الثلاثاء: 30/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المجلس الوطني والأغلبية الصامتة

نشر بتاريخ: 02/09/2017 ( آخر تحديث: 02/09/2017 الساعة: 12:13 )

الكاتب: رائد محمد الدبعي

تعددت آراء المهتمين بالشأن العام حول مبررات عقد المجلس الوطني الفلسطيني، إلا أن السبب الأهم، أن حجب عقده هو اختطاف لإرادة المواطنين، وتصنيفهم في إطار الرعايا، والجُهّال، والقُصّر، والتعاطي مع الوطن والقضية، وكأنها طائرة مختطفة، يجب أن يخضع من بداخلها، لشروط الخاطفين، وأهوائهم، ومصالحهم الضيقة، إذ أن عقد المجلس الوطني الفلسطيني، هو حق قانوني للشعب الفلسطيني، واحترام لإرادة مواطنيه، ينص عليه النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتقره قيم المواطنة التي يجب أن يحتكم لها المجتمع، إذ تشير المادة الثامنة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية " أن مدة المجلس الوطني ثلاث سنوات، وينعقد دورياً بدعوة من رئيسه مرة كل سنة... "، وهو الأمر الذي أغفله معظم الكتاب، والنشطاء، والمهتمين، بالشأن الفلسطيني العام، والذين ارتكز معظمهم في تبرير ضرورة عقده إلى الوضع السياسي المتأزم، نتيجة انسداد آفاق العملية السياسية بسبب سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة، وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني، ودخول الانقسام عامه العاشر، دون أي آفاق للحل، أو رحيل عدد من أعضاء المجلس الوطني، وشيخوخة هيئة رئاسته ولجنته التنفيذية، وضرورة تجديد شرعية النظام السياسي الفلسطيني، وهو الأمر الذي يفضح العقلية التقليدية المتوارثة، القائمة على ردود الفعل الآنية، بعيدا عن التخطيط، وامتلاك رؤية استراتيجية، واضحة المعالم والأهداف، كما أنها أظهرت عقلية القبيلة التي لا تزال تستوطن الذهنية الفلسطينية بشكلها المعاصر، وتنتصر للأفراد، والأحزاب، والعشائر، بدلا من الانتصار للمواطنين وحقهم بالاختيار، والانتخاب، والمشاركة الفاعلة في الشأن العام.
ماذا لو كان متوسط أعمار المجلس الوطني الفلسطيني، واللجنة التنفيذية التي انتخب معظم أعضائها عام 1996، في منتصف العقد الرابع، أو بداية العقد الخامس، ولو كانت الوحدة الوطنية في أبها صورها، والعروبة في أعظم تجلياتها، التزاما، وانتماء لفلسطين، ولو كان الخلاص النهائي من الاحتلال، وفرض السيادة، على الدولة الفلسطينية على بعد خطوات من التحقق، فهل كانت ستزول مبررات عقد المجلس الوطني الفلسطيني، وسيتم تجاوز حق المواطن بالاختيار.
- حزب الأريكة الفلسطيني :
التقيت مؤخرا بصديقي " ماني الحسيني " في "استوكهولم"، على هامش المشاركة في مؤتمر دولي، وهو شاب كردي، هاجر وعائلته إلى النرويج قبل عقدين، وانتخب مؤخرا رئيسا لشبيبة حزب العمال النرويجي، ومرشحا لعضوية البرلمان عن الحزب في الانتخابات المنوي تنظيمها في الحادي عشر من أيلول، إذ أخبرني شيئا ملفتا، وجديرا بالاهتمام، حيث أشار إلى أن غالبية اللاجئين، والفقراء، وضحايا النزاعات المسلحة في بلدانهم، أو ضحايا الأنظمة الشمولية، القمعية، ممن هاجروا، أو هجّروا إلى أوروبا، وشقوا عباب البحر بحثا عن الحرية، والتعددية، والديمقراطية، التي فقدوها في بلدانهم، والذين بمعظمهم من مؤيدي الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، التي ناضلت من أجل حقوقهم الإنسانية، ودمجهم بالمجتمعات المضيفة، يقررون الانسحاب من المشاركة في الشأن العام، والتخلي عن حقهم بممارسة الديمقراطية، التي حاربوا من أجلها، وتركوا بلدانهم بحثا عنها، ، حتى أصبح يطلق عليهم "حزب الأريكة" ، أي أن صوتهم يذهب عبثا للأريكة التي يقررون الاسترخاء عليها يوم الانتخابات، باعتباره يوما للعطلة والراحة، بدلا من المشاركة الفاعلة في الحياة الديمقراطية التي يفتقدونها في بلدانهم.
لا يختلف الوضع الفلسطيني كثيرا فيما يتعلق بالحوار الجاري لعقد المجلس الوطني لمنظمة التحرير، إذ أن الضحايا الحقيقيين للانقسام، والاحتلال، والفقر، والجهل، والبطالة، وغياب المسيرة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني، والممثلين بالمواطنين المستقلين، وما يشكلونه من طاقة هائلة، وخبرات متنوعة، ومعارف مختلفة، وأغلبية عددية في المجتمع الفلسطيني، يقررون مرة أخرى التموضع في المكان الخاطئ، والانتظار في صفوف المتفرجين، والانحياز للصمت، والسلبية، من على ذات الأريكة، التي يمارسون منها صمتهم، وسلبيتهم، وحنقهم، ويأسهم، وإحباطهم، دون إدراكهم لدورهم الطليعي في المشاركة في صنع القرار، ورسم وتوجيه، وتحديد مستقبلهم، عبر فرصة إعادة بناء مظلتهم الجامعة، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، البيت الجامع للكل الفلسطيني، والمظلة الشرعية التي يجمع عليها العالم، ويستظل بفيئها جميع الفلسطينيين في الوطن والمنافي.
