الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نجاح إدارة غزة بعد المصالحة يحتاج الى 3 ابداعات راديكالية

نشر بتاريخ: 15/10/2017 ( آخر تحديث: 15/10/2017 الساعة: 10:35 )

الكاتب: د.عيسى سميرات

دكتوراه في الإدارة الاستراتيجية
لا يخفى على أحد من الفلسطينيين والمتابعين والباحثين ما صاحب الحال في غزة من حجم النقاش والفرضيات والتحليلات التي تابعت عن كثب المصالح والتدخلات المتضاربة العربية والإقليمية والعالمية مثل ايران وتركيا ومصر وسوريا والسعودية وقطر وأوروبا وامريكا وروسيا والأمم المتحدة وغيرها والتي لا زالت تحاول ان تجد لها دورا في إدارة المنطقة للحفاظ على مصالحها، ولا زالت النقاشات مستمرة حتى هذه اللحظة، ولكن حجم هذه النقاشات خلا للأسف من النظر الى القضية على اعتبارها حالة نتجت عن حركة تغيير اجتماعي وعن حالة استراتيجية(Carmen Nobel, 2017) من التحريض والابتكار والتنسيق بين المتناقضات حسب باتيلانا.
كما ان الحركة الاجتماعية المضادة التي اوصلتنا بعد نحو عشر سنوات الى حالة المصالحة في غزة لا بد ان تنجح، والتي تكللت بخطاب الرئيس الفلسطيني امام الأمم المتحدة واستلام حكومة الوفاق الوطني لمهام عملها في غزة والضفة الغربية، حيث تحتاج هذه الحركة الى ثلاثة مستويات من الادوار القيادية المتميزة لضمان نجاحها، وتتمثل هذه الأدوار في الدور القيادي المحرض والمبتكر والمنسق، وهو ما تتطلبه كل حركة اجتماعية ناجحة للوصول الى التغيير وفقا لخبيرة التغيير المؤسسي جولي باتيلانا ( Julie Battilana, 2017) .
ويعتقد بعض علماء الإدارة في هذا الشأن مثل ( Nichollas, 1994 والخفاجي والبغدادي، 2001 ) انه ولضمان نجاح عملية التغيير وبناء الثقة وفقا للنموذجين الأمريكي والياباني ( الغالبي وادريس، 2017) وحتى لا تكون اي حركة تغيير عبارة عن ومضة في مقلاة، وحتى لا تذهب كل الجهود هباء فاننا نحتاج على المدى الطويل والاستراتيجي الى حافز حقيقي للتغيير يعتمد على زيادة المناعة ويمنع تراجعنا كما حصل على سبيل المثال مع حركة وول ستريت التي اختفت في غضون أشهر.
وقد بينت جولي باتيلانا (2017)، وهي عالمة لفترة طويلة في التغيير المؤسسي ان هناك موضوعات مشتركة بين الحركات الاجتماعية التي وصلت الى مرحلة التغيير الحقيقي وهي ليس مجرد الحاجة إلى تغيير اجتماعي، بل يجب ان تخلق الحركة الاجتماعية فعلا مؤثرا على المدى الطويل. وبالتالي ولضمان وصولنا الى النجاح في التغيير المطلوب بحاجة الى ممارسة ثلاثة أدوار قيادية متميزة: التحريض، الابتكار، والتنسيق بالمعنى الايجابي.
وربما وصلت حالة التحريض الاجتماعية في فلسطين الى المصالحة الفلسطينية، وحتى نضمن عدم العودة الى حالة عدم التوازن السابقة، فانه لا بد لنا من فهم الدور القيادي المطلوب المتعلق بالتحريض والابتكار والتنسيق، هذا الدور الذي لا زال يحتاج الى مزيد من التساؤلات حول الابتكارات التي استطاعت الحركات اجتراحها لانجاح ذلك، وهل فعلا وصلنا الى حالة الابتكار والابداع المطلوبة؟ والتي تتبلور في برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية، بما يضمن حالة من التنمية والتغيير الاقتصادي الذي يقود على سبيل المثال لتحسين مستوى الدخل وتخفيض البطالة، او الى التغيير الاجتماعي وحقوق الانسان والديمقراطية والسلم الأهلي، او الى التغيير السياسي المؤدي الى الحرية وانهاء الاحتلال وحل قضايا اللاجئين، وهل حالة عدم التوازن السابقة انتهت؟، وهل استطاع الجميع فهم دوره؟، حيث ان فهم الأدوار يمكن أن يلعب دورا في نجاح حركة التغيير المجتمعي حسب ماريسا كيمسي.
