الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المصالحة.. المسؤوليات.. الأسس والمستويات

نشر بتاريخ: 15/10/2017 ( آخر تحديث: 15/10/2017 الساعة: 15:17 )

الكاتب: أحمد غنيم

تبدو قاطرة المصالحه تسير ببطء شديد وحذر انطلاقا من محطتها الجديدة التي اختارتها أطراف الخلاف لأنفسها، يتساءل الناس لماذا الأن، وهل سوف تنجح القاطرة بمواصلة طريقها المحفوف بالتحديات والمخاطر والصعاب، أم ستنحرف عن المسار وتهوى إلى مجاهل الصراع من جديد.
من الواضح على المستوى الفلسطيني على الأقل، أن النوايا الحسنة التي يعبر عنها المتحدثون من الأطراف كافة، هي أخر ما دفعهم إلى محطة اللقاء الجديدة، ومع ذلك فعلينا أن نبارك ما تم إنجازه حتى الأن، بإعتباره خطوة مهمة على الطريق الصحيح، لكن علينا كمواطنين أن لا نضيع هذه الفرصة، وأن نستثمرها لخلق حالة جديدة تفرض على الأطراف إرادة الوحدة، وتدفعهم إلى عدم التراجع.
ولا يبدو لي أن من المفيد الغوص في الدوافع والأسباب التي جاءت بأطراف الخلاف الى محطة اللقاء، فمن الواضح أن أزمات الأطراف التي أشرنا اليها قد دفعتهم جميعا إلى ما يسمى وعيّ الضرورات وربما تحالف الخائفين.
إن عشر سنوات من الانقسام ألحقت أضراراً بالغةً بالقضية الفلسطينية، قد تفوق أي ضرر أخر لحق بها، فقد مس الانقسام بالمقدسات الوطنية الثلاث، وحدة الوطن ووحدة الشعب ووحدة النظام السياسي، وأهدر الزمن اللازم للتقدم والإنجاز في معركة التحرر الوطني، فلا يمكن لحركة تحرر وطني أن تنجز موضوعة الاستقلال دون أن تنجز موضوعة الوحدة، وبغض النظر عن نوايا الأطراف، التي ستبقى أسيرة لمصالحها الضيقة رغم ارتطامها بمطرقة الواقع، فمن الضروري أن يكون هناك تدخل شعبي كي لا تنفكك هذه الأطراف من التزاماتها إن زالت أسباب ومصادر الخوف ومبررات التحالف واللقاء.
إن القوى الحية الفاعلة في المجتمع الفلسطيني مدعوة اليوم لتشكيل حاضنة شعبيه وطنية حامية لعملية المصالحة، لتمنع الأطراف من النكوص والتراجع والعمل على توسيع دائرة الشراكة في الحوار من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من المصالحة ، والتي فشلت أكثر من مرة ، لأن المتحاورين حصروا الأمر بأنفسهم طيلة العشر سنوات السابقة وتمترسوا خلف مواقعهم ، وربما مصالحهم ، دون الإلتفات في كثير من الأحيان إلى عذابات وآلآم المواطن ، الذي بات يشعر أن القوى الوطنية والاسلامية برمتها انشغلت بنفسها وأزماتها التي صنعتها لأنفسها ، وبدل أن تحمله إلى الاستقلال الوطني باتت عبئ عليه ، بل وأنتجت حالة الانقسام البغيض .
إن شرعية الوطن أعلى من شرعية الحكم ، وشرعية الشعب أعلى من شرعية الفصائل والأحزاب ، وإن السلطة والحكومة والشرعيات الثلاث للنظام السياسي ، هي من ضرورات الاجتماع الانساني ، وهي بالتالي جميعها مستمدة من إرداة الشعب ، الذي لن يتقبل استمرار الانقسام والحصار ، ذلك الذي إستفاد منه المحتل، واستخدمه لإستكمال مخططاته العدوانيه والاستيطانية والتهام أجزاء واسعة من الوطن وتهويد القدس .
إن المسؤولية الأولى اليوم تقع على عاتق المواطن بقدر ما تقع على قيادات الفصائل والقيادة الفلسطينية بكل مكوناتها ، وقد بات المواطن مطالباً هو أيضا أن يخرج عن صمته ويطرد هواجس التردد والسلبيه ، ويتقدم الصفوف لحماية قاطرة الوحدة ، وتوجيه المتحاورين في الغرف التي أخفقت لغاية الأن في التحرر من فئويتها ومصالحها ، ويخشى أن تعود من جديد لإجترار نفس الأطروحات والأفكار التي قادتها إلى الفشل .
هناك ثلاث أسس يمكن الاستناد اليها لتحقيق تقدم على طريق الوحدة ، وهناك ثلاث مستويات للعمل يمكنها أن توضح المسؤوليات للأطراف جميعا ، تأخذ بعين الإعتبار الأولويات ومتطلبات النجاح ، أما الأسس فهي :
1- الأساس الأول : المشاركة : بحيث تقوم المصالحة على أساس من الفهم العميق لواقع الشعب الفلسطيني ومكوناته الاجتماعية والسياسية ، فعلم الاجتماع أقوى من علم السياسة ، ومن لا يعترف بالمكونات السياسية والاجتماعية للمجتمع ، يهزم أمام حقائقها الصلبة، فالمشاركة حق للجميع ، فلا أحد يقصى أحد وللجميع حقوق متساوية وعليهم واجبات متساوية أيضا، والمشاركة مفهوم عميق يبدأ بالقبول والاحترام والتعايش مع الأخر الوطني، مرورا بالأدوات الديمقراطيه على إختلافها.
2- الأساس الثاني التدرج : لأن عشر سنوات من الانقسام لن تنتهي دفعة واحدة وعلى الجميع أن يدرك حكمة التدرج ،التي تتطلب معرفة دقيقة بالحالة العامة ووضع الأولويات وإعداد كافة متطلبات النجاح للتعامل معها ، والتقدم بعزم ودون مماطلة أو تسويف أو إضاعة للوقت ، ولكن خطوة خطوة واثقين من النجاح .
