءا مما يستحق ودماء الأتراك لم تذهب سدى ولعلهم لو تمكنوا من الوصول الى شواطئ غزة بأنفسهم لما تحقق لقطاع غزة مما حققوه بموتهم – رحمهم الله جميعا –
والسؤال الأهم هل يمكن لنا كفلسطينيين أن نرتب أوراقنا لنكون صفا قويا متفقا على سياسة واحدة لمواجهة كل تلك المتغيرات المتسارعة في المنطقة ؟ خاصة وأن القادم أصبح أكثر وضوحا ، مصالحة روسية تركية ، ومصالحة تركية مصرية ،، متى تكون المصالحة الفلسطينية الفلسطينية ؟؟