الجمعة: 10/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفرصة الاخيرة : من يبحث عنها ، من أضاعها ؟؟؟؟

نشر بتاريخ: 13/01/2017 ( آخر تحديث: 13/01/2017 الساعة: 12:44 )

الكاتب: عوني المشني

هل كانت اتفاقيات أوسلو الفرصة الاخيرة ؟؟؟؟ بالتأكيد كانت للبعض هكذا ، ولم تكن للبعض فرصة ولا باي شكل .
للقيادة الفلسطينية كانت فعلا فرصة اخيرة للعودة الى تصدر الحدث خاصة بعد التحولات التي طرأت على القضية الفلسطينية ، الخروج من بيروت وفقدان القيادة منطقة نفوذ مهمة ، الانتفاضة الفلسطينية والتي نقلت مركز الثقل للداخل الفلسطيني ، مؤتمر مدريد والذي ترجم هاتين الحقيقيتين سياسيا عبر إبراز قيادات الداخل . أوسلو شكل حبل نجاة ليس للشعب الفلسطيني وإنما للقيادة الفلسطينية ، القيادة سواء من سار على منهج أوسلو او من عارضها فكلا الطرفين انتظرا أوسلو المعجزة ، أوسلو حولت القيادات هذه الى قيادات دولة ، وزراء ورؤساء وقيادات عسكرية ، بينما الحكم للشعب هو حكم اداري ذاتي ، قيادات دولة تُمارس الحكم الذاتي ، امتيازات الحكم اكبر من امتيازات حكام دول بينما واقع الشعب الفلسطيني اقل من حكم اداري ذاتي وهذا تعبير عن مدلولات أوسلو وكيف انه شكل فرصة للقيادات بينما شكل كارثة للجمهور الفلسطيني العريض .
لإسرائيل كانت أوسلو مرحلة في سياق سياسي ، مرحلة تدجين واستيعاب الحالة الفلسطينية كقضية داخلية في سياق الفرصة الذهبية لقضم الضفة الغربية في المشروع الاستيطاني ، أوسلو شكل محطة مهمة لتسريع وتوسيع الاستيطان والتهويد وتقليل كلفة الاحتلال وشرعنة النشاط الاسرائيلي خاصة في مناطق الضفة المسماة مناطق ج والتي تحولت الى مناطق توسع استيطاني واسع . ربما رابين لم يعتقد بذلك ولكنه كان حالة استثنائية في المنظومة الإسرائيلية المتجهة بسرعة وجنوح نحو اليمين ، وسرعان ما تخلصو منه ، لم يتخلصوا منه فقط بل ومن ياسر عرفات الذي أراد لاوسلو ان تتطور الى شيئ مختلف . وبعدها لتفتح الأبواب على مصراعيها لاستمرار سياسة الضم والتوسع .
الزوج المخدوع في اتفاقيات أوسلو هو الشعب الفلسطيني ، الذي اعتقد واهما ان أوسلو فرصة للارتقاء نحو دولة فلسطينية مكتملة السيادة ، وللحق وكما ثبت فيما بعد فقد كانت أوسلو اي شيئ وكل شيئ الا كونها طريقا لإقامة دولة فلسطينية .
إذن لم يكن أوسلو فرصة لا للشعب الفلسطيني ولا للاسرائيليين ، للشعب الفلسطيني شكل خديعة توسع عبرها الاستيطان وتعمق وتعزز تهويد البلاد ، للإسرائليين محطة مهمة جدا في سياق سياسي طويل لاستيعاب الحالة وتوسيع وتعميق الاستيطان وطوي صفحة حل الدولتين وها هو القطار الاسرائيلي يغادر محطة أوسلو الى غير رجعة لمحطات متقدمة اكثر ابرزها محطة ضم الضفة وفرض القانون الاسرائيلي وتشييد نظام الفصل العنصري على كامل فلسطين  .
