السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مسلمو أمريكا: الصورة والأسباب

نشر بتاريخ: 17/07/2016 ( آخر تحديث: 17/07/2016 الساعة: 11:08 )

الكاتب: تحسين يقين

لا يوصف المجتمع الأمريكي بالعنصرية، حيث يفخر الأمريكيون قادة وشعبا بأنهم بلد مهاجرين، وما زلت أذكر البرفسور "ستيف روبرتس" الخبير الإعلامي في جامعة واشنطون حين خاطبنا في خريف عام 2015: "في كل يوم يتم تجديد الولايات المتحدة عن طريق من يأتي إلينا من بلاد بعيدة" هي الروح الأمريكية التي نفخر بها، والتي عقّب بها فيليب كروالي، مساعد وزيرة الخارجية آنذاك، الذي كان من ضمن أهم الشخصيات التي استمعنا لها.
دعينا قبل أيام للمشاركة في لقاء حواري في البيت الأمريكي في رام الله عبر الفيديو كونفرانس عن "التحديات التي تواجه الحقوق المدنية للأقليات"، مع السيد شاريك زافر، المبعوث الخاص الأمريكي للجاليات الإسلامية، ورئيس دائرة الحقوق المدنية في وزارة العدل الأمريكية عن الجهود الأمريكية لمنع الهجمات العنصرية ضد المسلمين والجالية الإسلامية في أمريكا، شارك في اللقاء مسؤولة أخرى هي هدى حوا، وكريم شورا.
أعادني هذا اللقاء إلى هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، والتي على إثرها ظهرت حوادث من قبيل ردود فعل أمريكية، ضد المسلمين والمسلمات في الولايات المتحدة، لكننا بتتبعنا لها، وجدناها قد بدأت تخف يوميا، علما أنها لم ترق لحد الظاهرة، وقد تفاوتت من مكان إلى آخر. ولم يصبح المسلمون/ات في وضع الخطر.

ولم تمض غير فترة بسيطة، حتى دخلت الولايات المتحدة في عمل عسكري في أفغانستان ثم العراق للمرة الثانية، في ظل تحالف دولي، مما أثر سلبا على الصورة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي، حتى دفع هذا الوضع إلى اقتراح مشاريع لتحسين الصورة الأمريكية في زمن الرئيس بوش الابن، والوزيرة كونداليزا رايس، حيث تم تأسيس الدبلوماسية العامة. وقتها كتبنا، إذا ارادت الولايات المتحدة تغيير الصورة، عليها الانتباه لأسباب ذلك، وقد تغيرت الصورة فعلا بقدوم الرئيس اوباما، فكان لزيارته للقاهرة واستنبول سحر عظيم، حيث غيّر في أسابيع ما قد تراكم من سنوات.
نحن إزاء صورتين، صورة الولايات المتحدة خارجيا، وصورة المسلمين فيها وفي خارجها، وثمة تتداخل بينها، وثمة فواعل موضوعية تخلق الصور وتوجهها بدوافع مختلفة، سياسية واقتصادية ودولية، أي دوافع ذات مصلحة لدى من يلعب بالصور.

اللحظة الحاضرة التي أثارت النقاش هي الحوادث الدموية التي تحدث في بلاد المسلمين وغيرها من البلاد في أوروبا، والولايات المتحدة نفسها، وهي تأتي في سياق التطورات التي أثرت على صورة المسلمين، خصوصا أحداث سبتمبر، والتي لها جذور في الفكر الغربي-الأوروبي بشكل خاص، بتأثيرات تاريخية من وحي الصراع الذي حدث هنا وفي أوروبا نفسها. كما ترك الصراع العربي-الإسرائيلي أثرا سلبيا على مجمل هذه التأثيرات، لكنها رغم ذلك لم تشكل تصادما بين المسلمين الأمريكيين مع المجتمع الأمريكي، فمن الذي يعبث بصور العرب والمسلمين داخل الولايات المتحدة؟ وما مصلحته؟ نقول ذلك في ظل تعرض الأمريكيين من أصول عربية مسيحية لتصوير سلبي أيضا!

تاريخيا، رأت شعوب العالم ومنها الشعوب العربية والإسلامية في الولايات المتحدة أروع مكان للهجرة، بما اتسمت به من تنوع وترحيب بالمهاجرين، بل والتضامن مع كل المعذبين، والذين عانوا من ويلات الحروب والاستبداد. ومن ضمن المهاجرين كان العرب والفلسطينيون، ومن ضمنهم أقارب وأصدقاء كثر. لقد أحب العرب الولايات المتحدة، واعتبروها صديقة، بعد المعاناة الطويلة من الكولينيالية الأوروبية.
ف"لم تتفق السماء والأرض قبلا من اتفاقهما على إنشاء هذا المكان مسكنا للإنسان" كما قال جون سميث مؤسس مدينة جيمستاون عام 1607، والآن بعد 400 عاما على تلك العبارة، لا نجد أعمق من هذا الوصف العبقريّ، فالولايات المتحدة التي تأسست متأخرة صارت أول أمة.
وكما علمنا من اللقاء، فإن المسلمين الأمريكيين يشكلون قصص نجاح، فدخولهم أعلى من المعدل، كذلك مستوى التعليم، بمعنى أن لدى هؤلاء محبة للولايات المتحدة والتي حققوا على أرضها هذا النجاح، ومصلحتهم إذن مع استقرارها وأمنها وسلامتها. ومن المهم التأكيد على أهمية العامل الذاتي الشخصي في قصص النجاح.

