الخميس: 09/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

أبو عمار شمس الحرية التي لن تغيب

نشر بتاريخ: 09/11/2017 ( آخر تحديث: 09/11/2017 الساعة: 11:17 )

الكاتب: كلارا العوض

في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة عشر عاما غابت شمس فلسطين لكن شمس الحرية التي نسج خيوطها أبو عمار لن تغيب، فجر ذات يوم ماطر صحونا باكرا على نحيب أمي ودموع والدي تنهمر بصمت على وجنتيه وهو يتابع السيد الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة يتلو بصوت متهدج بيان نعي الشهيد الراحل ابو عمار، يومها لف الحزن بيتنا كما بيت كل فلسطيني فأبو عمار بالنسبة لنا ليس مجرد أبو الوطنية الفلسطينية ومفجر الثورة ومن حول الشعب الفلسطيني من لاجئين الى ثوار، انه يعني لنا ذلك الأب الذي احتضننا حين ودعنا اهلنا في مخيمات لبنان وشددنا الرحال نحو الوطن فلم يكن لنا فيه الا من تبقى حيّا من رفاق المسيرة لوالدي وحنان الأب القائد ابو عمار، كنت طفلة لم أتجاوز السبع سنوات حين أبلغنا والدي ونحن في مخيم عين الحلوة تحت وأبل الصواريخ والقذائف التي تنمهر في عملية عناقيد الغضب التي شنتها دولة الاحتلال على لبنان في نيسان من العام 1996، بأنه سيعود الى فلسطين كعضوا في المجلس الوطني وبعد أيام بتاريخ ١٩ نيسان عام ١٩٩٦ غادرنا والدي تحت قصف الطيران والمدافع والدم المسكوب في مجزرة قانا، غادرنا ابي الى فلسطين التي نذر حياته من اجل العودة اليها منذ طفولته، وبعد ثلاث شهور ونصف بدأت رحلة عودتي وامي وإخوتي معا الى قطاع غزة هذا الجزء المتاح لنا من فلسطين في منتصف شهر اب عام ١٩٩٦ وصلنا لمعبر رفح الذي كان في ذلك الوقت بإدراة اسرائيلية فلسطينية مشتركة وعلى بوابة المعبر التقينا بوالدي ومعه اللواء الركن عمر عاشور وما أن خطت أرجلنا قطاع غزة وقبل ان نتعرف على بيتنا المستأجر قريبا من بخر غزة بدأنا بالإلحاح صباح مساء على والدي متى سنرى الرئيس أبو عمار الى أن جاء يوم الخامس عشر من أيلول عام ١٩٩٦ وتزامنا مع ذكرى صبرا وشاتيلا حيث تم عقد المؤتمر شعبي للدفاع عن اللاجئين وحق العودة بمشاركة آلاف نظمته اللجان الشعبية ودائرة شؤون اللاجئين برئاسة د.أسعد عبد الرحمن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في ساحة المجلس التشريعي وسط مدينة غزة ، ذهبنا لحضور هذا المؤتمر الحاشد الذي ضم اعدادا  كبيرة من كل أرجاء قطاع غزة ومخيماتها، وعلى أحر من الجمر ننتظر قدوم الرئيس الراحل أبو عمار وملاقاته ونحن على يقين أننا قد لا نستطيع الوصول اليه وأن نسلم عليه باليد لكننا. أصرينا بعناد الى أن استطعنا أنا وأخوتي الى ذهاب الى المنصة بعد توسلنا وإلحاحنا للأمن الذي رجوناه ان يسمح لنا رؤية الرئيس والسلام عليه، وقد كان لنا ذلك وما ان وصلنا وأخبرناه اننا عائدون للتو من عين الحلوة حتى فاض حنانه الأبوي وبدأ بتقبيل يدي وإخوتي، في تلك اللحظات شعرت بالانتصار على اللجوء والغربة فكم كنت متعطشة لذلك اللقاء مع اخوتي بدأنا بمقارنة سمار أيدينا أمام يديه التي تهتز بعنفوان كقطعة بيضاء كبريق يشع من السماء التي أمطرتنا وجعا عند فقدانه فخرجنا يوما تحت زخات المطر بعد ان استيقظنا صبيحة يوم 11/11/2004 حيث تعالت أصوات تلاوة القرآن في المساجد تعلن استشهاده، خرجنا شيبا وشبابا أطفالا ونساء هائمون على وجوهنا نبكي بأعلى أصواتنا حزنا على رحيل الأب الحنون ورئيس دولة فلسطين، اليوم وبعد ثلاثة عشر عاما على رحيله وعشرون عاما على لقائي الأول به لم أنسى قبلته على يدي كما لن انسى قبلاته لنا كنّا جموع الشعب حين مد لنا يده من نافذة الطائرة عندما اقلعت بتاريخ 29/10/2004 حيث انتظرنا عودته فعاد مستشهدا ، يومها لف الحزن والحداد على روحه الطاهرة ليس منزلنا فحسب بل ومنازل كل الفلسطينين في الوطن والشتات.  
ولأن ابو عمار بيننا وزرع فينا حب فلسطين وحبنا له اتيحت لي ولأمي في شهر يوليو الماضي الوصول الى الشق الآخر الضفة الغربية ومدينة رامالله التي تحتضن ثراه الطاهرة فكانت وجهتي الأولى زيارة ضريح الشهيد ياسر عرفات لنخبره بما اصابنا بعد رحيله ولارد قبلته على يدي بقبلة على قبره الطاهر الوقوف ليس فقط دقيقة صمت لانه يستحق الصمت كله.