الثلاثاء: 30/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مطلق القوة ومطلق الوعي تنتجان مثقفا

نشر بتاريخ: 03/09/2017 ( آخر تحديث: 03/09/2017 الساعة: 13:41 )

الكاتب: عوني المشني

ما زلزل أركان الصورة النمطية للمثقف في داخلي انني ليلة أمس كنت اتصفح عبر شريط فيديو على اليوتيوب واذا بعنوان يقول " ليزلي هاملتون تدافع عن القران وعن النبي محمد " لفت انتباهي العنوان وشغلت اليوتيوب ، من خلال حديثي توصلت الى استنتاج ان هذه المرأة تتوفر لديها كل الأسباب لتكون معادية شديدة العداء للقران ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي وكما تقول عن نفسها يهودية واذا ما اخذنا في الاعتبار الصراع العربي الاسرائيلي فان كونها يهودية يضعها في موقع العداء للعرب والمسلمين وهي ملحدة لا أدرية وهذا سبب ثاني لتكون معادية ليس للإسلام فقط بل لكل الديانات السماوية ، وهي أمريكية ، وامريكيا عدو تاريخي للعرب المسلمون على اقل تعديل في ظل سياسة " صدام الحضارات " ، وهي امرأة وبالنظر النمطي المغلوط والمنتشر لدى الغرب في كون الاسلام يحط من قيمة المرأة فان عداءها للإسلام مبرر من هذه الزاوية ، مع ذلك ورغم توفر كل هذه الأسباب تتحدث ليزلي عن القران والنبي محمد صلى الله عليه وسلم بايجابية موضوعية أقنعتني اكثر من عشران " شيوخ الدعوة " الذي لا يحسنون الدفاع عن قناعتهم الصحيحة ، هاملتون هذه ترى في الرسول متمردا على الفساد داعيا للخير مناصرا للفقراء رافضا للعادات السيئة التي تفضل الذكر على الأنثى - وأد البنات - مناهضا للعنصرية وداعيا للمساواة بين الاجناس البشرية . اما عن القران فتتحدث بطريقة جعلتني اعترف امام نفسي انني لم اقرأ القران بطريقة جدية حقيقية ، وربما الأغلبية الساحقة من المسلمين مثلي ايضا . تقول انها قرأت القران مقترنا بقراءة اربع تفاسير اصيلة معتمدة يشهد لها ، وقرأته في ظل قراءتها لتاريخ السيرة النبوية وتاريخ المنطقة والكتب السماوية الاخرى ، واستمرت العملية ستة شهور ، والقول لها لا يجوز قراءة القران كأي كتاب اخر لانه ليس كأي كتاب اخر .
ما سمعته من ليزلي أعادني لموضوع كنت انشغل عنه ، المثقف وصورته النمطية - رجل كث اللحية يلبس " بالطو " في ذروة ايام الصيف " ، فما الذي يجعل هاملتون تخرج من جلدها وتتناقض مع كل الأسباب الموضوعية التي يفترض ان تضعها في خانة العداء لعالم الاسلام ؟؟؟؟ وبالمناسبة هي ليست وحدها كذلك فناعوم تشومينسكي أخذ نفس المسار ، وكذلك العشرات مثله السؤال قض مضجعي طويلا حتى اهتديت فجأة للسبب وحصل معي كما حصل مع نيوتن عندما سقت ثمرة عليه وهو نائم فاكتشف فجأة قانون الجاذبية وقام يصيح اكتشفتها اكتشفتها !!!! قمت من نومي أردد في داخلي اكتشفتها اكتشفتها :
الثقافة
الثقافة هي التي جعلت ليزلي تخرج من معطيات الواقع المحيط بها وتتبنى موقفا يتناقض مع المعطيات التي يفترض ان تشكل قناعتها ، خرجت ليزلي من جلدها بفعل الثقافة . سلطان الثقافة اعظم من سلطان الهوى !!!! الثقافة لا تطهر النفس فقط بل تعيد انتاج روح الانسان ، ان تكون مثقف يعني ان الحقيقة هي المطلق الابدي فيك ، ان تكون مثقف يعني ان تتمرد على القوالب التي تقيد الفكر وتحطم أغلال الانحياز الذي يعمي قلبك عن الإيمان بالحقيقة . سلطان الثقافة هو السلطان الحقيقي الذي " يسلطن النفس الانسانية ويحلق بها عاليا في سماء لازوردية .
والثقافة ليست ترف انساني متدني الفائدة ، السياسيين يغيرون واقع دول ، في الأغلب للأسوأ وان كان قلة منهم للافضل ، كذلك الأطباء والمهندسون وكافة رجال التخصصات كل يغير في مجال محدد ، المثقفون يغيرون العالم . شخص مثل ماركس فكك الكون برمته وأعاد تركيبه عبر ايدولوجيا حكمت نصف الكون ويزيد تقريبا ، وعيه الثاقب وقلمه النافذ فقط هما أدواته ، وغير ماركس الكثيرون . وربما أعظم شخصية في التاريخ باعتراف الجميع بلا استثناء وعبر وحي الهي قد غير العالم برمته ، انه رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ، السؤال هل كان الرسول مثقفا ومفكرا ام ناقلا للفكر والوعي ، ام الاثنين معا ؟!!! تلك قناعات مختلفة باختلاف مناهج التفكير وان كان الرسول عليه الصلاة اميا فهذا في صالح فكرة الوحي الإلهي وليس العكس . نتحدث عن مثقفين وليس ادعياء الثقافة او أشباه المثقفين او " العابرون في زمن عابر " عن كتاب ما قرأووه وما كتبوه ولكن شبه لهم . حتى تكون مثقفا فإنك تفقد تكوينك المادي بالتماهي مع الفكرة وترتقي لمستوها ، ان تكون مثقفا يعني ان تتحلل من قيود الجنس والجنسية واللون والمذهب والقبيلة وترهن ذاتك للحقيقة لتصبح انت ذاتها او هي تصبح ذاتك وكلاهما ذات المعنى .
سلطان الثقافة خمر لا يذهب العقل ولكنه يعيد تكوين الوعي الإنساني ، وسلطة المثقف سلطة مطلقة لا تحكم الناس بالقوة بل تستخدم مطلق القوة وهي القناعة لتحكم بها الناس.