الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

القضية الفلسطينية .. محاولة لفهم الواقع واستشراف المستقبل

نشر بتاريخ: 08/05/2018 ( آخر تحديث: 08/05/2018 الساعة: 12:16 )

الكاتب: اللواء محمد إبراهيم وكيل المخابرات المصرية الأسبق

من الطبيعي أن يصل الإنسان إلى مرحلة من الإحباط وهو يتابع بعمق قضية سياسية شديدة التعقيد دون أن يظهر لها في الأفق أية بوادر انفراج وهذا هو تحديداً حال كل من يتابع عن كثب القضية الفلسطينية إلا أن المسئولية الوطنية تفرض على المهتمين بهذه القضية مواصلة البحث عن أي بصيص أمل في نفق طويل شديد الظلمة، نظراً لأننا نتعامل مع قضية شعب يهدف إلى أن ينال استقلاله من الاحتلال الإسرائيلي.
بداية يجب تحديد طبيعة الوضع الفلسطيني الراهن على المستويين الداخلي والخارجي والذي يمكن تلخيصه في العناصر الستة التالية: 
الأول: عقد المجلس الوطني الفلسطيني في مدينة رام الله يوم 30 إبريل من أجل تجديد المؤسسات المنبثقة عنه وتأكيد ثوابت المشروع الوطني، وما صاحب هذا الانعقاد من مشكلات حول مكان عقده والفصائل المشاركة فيه.
الثاني: مواصلة الفلسطينيين في قطاع غزة ما يسمى بمسيرات العودة التي بدأت في الثلاثين من مارس الماضي وأسفرت حتى الآن عن استشهاد نحو خمسين فلسطينياً وإصابة الالاف.
الثالث: تراوح جهود المصالحة الفلسطينية مكانها دون وجود أية دلائل على إمكانية حدوث اختراق يدفع بها للأمام.
الرابع: تقديم القمة العربية الأخيرة بالرياض كل الدعم السياسي والمادي للقضية الفلسطينية دون بلورة آلية تحرك محددة.
الخامس: اعتزام الولايات المتحدة ترجمة قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من خلال الاتجاه لنقل سفارتها إلى القدس يوم الخامس عشر من مايو تزامناً مع احتفالات إسرائيل بذكرى إقامة دولتها.
السادس: اقتراب واشنطن من طرح ما يسمى بصفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية خلال الفترة القريبة القادمة.
وفي ظل هذه العناصر الستة أجد أننا أصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما الأول أن نترك القضية الفلسطينية بكل جوانبها كما هي دون أي تدخل حقيقي على أمل أن يعالجها عامل الزمن.
أما الخيار الثاني فهو أن نواصل إقامة خطوط التواصل القوية مع القضية والدفع بإتجاه تحريكها حتى تظل على الأقل في دائرة الضوء، وبما أن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي مصري فلا يمكن أن نركن للخيار الأول الخاص بالسكون والتجاهل وعلينا أن نتبنى بصفة دائمة الخيار الثاني وهو السعي لتحريك القضية رغم كل المعوقات.
ومن المفيد هنا إلقاء الضوء على محاولة متكاملة الأركان تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أن القضية المركزية في المنطقة لم تعد القضية الفلسطينية، بل أصبحت قضية إيران ودورها الإقليمي ودعمها للإرهاب وسياساتها النووية، ومع تسليمنا بخطورة الدور الإيراني وضرورة تحجيمه إلا أن هذا الأمر يجب ألا يجور على أولوية القضية الفلسطينية التي يجب أن تظل القضية العربية الأولى مهما يكن حجم المشكلات الأخرى، ويجب ألا تركن الدول العربية إلى محاولات تهميش هذه القضية وإلقائها في دائرة القضايا المنسية.
ويظل السؤال الذي يراود كل المهتمين بهذه القضية هل هناك إمكانية لتغيير واقعها الحالي إلى الأفضل وما هي الخيارات المتاحة وفي هذا المجال أرى أهمية ألا نصل إلى مرحلة الإحباط التي من المنطقي أن تعتري بعض المتابعين لهذا الملف، ولكن من غير المسموح أن يصل هذا الإحباط إلى القيادات العربية والفلسطينية المسئولة تاريخياً عن هذه القضية، وبالتالي أرى أن لدينا خيارين رئيسيين يجب أن نسير فيهما بالتوازي وذلك كما يلي:

الخيار الأول: بلورة مشروع متكامل للمقاومة السلمية يركز على قضية الاحتلال الإسرائيلي ويتم ترجمته على الأرض وتفعيله بشكل متواصل على أن يراعي ابتعاده التام عن العنف وعن الانتماء إلى أي تنظيم أو فصيل، وألا يتطور الأمر إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
الخيار الثاني: التركيز العملي فلسطينياً وعربياً على كيفية وآلية استئناف المفاوضات مع إسرائيل أكبر المستفيدين من توقفها، ولعلي عندما أتساءل بينى وبين نفسي عن المزايا التي حققناها من جراء توقف المفاوضات أكثر من أربع سنوات لا أجد سوى إجابة واحدة من وجهة نظري وهي أن وقف التفاوض طوال هذه الفترة كان أكبر خدمة قدمناها للجانب الإسرائيلي الذى أحمله أيضاً مسئولية فشل المفاوضات السابقة.
وأخيرا، فهناك رسالتان لابد من توجيههما: الرسالة الأولى إلى كل من يخشى ما يسمى بصفقة القرن وأؤكد لهم أن القيادة الفلسطينية ومعها القيادات العربية لم ولن تفرط بالثوابت المعروفة، وبالتالي فإذا لم تتماش هذه الصفقة مع ثوابتنا فإن الرفض الفلسطيني والعربي لابد أن يكون هو حائط الصد أمام وأدها ولن تستطيع أية دولة في العالم أن تفرض التسوية بالقوة.
الرسالة الثانية إلى التنظيمات والفصائل الفلسطينية ومفادها إذا كان الإنقسام الفلسطيني يعد في صالح القضية فلا مانع من أن يحرص الجميع على إستمراره, أما إذا كان هذا الانقسام نكبة جديدة فلاشك أن استمراره يعد خيانة للوطن ولمستقبل أجيال فلسطينية قادمة، ومن المؤكد أن كل وطني مخلص يرى أن الانقسام كارثة للقضية الفلسطينية ومن ثم أطالب أصحاب القرار الفلسطيني أن يقدموا التنازلات المطلوبة من أجل إنهاء هذا الانقسام في أسرع وقت ممكن وإستثمار الجهود المصرية المخلصة في هذا الشأن حيث إننا وصلنا للأسف إلى مرحلة أصبحنا نتحدث فيها عن ضرورة إنهاء الانقسام بنفس روتينية حديثنا حول ضرورة انهاء الاحتلال الاسرائيلي.