الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ترنيمة في الوعي 2.. خصومة في عين العاصفة

نشر بتاريخ: 27/04/2018 ( آخر تحديث: 27/04/2018 الساعة: 21:54 )

الكاتب: عبدالله زماري

باحث في الشؤون التنموية
بين التنافس والعداوة مسافات ومفاهيم..
ان يتميز شخص ما عن غيره او ان يتنافس شخصان او اكثر على منصب او انجاز امر تجيزه كل اصناف المنطق البشري وهذا ينطبق على الشركات ومنظمات الاعمال فهو كذلك مباح ولا ضير فيه فكل طرف يقر بحق الطرف الاخر ان ينافس ويسعى للفوز بهذه المنافسة التي قد تفضي احيانا للتعاون في انجاز الامر تحت صيغة (رابح-رابح) وفي البيئة التجارية فان التنافسية هي محفز لانتاج اصناف افضل وجذب زبائن اكثر..
وان يتنازع شخصان بشأن احقية كل منهما بأمرٍ او شيء ما فهو ايضا امر لا ضير فيه فلأجل هكذا أمر وضعت القوانين والاصول الاجرائية التي تحدد بشكل مسبق اشتراطات احقية (س) اكثر من (ص) في الامر مثار النزاع. 
هنا يدخل الامر ما بين النزاع والخصومة، لكن الخصومة هنا تبدأ ربما بالنحو باتجاه العدائية والاقصائية وهنا ايضا يرجع الامر الى خلفية كل منهما ودوافعه ومحركاته الاخلاقية. ويشيع قول هنا (ومَنْ بَالَغَ في الخُصُومة أثِم ، ومن قَصَّر فيها ظُلم ) فليس المطلوب اذاً، اذا كان لك خصمٌ ما ان تستسلم او تتهاون فيما تراه حقُّ لك، ولكن ايضا لا تبالغ بالخصومة فتتحول الى عداوة وفجوة لا تُجسر.
الصراع امر اكثر بروزا، ويقترب اكثر من المناحي العنفيّة، عنف كلامي، عنف شعوري، عنف جسدي موجه للآخر وبالتالي فكما لكل فعل ردّ فعل معاكس له بالاتجاه فان الامر هنا سيعني عنفاً مضاداً. والصراع قد لا يكون بين (كيانين) فرد او جماعه ولكنه ايضا قد يكون صراعا في داخل الكيان نفسه، فالصراع النفسي الناجم عن تضاد الحاجة والرغبة بالمباح والممكن هو امر قد يحصل في داخل كل نفس بشرية، وصراع القِيَمْ قد يحدث في داخل نفس المجتمع الواحد، اضف اليه ما يقال حول وجود صراع بين الاجيال ناتج عن فجوة مفاهيميّة وقيميّة. وقد قُدّرَ لبعض الصراعات ان لا تنتهي خاصة الصراعات الاجتماعية او النفسيّة ولكن كثير من المجتماعات ومعظم الافراد يتوصلون لصيغه توافقية يبقى فيها الصراع موجودا ولكن لا يمسُّ بتماسك هذا الفرد او المجتمع، فحق الاختلاف هنا مكفول ولكن الغاء الاخر قسراً امر مرفوض. وفي اللحظة التي يسعى فيها طرف ما الى الغاء الاخر يتحوّل الامر مفاهيميا وفعليا الى (عداوة)