والتساؤل الأصعب في المرحلة القادمة، هل ستقبل حركة التغيير الاجتماعي الحالية في حال الفشل، هل تقبل غزة ان فشلت في التغيير في العودة الى القبول بحالة الردة والتصالح معها، كما تصالحت من قبل؟ ام ستذهب الى الكفر بالجميع وتعود الى القفز في المجهول وان الجماهير سترفض الجميع وتذهب بنا الحال الى الفراغ الذي ستحاول فيه اسرائيل تعبئته هذا الفراغ من خلال طرح نفسها بديلا عن غياب الحل الإبداعي على اعتبار ان الجوع كافر والعدل أساس الملك؟
وعلى الرغم من أن التاريخ يتذكر بعض الجهات الفاعلة الفردية باعتبارها مؤثرة للغاية، الا انه نادرا ما يستطيع القادة تغيير مسار المجتمع بمفردهم". وتقول باتيلانا أستاذ الإدارة في جامعة هارفارد التي درست وبحثت لأكثر من عقد من الزمان في الطرق التي تستخدمها المنظمات والأفراد في تنفيذ التغييرات: "إذا نظرتم إلى تاريخ أي حركة ناجحة للتغيير الاجتماعي، فسترون أن هناك لحظات من التحريض والإبداع والتنسيق الفعالة، مما أدى إلى احداث التغيير". ولكن مهما كانت قدرة القيادة على احداث التغيير في الافراد او المنظمات او المجتمعات الا ان ذلك يحتاج الى جهد جماعي يعتمد على قدرات القيادة على التحريض والابتكار والتنسيق، فعلى سبيل المثال .
فيقصد بالتحريض لدى القيادة هو ان يثير المحرض الحالة من خلال التعبير عن المظالم المجتمعية ونشرها، وحشد مجموعة متنوعة من الناس حول الرغبة المتبادلة في التغيير، وهو ما حدث من مختلف القيادات في المجتمع الفلسطيني على اختلاف مستوياتها ومشاربها فيما يتعلق بالمصالحة. ولكن هل بات المحرضون الفعالون قادرين على لفت الانتباه إلى المشكلة وإقناع الآخرين بأن الأمر يحتاج إلى بعض الإجراءات التصحيحية والعمل الجماعي لتحقيق ذلك، وفي هذا السياق فقد اشارت باتيلانا ( 2015) ان التغيير يحتاج الى إثبات أن الوضع الراهن غير مقبول وتعبئة الآخرين نحو ذلك، حيث يحتاج الدور القيادي التحريضي الى التواصل بطريقة تضمن تقاسم المظالم بين الجماعات بحيث نضمن بان لا ينظر إلى الى أي مجموعة او حركة على أنها غير ذات صلة.
كما ان الوصول الى حالة الوفاق الوطني وعدم العودة الى حالة التنازع والتناحر السياسي هي الخطوة الأولى المتقدمة في عملية التغيير المطلوب، حيث يتبعها الخطوة التالية المتعلقة بالابتكار او الابداع من خلال وضع الحلول الإبداعية لكافة المشكلات العالقة السابقة التي أفشلت حركة التغيير السابقة في استقطاب الناس حولها ودفعت الى التغيير الحالي وتقبل عملية التغيير الجديدة، لانه بدون قدرة حركة التغيير الاجتماعي في تقديم الحلول الإبداعية للمشكلة التي أدت الى حالة الاستقطاب فان الحركة سوف تموت، فلقد استطاع شعار الوحدة والوفاق الوطني الفلسطيني بغض النظر عن القراءات المختلفة له، ان ينجح هذه المرة ويوفر فرصة جديدية للقيادة لا بد من استغلالها، استطاع التحول من شعار ومطلب وطني الى شعار ومطلب إقليمي ودولي. كما حدث من قبل على سبيل المثال مع عالم الأحياء البحرية راشيل كارسون، الذي حذر الجمهور من مخاطر مبيدات الآفات في الخمسينيات؛ ودونالد ترامب، الذي حشد المواطنين طوال عام 2016،حول شعار "جعل أمريكا العظمى مرة أخرى".
فعلى المبتكر ان يطور حلا لمعالجة المظالم المختلفة. وهذا يعني توقع حواجز وعوائق كثيرة في الطريق من خلال الخروج بطرق بديلة في الساحة الفلسطينية التي شهدت عشرات التدخلات العربية والإقليمية والدولية، فضلا عن دور القيادة في الابتكار والابداع فانه يتعدى دورهاالى تسويق وتبرير تلك البدائل بطرق جذابة لإشراك الأفراد والجماعات والمنظمات للحصول على دعمهم والتفافهم حول الشعار.