3- الأساس الثالث : إحداث الفرق في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والحياة العامة للمواطن الفلسطيني خاصة في قطاع غزة ، إن المهمة الأولى لعملية المصالحه هي إحداث الفرق الجوهري في الحياة العامة للمواطن خاصة في قطاع غزة وانتهاء الحصار وتحسين الواقع الاقتصادي والإستجابة لمتطلبات الحياة اليومية خاصة في قطاع الخدمات العامة ، الكهرباء، والمياه ، والسكن ، وتحسين مستويات المعيشة ، والأوضاع ألاقتصاديه ، وضمان الحريات.
ذلك بالعمل على ثلاث مستويات :
- المستوى الأول المستوى السياسي : وذلك مسؤولية الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية وعلى رأسها حركة فتح وحماس دون حصر الأمر بهما ، بل بتوسيع إطار المشاركة ليشمل الفصائل وقوى المجتمع الوازنة ، لاستكمال الحوار الوطني وانجاز الاتفاق ، وإعادة صياغة النظام السياسي على أساس المشاركة والديمقراطية وعلى مستوى السلطة والحكومة والمنظمة والإعداد الناجح للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني .
- المستوى الثاني الحكومي : وذلك بتحمل الحكومة مسؤولياتها كاملة في كافة أرجاء الدولة الفلسطينية وإعداد الخطط اللازمة للتعامل مع الواقع السياسي والاقتصادي . إن نجاح الحكومة لا يتطلب توفير الموارد المادية والبشرية والتخطيط السليم لمواجهة التحديات فقط ، بل يعتمد نجاح الحكومة على وجود إرادة سياسية حازمة لدفع عربة المصالحه إلى الأمام من قبل كافة الأطراف ، وتوظيف اللحظة السياسية والإقليمية ومصالح الأطراف الخارجية لتخدم مشروع الوحدة الفلسطينية، لأننا قد نكون قادرين بسبب من مصالحنا الفئوية الضيقة على إنتاج أسباب الشقاق والخلاف والإنقسام بأنفسنا ، لكننا لن نكون قادرين دائما على إنتاج أسباب الوحدة منفردين، فأنت إن أخرجت الشيطان من الزجاجة ، فلن تكون قادراً على التحكم بأفعاله .
ومن الأهمية بمكان أن تنتبه الفصائل إلى موضوعية مطالبها من الحكومة الفلسطينية ، ولا تسعى إلى وضع أجندة أولويات أمام الحكومة لا يمكن تحقيقها، خاصة إذا كانت أجندات تخص الفصائل نفسها ولا تخص المواطن بشيء .
إن الحكومة هي جهاز إداري سياسي ، مهمته إدارة الحكم، وخدمة اهداف الناس ومصالحها ، ولا يجوز أن تقلب الفصائل الأدوار ليصبح الشعب في خدمتها وخدمة الحكومة .
المستوى الثالث : هو المستوى الأمني وهو على ثلاث مستويات أيضا :
1- النظام العام
2- الأجهزة الأمنيه
3- سلاح المقاومة
يعتبر المستوى الثالث المعيار الإستراتيجي لنجاح عملية المصالحه أو فشلها ومن المهم أن يعي الجميع أن هذا المستوى يتطلب حكمة عالية في معالجته وتروي وصبر، لكن العمل به ليس عقيما بل يمكن إنجازه والتفاهم حول كافة مكوناته .
أولا : النظام العام وعلى قاعدة الأسس الثلاث التي تم استعراضها ، على السلطة الفلسطينية استلام صلاحياته منذ اليوم الأول في مجال النظام العام الشرطة ، النيابة العامه ، وكافة أدوات نفاذ القانون فهي عنوان عملية الوحدة وواجهتها الاساسية وعلى أساس من التشارك والكفاءة والحياد.
ثانيا أجهزة الأمن : من المهم منح المتحاورين حول هذا المستوى في عملية المصالحه الوقت الكافي للإنجاز، وعدم التسرع لأن الاتفاق لن يكون سهلا ويتطلب إعادة بناء ودمج الأجهزة الأمنيه المتوازية ، على أساس جديد ، ضمن عقيدة وطنية واحدة ترتكز إلى مفهوم حركة التحرر لشعب واحد ووطن واحد ضد دولة الاحتلال .
ثالثا : سلاح المقاومة : فيما يتعلق بسلاح المقاومة ، الذي يجب أن ننظر إليه باعتباره أحد مقدرات الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ، وليس محصورا على هذا الفصيل أو ذاك ، وأن الجميع حريص على هذا السلاح ، ولا يقبل نزعه أو التنازل عنه، وأن أسس الحوار حوله تقوم على إعتبارات تتعلق بوحدة الوطن ووحدة النظام السياسي ووحدة السلاح ، إن مفهوم وحدة السلاح لا يستهدف طرف بعينه ،وإنما هو التعبير الأكثر وضوحا عن وحدة المشروع الوطني ، حيث تدرك الفصائل أن سلاح المقاومة ، لا يمكن أن يكون سلاحاً للفتنه أو الحرب الأهلية أو الانقسام ، إن وحدة السلاح تعني أن هناك جهة مرجعية فلسطيني واحدة تقرر في السلم والحرب ، وفقا للمصالح العليا للشعب الفلسطيني ، والتي تقرره المرجعيات الفلسطينية المنتخبة لدولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطيني رئاسة وبرلمانا وحكومة وجيشا.