العداوة الأزلية بين (الخير) و( الشر) هي العداوة التي لا تنتهي والتي يسعى كل طرف فيها الى الغاء الاخر وجوديّا، الا انها لم ولن تنتهي طالما بقي البشر على وجه الارض او اي مكان اخر، لماذا؟ لان الخير والشر عبارة عن مفهومين يخضعان لتفسيرات مختلفة لم يستقر البشر على تعريف توافقي محدد لأي منهما بل الاخطر من ذلك ان (الخير) من وجهة نظر جماعة ما قد يكون هو نفسه (الشر المطلق) من وجهة نظر جماعة اخرى. وقد ترى جماعة ما ان امر ما يمثّلُ الخير وبعد تبدلات ما في نفس الجماعة فانها سترى ما كان بالامس خيرا وقد اصبح الشرُّ بعينه. واكثر من ذلك ارباكا هو ان يكون امر ما شرّا بمفهوم ديني مثلا وفي نفس المجتمع فان هذا الامر هو خيّر بمفاهيم اجتماعية سياسية ربما.. وهنا تصبح العداوة اقرب للتفجّر تحت أيّ مؤثر او فتيل يفجرها.
في السياسة والدين والظواهر الاجتماعية والديمغرافية في الواقع الفلسطيني، تشاهد بل وتعيش كل هذه التباينات. واذا اتفق الجميع على حق طرف ما _حتى المنافس_ بالمنافسة وان يستمر في نهجه حتى يتميز ويفوز بالمنافسة حتى لو مرّ الامر ببعض النزاع وإقصاء التأثير، نابع عن اختلاف في الرؤى والاهداف الا ان محددات المصلحة العامة العليا (إن وُجِدت) تُبقي الامر _او هكذا يفترض به ان يبقى_ تحت سقف المباح والمقبول بنظرة شامله.. الا انه وفي السنوات السابقة وحاليا نجد ان نهجا من الإقصاء الإلغائي والمقصود هنا الغاء الوجود بل انكار حق الآخر بالوجود هذا النهج اصبح متصدراً لكثير من المشاهِد السياسيّة وربما الاجتماعيّة. وبتنا (واقصد هنا المواطنين العاديين) نفهم الامر تدريجيا على انه عداوة تستحكم تدريجيا في المشهد السياسي_الإجتماعي. واصبح الفلسطيني عدوّاً للفلسطيني واقصد هنا عدوّاً فعليا يسعى لالغاء وجود الاخر الفلسطيني من المشهد بشكل كامل وليس فقط اقصاء تأثيره.
ان العلاقة الاقصائية هي علاقة اصيله تحكم القوى السياسية في اي مجتمع فمن حق اي تنظيم او حزب السعي للوصول لسدة الحكم بالوسائل المقرّة، فالحزب الذي لا يسعى للسلطة ربما يفقد مبرر وجوده بساحة العمل السياسي، وهذا ايضا ينطبق على كل الاحزاب بالعالم ولكن العالم ( او معظمه على الاقل ) قد توصل لصيغة يختار فيها الشعب من يحكمه ضمن صيغه ديمقراطية وهو صندوق الانتخاب والذي بنفس الوقت تستعمله الشعوب في معاقبة حزب ما قصّر في تحقيق امال الشعب وازدهاره والمحافظة على تماسكه ومناعته داخليا وخارجياً، هنا هذه علاقة تنافسية اقصائية صحية، فاليوم أُقصِيتْ ولكن فرصتك غدا بالعودة مكفولة ضمن نفس النظام الذي اقصاك بمعنى ان اقصائك لا يعني الغاء وجودك او حتى الغاء تاثيرك.
هنا، بفلسطين نحن على حافة الخطر ان لم نكن اصلاً موجودون منذ زمن في عين العاصفة، فوجودنا الفلسطيني مهددٌ من قِبلِ عدوٍّ يسعى حتما الى الغائنا وجوديا ومكانيا بل انه يسعى لالغائنا من الزمن، وبنفس الوقت يسعى جزؤنا لالغاء جزء اخر واقصاءه من المشهد (وجوديا احيانا) وهذا بالضرورة يعني ان هناك مستفيدٌ واحد من صراع الأجزاء وعداوتها وهو عدوّ الكل
واخيرا تساؤل مشروع.. هل (اجزاؤنا) تعي خطورة صراعها وعداوتها مقابل العدوّ، أم ان هناك اجزاءٌ لا يضيرها التغاضي عن ضررٍ يوقعه العدوّ بجزء آخر طالما هذا الضرر يضعفه ويساهم في الغاء وجوده؟؟؟ ليس لدي اجابة حاسمة