الاسرائيلي بات اليوم انه يفتقد الفرصة الاخيرة ، يمتلك مقومات عسكرية لا تضاهى ، وينتصر دوما ، ويفتقد اليقين ، يفتقد الثقة في المستقبل ، يفتقد الاطمئنان ، الاخطر انه بكل اسلحته وموازين القوى لا يستطيع ان يُؤْمِن لذاته الفرصة الاخيرة ، شعوره هذا يدفعه الى مزيد من اليمينية العنصرية والدموية المرعبة ، هذا ما نشهده الان او بالاصح ما نشهد بداياته ومن المتوقع ان يستمر ويتنامى بشكل هستيري ، ان من أوصل اسرائيل لهذه المرحلة هو تعزز قناعة قيادتهم السياسية بانه بالإمكان الانتصار الحاسم على الفلسطينيين وبشكل يسلمو فيه بشروط المنتصر ، نسي هؤلاء القادة ان شروط المنتصرين هي أسوأ من الهزيمة ذاتها ومجرد امتلاك الارادة القادرة على رفض التسليم بها هو بحد ذاته انتصار فلسطيني ، ان قوة الشخصية الفلسطينية تنبع من قدرتها على رفض شروط الاسرائيلي والاستمرار في الحياة وفق النسق الوطني الفلسطيني ، هذا النسق الذي يتغلب دوما على موازين القوى الغير متكافئة ويجد لنفسه سبيلا لاختراق الواقع بإبداعات كفاحية فلسطينية ،
صحيح ان الخيارات المتاحة تضيق امام الفلسطينيين ولكنها تضيق امام القوى السياسية السائدة وليس امام الشعب الفلسطيني ، الفرص ضاقت عام ١٩٤٨ ولكنها ضاقت امام الحزب العربي وحزب الاستقلال لذلك ذهب الشعب الفلسطيني ليعبر عن نفسه عبر أدوات سياسية جديدة ، الشيوعيون ، القوميين العرب ، البعثيون ، الاخوان المسلمون ....... وهكذا . وباحتلال عام ١٩٦٧ ضاقت الفرص ، ضاقت كثيرا امام تلك القوى ولكن شعبنا ذهب الى خيارات اخرى ، ذهب الى فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية والصاعقة وجبهة التحرير العربية ...... الخ وهكذا شعبنا مستقبلا ، ها هي الفرص تضيق ، تضيق امام حماس في غزة وامام فتح في الضفة وضاقت امام اليسار الفلسطيني في كل المناطق ، ولكن هل ضاقت امام الفلسطينيين ؟!!!!!!! السؤال ليس هل سيجد الفلسطينيين طريقا للتعبير عن ذاته ولكن السؤال وهل وصلت القوى السياسية الفلسطينية الى وضع لا تستطيع فيه حمل خيارات شعبها كما الحال عام ١٩٤٨ او ١٩٦٧ ؟؟؟؟؟
ان تلك القوى قد وصلت الى الحد الذي غادرت فيه مسرح الحدث ولكن محاولة يائسة اسمها اتفاقيات أوسلو هي من اعادت تلك القوى الى المشهد ، اعادت القوى التي عارضت أوسلو والقوى التي وقفت مع أوسلو على حد سواء ، لان أوسلو كانت طريقا لإنقاذ القوى السياسية السائدة وليس لإنقاذ الشعب الفلسطيني الفلسطيني ، وحتى لو اعتقد البعض ان اتفاقات أوسلو كانت طريقا للدولة الفلسطينية فإنها الطريق الأكثر تعرجا و صعوبة . لكن وحيث ان أوسلو قد وصلت الى حتميتها ، الطريق المسدود فقد عادت الأزمة من جديد وأعيدت الأسئلة مرة اخرى الى سابق الوضع الذي كان سائدا قبل أوسلو ، بضع وعشرون عاما كانت وقتا مستقطعا من تاريخ الشعب الفلسطيني لتنقذ تلك القوى نفسها وكانت الفرصة الاخيرة لها ، ولكنها فشلت في الامتحان ،
الفرصة الاخيرة للفصائل ذهبت ، والشعب الفلسطيني مجددا امام حالة يفترض ان يحدد خياراته وهي بالمناسبة ليست ضيقة ولن تكون ، ان اعادة انتاج تلك القوى لذاتها من جديد لتقود الشعب الفلسطيني في خيارات جديدة ليس أمرا جديا ، فتلك القوى قد شاخت الى الحد الذي لا تستطيع فيه حمل خيارات جديدة ، والخيارات الجديدة اي كانت تتعارض ومصالح القيادات القائمة ، وحتى لو كانت القواعد الجماهيرية لتلك القوى مهيأة لخيارات جديدة فان قيادتها غير مهيأة وهذا سيجد تعبيرا له في الهوة التي تتسع ما بين قواعد وقمة تلك التنظيمات ،
