الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مسؤولية بريطانيا عن جريمة بلفور

نشر بتاريخ: 24/10/2017 ( آخر تحديث: 24/10/2017 الساعة: 13:32 )

الكاتب: أحمد طه الغندور

مع حلول الذكرى المئوية لجريمة بلفور لابد لنا من التركيز على الجوانب القانونية لهذا الحدث؛ الذي أطلقنا عليه وصف الجريمة مع أن جُل المثقفين العرب يصفونه خطأ بلفظ "وعد بلفور" في حين أن النص الإنجليزي يستخدم لفظ "تصريح أو إعلان بلفور ـ Balfour Declaration” ‘والتدقيق اللفظي هام في البحث القانوني، فإذا ما اقتنعنا بما ورد في الوثيقة الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية البريطانية والممهورة بتوقيع وزير الخارجية في ذلك الوقت المدعو أرثر جيمس بلفور، والنص الواضح على كونها تصريح؛ فلا لبس أننا أمام عمل من أعمال الدولة تتحمل الدولة المسؤولية القانونية الكاملة عما جاء فيه وما يتلوه من نتائج.
لذلك فإن أول ما نخلص إليه؛ أنه تصرف ناتج عن موظف دولة، ودولته مسؤولة مسؤولية كاملة عن تصرفاته، حيث تسأل الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية الصادرة عن موظفيها كافة، ومنها الأعمال المخلة بالالتزامات الدولية التي يأتيها الموظفون عند تجاوزهم لحدود اختصاصاتهم.
فأن الرأي الراجح في الفقه يذهب إلى أن الدولة تسأل عن كل الأفعال المخلة التي يأتيها الموظف بصفته هذه، سواء كان يعمل في حدود اختصاصه أو كان قد تعدى هذه الحدود، لأنه في كلتا الحالتين يعمل باسم الدولة، ومن واجب الدولة أن تحسن اختيار موظفيها وتراقب أعمالهم، فتجاوز الموظف لحدود اختصاصه يعتبر تقصيراً من الدولة في القيام بهذا الواجب.
وقد اخذ بهذا الرأي معهد القانون الدولي في دورة انعقاده في لوزان سنة 1927 عندما حمل الدولة مسؤولية الأعمال التي تقع من موظفيها خارج حدود اختصاصهم (ما دام أن هؤلاء الموظفين قد قاموا بها باعتبارهم إحدى الهيئات الرسمية للدولة واستخدموا الوسائل التي تحت تصرفهم بصفتهم هذه).
ثانياً: يتضح مما تلى ذلك من أحداث بأن بريطانيا أدخلت اليهود إلى فلسطين بشكل غير قانوني مما أثر في التركيب الديمغرافي للسكان والمجتمع، وقامت بمصادرة الأراضي من السكان الأصليين ومنحتها لليهود والوكالة اليهودية بشكل غير قانوني واعتدت على الفلسطينيين خلافا للقانون الدولي الإنساني التي بدأت تترسخ قواعده منذ العام 1868 في إعلان سان بطرسبرج وما تلها في لاهاي في الأعوام 1889 و1907 إضافة إلى الأعراف الدولية الأخرى المتبعة في هذا الخصوص، كما خالفت أيضا ما ادعت به في التصريح ذاته من عدم المس بحقوق السكان الأصليين.
يتضح مما سبق أن التصريح كان جزءاً من جريمة بالغة التعقيد أعدتها بريطانيا ضد فلسطين وشعبها الذين يعتبرون قانوناً جزءاً من الدولة العثمانية المعترف بها.
لذلك فبريطانيا مسؤولة بشكل تام عن هذه الجريمة، وعن جرائم احتلالها وما ارتكبته في زمن الانتداب، بل وأصرح بالقول إنها مسؤولة عن كل جرائم الاحتلال الإسرائيلي حتى يوم نهايته؛ ليس بموجب المسؤولية الأخلاقية فقط بل بموجب المسؤولية القانونية أيضا؛ والتي عرفها الفقيه الفرنسي " Basdevant”: بأنها " نظام قانوني بمقتضاه تقوم الدولة التي صدر فيها أو منها عمل غير مشروع وفقا لأحكام القانون الدولي العام بإصلاح الضرر الذي لحق بالدولة التي صدر في مواجهتها العمل غير المشروع".
فلا أدري لماذا هذا العداء من الحكومة البريطانية لفلسطين وشعبها، فلم تعترف إلى الأن بدولة فلسطين وعلى العكس من ذلك لازالت تدعم الاحتلال بكافة الصور الممكنة مما يتسبب بمزيد من الجرائم في حق الشعب الفلسطيني.
إنني لا أرى بأن الأمر يمكن أن يتوقف عند الامتناع عن الاحتفال بالذكرى الأليمة لما ارتكبه بلفور أو بشكل اصح عما ارتكبته بريطانيا من خلال مسؤولها في ذلك الوقت، فالأمر أو الجريمة الممتدة تستحق الاعتذار والاعتراف بالذنب والدعم المطلق لفلسطين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إضافة للتعويض عن كافة ما لحق بفلسطين وشعبها عن هذه الجرائم؛ فالشعب الفلسطيني ليس بأقل من شعب الماو ماو " في كينيا حينما قامت الثورة التي شنها الشعب الكيني-وبخاصة أفراد قبيلة الكيكويو الجبلية- ضد السلطات الاستعمارية البريطانية عام 1952، وعرفت بثورة الـماو ماو...أي (القَسَم). استمرت هذه الثورة حتى عام 1956 وجرت ذيولها حتى عام 1963، فلقد لجأوا بعد الانعتاق من الاحتلال إلى القضاء البريطاني وقد رضخت بريطانيا مؤخراً لمطالبهم العادلة بالاعتذار والتعويض عما ارتكبته من جرائم بحقهم.
أخيراً، من الواضح بأننا منذ البدايات أخطأنا في حق أنفسنا في التعامل مع هذه الجريمة ومرتكبيها، فما كان ليس وعداً بل فعلاً يُشكل جريمة تتحمل بريطانيا المسؤولية عنها؛ أي يجب أن تتحمل نتائجها أمام القضاء البريطاني والدولي فلا مجال للمجاملة في حقوق الشعوب وتدمير طموح أجيال متزايدة من الشعب العربي الفلسطيني في العيش بكرامة على دولته المستقلة فلسطين؛ ولن يسقط هذا الحق بالتقادم، شاء من شاء وأبى من أبى كما كان يردد قائدنا ورمز ثورتنا الشهيد ياسر عرفات، الذي تطل ذكرى شهادته علينا خلال أيام قليلة فله الرحمة، ولإعدائنا الخزي والعار.