- المواطن هو أساس منظمة التحرير الفلسطينية :
تشير المادة الرابعة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بأن " الفلسطينيين جميعاً أعضاء طبيعيين في منظمة التحرير الفلسطينية، يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم، والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة"، كما أن ذات النظام، يشير إلى أن المجلس الوطني الفلسطيني ينتخب مباشرة من الشعب الفلسطيني، فيما تشكل حالة التوافق الوطني على عضوية المجلس حال تعذر تنظيم الانتخابات الاستثناء، كما أن تشكيلة المجلس الوطني الفلسطيني- نظريا- تقوم على وجود أغلبية للمستقلين، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الوطنية، بالإضافة إلى أن جميع اللجان التنفيذية، والمجالس المركزية المتعاقبة، ضمت أغلبية تحت مسمى " المستقلين " .
على الرغم من أن مختلف الحركات، والأحزاب، والفصائل الفلسطينية قد تجاوزت سابقا المستقلين، وقامت بتسمية عددا من قياداتها، في مختلف مؤسسات منظمة التحرير من الحصة المخصصة لهم، في ظل تراجع دور المواطنين المستقلين، لصالح تعاظم سطوة، وتأثير، الأحزاب، والقوى والفصائل، على حساب الشريحة الأوسع في المجتمع، والقطاع الأكبر فيه، وهم المستقلين في الوطن والشتات، إلا أن ذلك يجب أن يتم تغييره، من خلال خلع القوى المستقلة، والفاعلة في الوطن والشتات، لرداء السلبية، والتواكل، وأخذ زمام المبادرة، للعب دورها الحقيقي، في صفوف الفاعلين، والمبادرين، والمشاركين في صنع القرار، من خلال الانتقال من صفوف المتفرجين، إلى صفوف اللاعبين ضمن الفريق الأساسي، والقادرين على تحقيق الأهداف، ووضع الاستراتيجيات، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى اليوم، ومن غير المأمول التعويل على قيام الفصائل به، إذ أن مختلف الحوارات، واللقاءات، والاجتماعات، التي عقدت، حتى اليوم، اقتصرت على الفاعلين الحزبيين، سواء بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أو تلك القوى المأمول مشاركتها في جلسة المجلس الوطني القادمة، فيما لم نستمع حتى اليوم إلى أية لقاءات لاستمزاج آراء ممثلي المؤسسات الأهلية، والنقابات المختلفة، والمواطنين الفاعلين، والمؤسسات النسوية، والكتاب، والصحفيين، والأكاديميين، وموجهي الرأي العام، وهو الأمر الهام من أجل التوافق على برنامج وطني شامل ومتفق عليه، ويمثل مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني، إلا أن الأدهى من كل ذلك، هو عدم تداعي تلك القوى الأهلية المستقلة، لطرح مبادرات، أو أفكار، أو مقترحات، من شأنها أن تثري اجتماع المجلس الوطني المقبل، والذي من شأنه أن يحدد ملامح، وسياسات النظام السياسي المقبل برمته، أي بمعنى آخر، مستقبل الأجيال الفلسطينية القادمة .
- إشراك الشباب والمرأة والشتات
تبلغ نسبة من يزيد عمرهم عن خمس وستون عاما في المجتمع الفلسطيني 2,9%، بينما يشكلون 100% من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك أغلبية أعضاء المجلس المركزي، والمجلس الوطني الفلسطيني، فيما كان عمر الشهيد الخالد ياسر عرفات أربعون عاما، حينما ترأس منظمة التحرير الفلسطينية، وكان عدد كبير من أعضاء اللجنة التنفيذية، والمجلس الوطني الفلسطيني، في العقد الثاني والثالث من العمر.
فيما تبلغ نسبة النساء في المجتمع الفلسطيني 49,2%، بينما ليس هناك سوى امرأة واحدة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهم بكل الأحوال يشكلون أقلية داخل مختلف مؤسسات المنظمة، يضاف إلى تلك الحقائق أن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني يعيش في الشتات.
وبالتالي فإن كل شعارات تمكين الشباب، ومساواة المرأة بالرجل، وإشراكهم في صنع القرار، وتكامل طاقات ونضالات شعبنا في الوطن الشتات، تبقى مستهلكة، ومبتذلة، ما لم يتم التوافق على تمثيل حقيقي لهم، يتوافق مع نسبتهم في المجتمع، وطاقاتهم المتفجرة، وإبداعاتهم، القادرة على المساهمة الفاعلة في مسيرة التنمية والبناء، مستلهمين من دول عظمى، يقودها شباب في العقد الثالث من العمر، كما هو الأمر في الجمهورية الفرنسية، إذ أن كل التجارب الحزبية، السابقة، في المجتمع الفلسطيني، لا زالت تؤكد أن العقلية الفلسطينية لا زالت ذكورية، وأبوية، ومستعصية على الانفتاح نحو المستقبل، فيما قد يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني فدا، الاستثناء الوحيد في هذا الإطار.
بكل الأحوال، يبقى عقد المجلس الوطني الفلسطيني، حاجة وطنية حقيقية، إلا أن مخرجات، ونتائج عقد المجلس، والسيناريو الذي سيتم تبنيه لانعقاده، هو الأمر الذي لا يعتبر قدرا، إنما هو حصادا لما سنزرعه نحن الكل الفلسطيني خلال الأيام القادمة .