هنا بداية مرحلة تاريخية ، سيعجل الجانب الاسرائيلي بها ، مرحلة إنهاء خيارات المرحلة السابقة ، لم يعد أوسلو كافيا اسرائيليا ، يراد الان الذهاب اسرائيليا الى وضع سياسي يتم تجاوز أوسلو فيه ، البحث عن وهم اليقين يدفع الاسرائيلي لتحطيم اساسيات أوسلو ، تحطيم خيارات حل الدولتين ، عسى ان يسلم الفلسطينيين بشروط المنتصر الاسرائيلي !!!!!! . بدأت تلك المرحلة من سنوات وعهد المناورة حولها انتهى بانتهاء عهد اوباما ، الان مرحلة اخرى صعود محاولات تحطيم حل الدولتين الى الواجهة ، ترامب يساعد ، تصدر اليمين الاسرائيلي المشهد يساعد ، عجز كامل للقوى الفلسطينية القائدة يساعد ، والعامل الإقليمي يساعد ، والعامل الدولي لم ينضح بما فيه الكافيه بعد ليتصدى جديا لتلك العملية
نحن امام هذه النقطة بالتحديد ، تتصدر ظاهرة تحطيم اساسيات أوسلو واجهة الأحداث وبدون مواربة
لن تطول تلك المرحلة ، وشرط نجاحها ان لا تطول ، ربما سنة اقل او اكثر قليلا ، لكن السؤال الى ماذا سيقود نجاح هذه السياسة ؟؟؟ الثابت الاول ان هذا لن يقود الى التسليم بشروط الاسرائيلي ، فالشعب الفلسطيني لن يصل الى التسليم بشروط اندثاره ، لانها شروط على درجة من السذاجة لا تجعل للفلسطيني ما يتنازل من أجله !!!!! فالسياسات الإسرائيلية تجعل الفلسطينيين امام خيار واحد وحيد هو الصمود . اما الثابت الثاني ففي ظل عدم استسلام الفلسطيني للشروط الإسرائيلية فان الاسرائيلي لن يجد ما يبحث عنه عبر تاريخه القصير الا وهو اليقين الوجودي ، هذا اليقين الذي لن يجده الاسرائيلي الا بغياب كامل ونهائي " للعدو الفلسطيني " ، او عقد سلام معه . وما دام الغياب الكامل والنهائي اصبح مستحيلا فان السلام مع الفلسطينيين هو الحل الوحيد للخوف اليهودي الوجودي . مسالة اخرى ان مرحلة إنقاذ أدوات العمل السياسي الفلسطيني التي قادت المرحلة الماضية لن تعود متوفرة ، تحطمت اساسيات أوسلو وملحقاته ونتائجه وسيكون على القيادة تلك ان تخلي مكانها ، ستخليه حتما بفعل ديناميكية وصيرورة العمل السياسي الفلسطيني ، قيادة أصبحت لديها مصالح تتناقض مع اختيارات الجبهة العريضة من الشارع الفلسطيني ستنحاز حتما الى مصالحها وستخلي مكانها وطوعا ، ان مبدأ تداول السلطة يتحقق بمنطق تغير القيادات بتغير المراحل التاريخية ،
هنا نكتشف ان طرفين يبحثان عن فرصة اخيرة ، القيادات السياسية الفلسطينية والتي تتحطم فرصها بتحطم أوسلو ، والقيادات الإسرائيلية والتي بتحطيم أوسلو تبحث عن فرصة اخيرة يستسلم فيها الفلسطينيين لشروط الأعداء .
الفلسطينيون ليس لديهم اي سبب ليستسلمو وبالتالي يكون الإسرائيليين قد اضاعوا الفرصة الاخيرة بصنع سلام بين الشعبين ، انهم اضاعو فرصة مقابل وهم تحقيق استسلام فلسطيني ، اما النخب القيادية الفلسطينية فان الجنون الاسرائيلي لم يترك لهم فرصة ، جنون وصل لحد تحطيم الفرصة الاخيرة للطرفين .
هنا وهنا أصبحا الطرفين امام الحائط ، لا فرصة اخيرة بعد تحطيم مجريات أوسلو .
ان حجر الزاوية في المرحلة القادمة هو الصمود الفلسطيني ، الصمود بدون اوهام ، الصمود بصبر وهدوء ، الصمود يتشبث بموقف سياسي لا يقبل التنازل .
صمود كهذا ستقوده مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني اولا ، وبعض من قيادات سياسية لم تغرق بعد في وهم مصالحها الضيقة ، والاهم فان الصمود هذا يتحقق بفعل العوامل المحيطة : انعدام الخيارات ، هزالة المطروح سياسيا ، وعي مجتمعي عالي ، هذه العوامل تكفي لتحقيقه الصمود ، تكفي بالحد الأدنى ، وتكفي حتى يصنع الشعب الفلسطيني قياداته وقواه الجديدة .
هل بدأ العد العكسي لهذه المرحلة ؟؟؟؟
نحن تجاوزنا البداية لهذه المرحلة ، هناك مظاهر تغيير عميقة في هذا الصراع تنم عن بداية مرحلة جديدة ، ستكون تلك المظاهر موضوع مقال اخر لاحقا .