الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اليسار الفلسطيني والانتخابات المحلية

نشر بتاريخ: 19/07/2016 ( آخر تحديث: 19/07/2016 الساعة: 10:25 )

الكاتب: محمد خضر قرش

حسمت الحكومة الفلسطينية أمرها وقررت إجراء انتخابات المجالس المحلية (البلدية والقروية) في 16 من شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم والذي يصادف مرور عام كامل على الهبة الجماهيرية التي انطلقت في الشهر المذكور.ومن المفيد في هذا السياق أن نتمعن أو أن نتوقف أمام ما يعتزم أو ينوي اليسار أن يفعله. فالانتخابات المحلية شأنها في ذلك شأن الانتخابات الطلابية في الجامعات تعكس إلى حد معقول الأهمية النسبية لقوى اليسار الفلسطيني في المجتمع، الذي سبق له وأضاع كثيرا من الفرص وباع جماهيره أوهاما عديدة ولم يكتف ببيعها سمك البحار.

وما يعنينا هنا في هذه المقالة هو كيف سيسلك أو سيتصرف اليسار بفصائله وأجنحته المختلفة لكي لا يسجل المزيد من الخسائر والتراجع والانحدار ويصبح محل تندر واستهزاء القوى الشعبية والأحزاب والحركات السياسية والدينية. صحيح أن العوامل والظروف التي تؤثر على الانتخابات التشريعية تختلف بعض الشيء عن المحلية والطلابية نظرا للتأثير المباشر للتركيبة العشائرية والجهوية والحضور الشخصي والعائلي ،لكن التجربة الفلسطينية السابقة في هذا المجال أضعفت من تأثير تلك العوامل دون أن تلغيها بالطبع مما يتطلب بالضرورة إجراء مراجعة لكل المعيقات والملابسات التي حالت في السابق دون تمكن اليسار من النزول بقائمة واحدة.

وقبل الخوض في هذا الموضوع لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط الهامة:
أولا:لا بد من التأكد من أن الانتخابات المحلية ستجري في جناحي الوطن في نفس الوقت، فالمخاطر التي ستترتب على إجرائها في جزء من الوطن ستعمق الانقسام وتزيد الفجوة بين جغرافية ما تبقى من فلسطين.
ثانيا: ففي حال رفضت حركة حماس بحكم سيطرتها على قطاع غزة السماح بإجراء الانتخابات أو تعطيلها بحجة عدم التشاور معها أو أخذ رأيها، ففي هذه النقطة بالذات فإن حركة حماس تدين نفسها وتعترف بعدم وجود حكومة واحدة لشعب فلسطين.فالحكومة هي التي تقرر متى تجري الانتخابات وفقا للقانون وهي بذلك لا تتشاور مع أي حزب بمفرده مهما كان وزنه والقرار الذي يصدر عنها من المفترض أن يلزم كل شعب فلسطين وقواه بغض النظر عن رأي هذا الفصيل أو ذاك.
ثالثا:وفي حال رفضت حركة حماس إجراء الانتخابات المحلية في القطاع أو وضعت العراقيل أمام إجرائها، أو افتعلت حوادث مؤلمة ترتب عليها تأجيل انعقادها في القطاع بالتزامن مع الضفة، لكن الحكومة رغم ذلك قررت احترام قرارها والمباشرة عقدها في الضفة الغربية بذات الوقت بغض النظر عن المخاطر التي ستترتب على ذلك أو تصاحبها أو تسفر عنها ، 

فأنه في هذه الحالة يتوجب على الحكومة أمران هما: الأول أن تعلن للشعب الفلسطيني بكل وضوح وصراحة ببيان لا لبس فيه أن حركة حماس لا تعطل الانتخابات المحلية فحسب وإنما تتجه عمليا وواقعيا لاستمرار حالة الانقسام وتجزئة الشعب المجزأ والمشتت أصلا ،والأمر الثاني الواجب على الحكومة اتخاذه بلا تردد أو تحفظ أو حساسية هو منع أنصار ومؤيدي حماس من الترشح للانتخابات المحلية في الضفة وأن يعلن ذلك بوضوح وبدون مواربة أيضا، حتى لو كان ذلك هو ما تسعى إليه حركة حماس أو تتمناه أو تستهدفه . فالحكومة والقوى السياسية يجب أن تضع حدا وتنهي نظرية أو منطلق حركة حماس القائم على " اللي إلي إلي، واللي إلك إلك واللي" فما تمارسه حركة حماس يعتبر بمثابة الاستلاب وبالأدق لتثبيت لقاعدة التعامل التي تنتهجها الحركة والتي يجب أن تتوقف كليا ويوضع لها حد.فشعب فلسطين يأمل ويتطلع لأن تدرك حركة حماس ضرورة وأهمية إنهاء أو وضع حد لاستفرادها بحكم القطاع بالقوة .

وبالعودة إلى عنوان المقالة، فاعتقد أن أمام اليسار فرصة قد تكون ذهبية آمل أن لا يضيعها ويهدرها كما فعل في كل المرات السابقة والتي أدت إلى ضعفه وتشتته وتشرذمه وفقدانه لقاعدة واسعة من جماهيره وبالتالي من تأثيره. نحن حريصون ،كما غيرنا، على نجاح اليسار في الانتخابات المحلية من خلال حصوله على نسبة مؤثرة ليقدم نموذجا يقتدى أو يحتذى به ، لكي يشكل بديلا وطنيا للثنائية(الفتحاوية الحمساوية) غير الودية بل والمؤذية والضارة السائدة منذ حصول الانقسام والتي أضرت كثيرا بالموقف النضالي الفلسطيني في كل حقول وميادين المواجهات السياسية والجماهيرية وخاصة مع الاحتلال البغيض. 

