الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

يعقوب شاهين وأمير دندن ونادين الخطيب.. ابداع يتسامى على جراح المعاناة

نشر بتاريخ: 10/01/2017 ( آخر تحديث: 10/01/2017 الساعة: 15:48 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

في حوار مع روائية فلسطينية استضفتها في برنامج "عاشق من فلسطين" الذي أقدمه عبر شاشة "معاً"، أكدت الضيفة أن المعاناة ليست شرطاً لإنتاج الإبداع، وامضينا وقتاً ليس بقصير من الحلقة في نقاش علاقة أو لا علاقة الإبداع بالمعاناة.
لم أتفق في الحوار مع الضيفة، من منطلق أن المعاناة في تجربتنا الفلسطينية الخاصة، قد شكلت أرضية لعديد المواهب لكي تنطلق وتتجذر وتحمل رسالتها على جناحي الحلم، تبشر بمرحلة وقد انتصر الفلسطينيون فيها على المعاناة، زارعة الفرح على انقاض الألم والحزن والانكسار.
والحقيقة، لا مبدع على وجه هذا الكوكب يُمني نفسه بحياة صعبة معقّدة، تعتصره فيها المعاناة اعتصاراً، لكن حينما تدهم التحديات والمصائب حياة المبدع، وتصبح قوته اليومي، فبالتأكيد فإن قلمه أو صوته أو حركاته التمثيلية الدرامية تستخرج مضمخة بالمعاناة، لكن بإصرار على تجاوزها.
هنالك شعراء غزل في التجربة الإبداعية العربية القديمة، نظموا أروع الأشعار بعد أن هجرتهم الحبيبة أو سُدت في وجوههم أبواب الوصول إليها والتواصل معها، أو أبدعوا قصائد الرثاء بعد فقد غالٍ أو قريب، وهناك من نظموا القصائد في تصوير معارك خاضوها وتعرضوا في ساحة الوغى لتهديد الموت في "لعبة" السيوف والسهام، وأبو فراس الحمداني نظم أجمل قصائده وهو في سجون الروم، مدشناً تجربة "أدب الأسرى" الذي بني عليه كثيراً في الإبداع للتجربتين العربية والفلسطينية، وما زال أسرانا ينحتون بازاميل الإبداع نصوصهم الأدبية في معتقلات الاحتلال.
وفي السياق ذاته كتب محمود درويش في الاعتقال وشحذ سميح القاسم قلمه في الزنزانة وغرس معين بسيسو قصائده اشجاراً في أرض الزنزانة، فتفرعت غصونها وامتدت أبعد من السجن وطالت ارتفاعاً سماء الحرية.
كان غسان كنفاني عندما يكتب للوطن وعن الوطن يحقن جسمه بإبر الأنسوليين ليقوى على المرض، ويسافر خياله من لبنان أو الكويت ليتعمد في وحل المخيم.
والسؤال كيف تستطيع الآن ثلاثة أصوات خرجت من الجليل وبيت لحم، وكيف استطاع قبلها أن يتصدر صوت خرج من مخيمات غزة، طوابير الأصوات العربية ويحصد لقب "أرب أيدول" أقصد "محمد عساف"، وفي محاولة للإجابة أقول بنوع من التكثيف ان كلمة السر تكمن في أربعة عناصر أولها الموهبة، ثانيها الانتماء للوطن وقضية ثالثها المعاناة ورابعها الحلم، علماً بأن الترتيب هنا ليس ميكانيكياً جامداً، بل إن العناصر الأربعة تتداخل وتتمازج لتشكل شخصية الفنان.
لقد وجدنا في معادلة سياسية وجغرافية ومعيشية، كان الهدف من فرضها، محو الشخصية الإنسانية للفلسطيني وتحويله إلى هيكل مفرغ يتحرك في إطار من الاستبداد والعبودية، فانقلبت المعادلة رأساً على عقب، وكان مفتاح ذلك الثقافة والإبداع، ما أسس لاحقاً لثقافة سياسية، واشدد أن السياسة لم تسبق الإبداع في بداية التجربة، بل إن الإبداع هو الذي فتح الأبواب أمامها.
ما الذي يجعل نادين الخطيب، تتجاوز كل الحدود والتصنيفات والتقسيمات لتنطلق وتمثل فلسطين، إنه بالطبع الانتماء والتماهي مع معاناة شعبها، وما الذي جعل كوفية عساف تصبح أشبه بالنشيد الوطني؟ إنه الاتحاد حتى العظم مع القضية.
لفتني ما قاله الرئيس محمود عباس في كلمته أمام مؤتمر فتح السابع، عندما أشار بشكل واضح إلى الأصوات الفلسطينية التي تنافس في "أرب ايدول"، حيث أراد التأكيد أنه رغم انشغالاته يتابع المبدعين الفلسطينيين وانجازاتهم، على اعتبار ان شعباً يبدع هو موجود تحت الشمس، ولا قوة على وجه الأرض تستطيع طمسه، فشعب يتنسم الإبداع ويضيف للانسانية يستحق العيش والاستمرار.
تأملت ملياً الشاب يعقوب شاهين وهو يصول ويجول طرباً وأداءً وسلطنة مسلحاً بحماسته وثقته بنفسه واصراره على الفوز، مقدماً أنصع الأمثلة على قدرة الشباب الفلسطيني عندما تتاح له الظروف على أن يكون في مقدمة الصفوف، وأثلج صدري ثناء لجنة الحكم على صوته وشخصيته، وهذا ينطبق على الفنانين الشابين المبدعين دندن والخطيب، وقلت لنفسي ما دمنا ننتج ابداعاً وما دامت عملية ولادة المبدعين مستمرة، فلا خوف على ثقافتنا وذائقتنا وتكويننا، لا خوف على الغد، لأن الإبداع مقياس وجود وأحد الاشتراطات المهمة للحضارة وعنوان هوية والبوابة الأوسع والأرحب إلى الإنسانية.
فطوبى لشعب ينتج المبدعين
وطوبى لقضية عادلة ولادة