ومن دلالات ذلك، كما ذكر المتحدثون الثلاثة تنظيم مظاهات اسلامية في الولايات المتحدة ضد التطرف الإسلامي، لذلك فإننا لا نظن أن المسلمين/ات في أمريكا هم سبب الصورة السلبية، كذلك هناك مبالغة في جعل أحداث العالم الإسلامي مؤثرا سلبيا على صورة مسلمي أمريكا، خصوصا في ظل انشغال الشعب الأمريكي بقضايا الخاصة، فهو أصلا غير مهتم بالسياسة في بلده، فكيف سيهتم بها خارجها؟
الظن إذن أن هناك من يؤثر على الشعب الأمريكي من خلال وسائل الإعلام، أكان ذلك من مالكي تلك الوسائل، أو الآن تحديدا في الحملات الانتخابية، التي وصفها اللقاء بوصمة عار.

لذلك رأى المتحدثون بضرورة التأكيد على أهمية التعددية للشعب الأمريكي، وبانها مصدر قوة لأمريكا، وهي بها بلد عظيمة، وضروة التصدي للنقد اللاذع للمسلمين، والتأكد على الحوار. والتخفيف من ردود الفعل ضد المسلمين. كما أكدوا على ضمان الإعلام المسؤول، وحرية التحدث في أي موضوع، وضرورة تمثيل المسلمين في التشريع والحكم. كما انتقدوا إسكات أصوات معينة في الجامعات.

سؤالي إذن عمن له مصلحة بالعبث في الصورة، وبالتالي العبث في السلم الأهلي الأمريكي الرائع، الذي تمت الإجابة عنه بدبلوماسية تقليدية، يصب في التفكير في معادلة حرية الرأي، وضمان المسؤولية، فليس مضمونا أن يتحلى مستخدمو حق التعبير عن الرأي بالمسؤولية والموضوعية، ودلالة ذلك ما يتم نشه من مغالطات حول صورة الإسلام والمسلمين. ثم من له القدرة أصلا على النشر؟ ومن له القدرة فعلا على الرد؟
من ناحية أخرى، هناك حاجة لإدماج الأقليات في المجتمع الأمريكي، من منطلق الانسجام ما بين الاندماج والمخافظة على الخصوصيات الثقافية، بحيث لا يكون هناك عزل لأي جماعة.

إن هناك ضرورة لتفعل الحكومة الأمريكية، خصوصا أن مجتمعات المهاجرين ومنهم المسلمون اليوم تختلف عن سنوات الستينيات والسبعينياتن وما قبل وما بعد، حيث أن المهاجرين اليوم هم منتوج متأثر بما يضطرب في مجتمعاتهم.
الشعب الأمريكي شعب طيب ورائع ومسالم محب للحياة والإنتاج، وهو غير معني بالتوترات، كذلك فإن مسلمي امريكا، عربا، وفلسطينيين أيضا، غير معنيين بالتوترات، بل هم إلى الاستقرار والسلام الاجتماعي أقرب، لذلك نتساءل مرة أخرى من له المصلحة في إثارة الكراهية والعنصرية ضد جماعة معينة؟ ودين معين؟

الإدارة الأمريكية هي الأخرى غير معنية بالمشاكل لا داخليا ولا خارجيا، إذن من الذي يسعى للتخريب؟
يمكن التفكير في ذلك من خلال مصالح العابثين بالصور، وهي مصالح سياسية واقتصادية وغيرها. لذلك أشعر أن الولايات المتحدة: الإدارة ومسؤولو الجاليات العربية والإسلامية والمجتمع المدني والمجتمع المعرفي والإعلامي، بحاجة لعقد اجتماعي قانوني إنساني، من أجل تحقيق هدف السلم الاجتماعي الأهلي، والتأكيد على القيم الأمريكية التي يعتزون بها، وضرورة تحقيق الاندماج الايجابي لا الانعزال والتقوقع. لا بد من مساءلة قانونية ولإنسانية ووطنية لمن يعبث بالصورة في الإعلام بشكل عام، كذلك في الإعلام الاجتماعي. كذلك من المهم تشجيع الجاليات على الاندماج وتوضيح الحقائق، منهم مباشرة للشعب الأمريكي.
كل منا في كل مكان وزمان مطلوب منه تغيير الصورة من خلال الفعل.
وكل منا مطلوب منه أن يتحلى بالمسؤولية في عرض الصور.
فليست حرية من تسعى لتخريب النسيج الاجتماعي.