لذا نتمنى أن يتفوق اليسار على نفسه وينجح في تشكيل قائمة موحدة ، وفي حال فشله لأي سبب كان فإن بإمكانه أن يستعين بأنصاره ومحبيه وهم كُثر ليساهموا في تقريب وجهات النظر.وعطفا عما فعلته مجموعة من محبي قوى اليسار في الانتخابات التشريعية الماضية يمكن لها مرة أخرى تقريب قوى اليسار والعمل على نزوله في قائمة واحدة, لذا فالكل على استعداد لتكرار المحاولة إذا رغبت قيادات اليسار الحالية ذلك. لكن من المفيد قبل ذلك أن نضع أمام الفرق والفصائل والأحزاب اليسارية وحتى بعض المجموعات التي تصنف نفسها ضمن صفوف اليسار وتعتبر نفسها محسوبة عليه وتعلن ذلك، ما يلي:

1- ستتشكل اللجنة من خمسة أشخاص جميعهم كانوا في التنظيمات اليسارية وعلاقتهم ما زالت جيدة جدا بل وممتازة مع جميع الفصائل والتيارات محل المقال دون استثناء.
2- ستعقد اللجنة عدة اجتماعات مع قادة الفصائل والأحزاب اليسارية لوضع برنامج عملها وطرح تصورها ووجهات نظرها والآليات التنفيذية والخطوط العامة لتحركها.
3- تعلن الفصائل اليسارية الراغبة في الانضواء تحت قائمة اليسار الموحد التزامها بكل ما تتوصل إليه اللجنة فيما يتعلق بترتيب الأسماء والوزن النسبي لكل فصيل.
4- ستستند اللجنة في الترتيب والتصنيف ونسبة كل فصيل إلى مجموعة مؤشرات رئيسة منها على سبيل المثال، نتائج الانتخابات المحلية السابقة ونتائج الانتخابات الطلابية في الجامعات كما يمكن للجنة أن تستعين بمراكز استطلاعات الرأي العام الموقعية أو الجهوية في كل محافظة إذا استدعت الضرورة ذلك. وعليه فإنه من المتوقع بل والمحتمل جدا أن يكون تمثيل الفصائل اليسارية في بعض المواقع والتجمعات والقرى والمخيمات وفقا لثقلها ووزنها الجهوي حيث يمكن أن تحصل على مقاعد أكثر من غيرها استنادا للمؤشرات سالفة الذكر وضمان نجاح قوى اليسار مجتمعة كمحصلة نهائية.
5- هدف اللجنة الأساس هو العمل على حصول قائمة اليسار ككتلة وكتيار على نسبة ذات دلالة ووزن أكثر من نجاح عضو هنا أو عضو هناك لهذا الفصيل أو ذاك .

من المفترض أن يكون قادة الأحزاب اليسارية حريصون على حصولهم على نسبة مؤثرة وذات وزن لتكون منطلقا في أية انتخابات قادمة كخطوة ضرورية لتحسين صورتها أمام الجماهير الفلسطينية ولكي تتمكن من استعادة دورها النضالي والكفاحي الذي طال انتظاره في الساحة الفلسطينية.ليس هناك متسع من الوقت أمام فصائل اليسار، فعليها أن تقرر فيما إذا كانت راغبة في أن تضمحل وتتلاشي أو تنهض من جديد. فإذا أصر كل فصيل على النزول أو المنافسة بشكل منفرد فهذا سيعني هزيمتهم وتعاستهم جميعا وانفضاض الجماهير من حولهم وعليهم بعد ذلك أن لا يحملوا الطليان والظروف وسيطرة اليمين السياسي والتيار الديني هذه المسؤولية .

اليسار الفلسطيني أمام مفترق طرق بمرحلة شديدة التعقيد والتداخل، مما يتوجب على قادته النزول من أعلى المرتفع أو الشجرة التي صعدوا إليها أوضعوا أنفسهم نظريا فوقها.لقد ثبت ميدانيا وعمليا وبشهادة الجميع والنتائج المتحققة أن الأبراج العاجية التي أحاطوا نفسهم فيها وظلوا يتمترسون فوقها لفترة زمنية طويلة كانت مزيفة وغير حقيقية بل ووهمية.الآن يلوح في الأفق فرصة معقولة لتسجيل انتصار نسبي ولو كان على مستوى المجالس المحلية فتلك خطوة في غاية الأهمية أن تحققت، لأن من شأنها أن تحدث انتعاشا لتيار اليسار وتستنهض قواه وتعيد الأمل لدوره ومركزه في الساحة الوطنية الفلسطينية.فهل سيستجيب قادة اليسار أم ستأخذهم العزة والغرور بالإثم ويصروا على هزيمة أنفسهم وهذا ما لا نتمناه لهم أبدا.أن وضع حد لهيمنة التيار السياسي الذي قاد م.ت . ف طيلة العقود الماضية يتطلب بادئ ذي بدء توحيد قوى اليسار، وبدون ذلك لا أمل يرتجى .