فالابداع القيادي الذي نحتاجه هو على الأرجح من قيادة درست وعاشت أو واجهت شيئا خارج المعايير في البيئة الفلسطينية، وبالتالي لا بد ان تكون قادرة على خلق رؤية لمستقبل مختلف ومنطقي، ويستطيع ان يأسر قلوب الناس ويجمع أولئك الذين يعيشون في الممارسات والظروف القائمة. كما انه بدون أن يضع القادة طريقا مقنعا من خلال الابتكار للحلول السياسية والاجتماعية ولاقتصادية فلن تكون مقنعة، ولذلك فإن الحركة لن تنجح في مرحلة التحريض، وهو ما حدث في حركة احتلال وول ستريت عندما كانت هناك اثارة فعالة جاءت في الوقت المناسب والعالم يصرخ ويجاهر بالحاجة الى نظام مالي مختلف، ولكنها فشلت بعد خروجها الى الشارع مباشرة وذلك لغياب ونقص الابداع والابتكار الذي لم يرافق عملية الخروج، فالاحتجاج على الوضع المالي السيء في وول ستريت لم يتبعه وضع بدائل وحلول تقنع الجماهير الغاضبة باستمرار جدوى الاحتجاج وانتهى الامر بالعودة الى النظام السابق، وحتى لا تموت الحركة الحالية فما تحتاجه غزة والضفة والقدس وكل فلسطين هو ليس باعادتها الى الحالة والمربع السابق للانقسام في العام 2007".
وهنا يأتي الدور القيادي "المنسق" الذي يقوم بتنسيق العمل وتعميم الحلول المبتكرة ووضع الاستراتيجيات لاستمرار أفضل الطرق للوصول إلى الناس والعمل معهم داخل الحركة وخارجها لضمان الوصول الى الجميع حيث تنمو الحركة من أجل التغيير من حيث الحجم والتعقيد. فما نحتاجه في هذه المرحلة من عملية التنسيق لانجاح حركة التغيير إلى تكييف رسالة التغيير لتناسب وتنسجم مع مصالح مختلف الفعاليات والاطر من اجل اقناعهم بالتغيير " الكل رابح". كما نحتاج في هذه المرحلة أيضا إلى تحقيق توازن جيد واشراك الجميع، لأننا نحتاج أيضا إلى ضمان أن الفوضى الشاملة لن تعود. فالتريض بدون الابداع يعني تذمر بدون وضع حلول، وبدون التنسيق يعني عدم التطبيق. فعلى القيادات المختلفة ان ان تعي وتفهم دورها وكيف تقوم بهذا الدور والا فان المصالحة الفلسطينية ستتحول الى قفزة في المجهول.
ما هي التحديات امام نجاح المصالحة؟
بغض النظر عن المرحلة او الدور الذي تلعبه القيادة وفي اي مرحلة من مراحل التغيير، سواء كانت في مرحلة التحريض او الابداع او التنسيق، فان ذلك يتطلب الجمع بين الاتصال والتنظيم والتقييم الجيد فالمحرض يحتاج الى التواصل مع حركة التغيير بينما يحتاج المبدع الى الاتصال للتاكد من جدوى الحلول المقترحة فيما يحتاج المنسق لايصال المعلومات الى مختلف المكونات والمجموعات ذات العلاقة من خلال رسالة منسجمة.
كما على المحرض ان ينظم حالة من الفعل المضاد لعودة او استمرار الحالة السابقة اما المبدع فيجب عليه حشد التحالفات التي تدعم أفكاره في حين يقوم المنسق بضمان تمدد وتوسع وديمومة العمل الجماعي.
كما يواجه كل من الأدوار القيادية السابقة العديد من المثبطات التي ترافق الأفعال، فتقسيم المحرضين الى فئات تستهدف مجموعات مختلفة قد لا تستطيع الانسجام مع الاخرين وتقدم الحلول بدون مواجهة الاحتجاجات ما قد يعرض الحلول للخطر. كما ان الفشل في تطبيق الحلول المقترحة التي تبدو عظيمة ولكنها غير قابلة للتطبيق او التعميم على ارض الواقع هو عائق اخر. كما نحتاج لتجنب العوائق والتحديات المختلفة وتجاوزها الى الاستمرار في الاهتمام بمصادر القوة والتأثير المختلفة من خلال تقييم عمليات التغيير في البيئة المحلية والمحيطة وتحسس مصادرالتأثير والقدرات والحوافز والدوافع للقوى والشخصيات المختلفة وقد يأتي تأثير بعض الشخصيات من خلال القدرات القيادية والخبرات، و تأثير الموقع او الوظيفة من خلال الأدوار القيادية الرسمية او المنتخبة منها، وتاثير العلاقات الأخرى من الأصدقاء وبعض العائلات المتنفذة، والفصائل والقوى الأخرى غير الحزبية. حيث هناك الكثير من الابطال غير المرئيين في كل حركة او عائلة.
كما لا يمكن الجزم ان النتائج ستكون ايجابية حيث يكمن في كل نجاح صعوبات ولا مبالاة وشياطين أحيانا، فالتغيير الاجتماعي يحتاج الى الوقت والعمل وقد لا تحظى في الكثير من الأحيان بالاعتراف ولا يزال الابطال الجهولون كثر