الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما بعد قانون القومية اليهودية

نشر بتاريخ: 30/07/2018 ( آخر تحديث: 30/07/2018 الساعة: 13:09 )

الكاتب: عماد عفانه

"أكرر هذه دولتنا، هذه هي الدولة اليهودية، لكن في الآونة الأخيرة هناك اشخاص يزعزعون استقرار أسس وجودنا وحقوقنا، لذلك قمنا اليوم بنقش هذا القانون في الصخر، هذه بلنا، هذه لغتنا، هذا هو نشيدنا وهذا هو علمنا" بهذه الكلمات المفعمة بالروح القومية دشن نتنياهو قانون القومية الصهيوني الذي منح اليهود في "اسرائيل" فقط حق تقرير المصير، مستثنيا القوميات الأخرى، كالفلسطينيين مسلمين ونصارى وحتى الدروز الذين يخدمون في جيش صهيون.
يدعي الصهاينة ان هذا القانون يتماشى مع قرار الأمم المتحدة سنة 1947، لكن هذا القانون ينفي عن "اسرائيل" صفة الدولة الديمقراطية – الذي طالما تغنت به كواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط- ذات الحقوق المتساوية لكل مواطنيها، حيث ينزع هذا القانون العنصري حق المساواة في الحقوق، ويحول كل المواطنين الأصليين من غير اليهود الى اقلية ذات حقوق من الدرجة الثانية، حيث أصبح للتمييز العنصري قانون يحميه.
وهنا تكمن فرصة لنا للطعن في صورة الكيان الصهيوني في الغرب على ان قانون القومية الصهيوني يكرس الطبيعة اليهودية الأساسية للدولة ويثير أسئلة مهمة في التزام الحكومة في المدى البعيد في هويتها التعددية وطبيعتها الديموقراطية، والعمل على نسف الصورة السائدة عن الكيان في الغرب التي تزعم أنها تحترم حقوق جميع مواطنيها بما فيها الأقليات العرقية والدينية.
وهذه فرصة أيضا لتقويض دعم الكيان الصهيوني في الغرب خصوصا في أمريكا، لأن هذا القانون حول بالفعل الكيان إلى دولة فصل عنصري، ويقلل من الطبيعة الديمقراطية للكيان ليس بالنسبة للأقليات العرقية أو الدينية فقط، بل حيال الطوائف اليهودية الأخرى كالمحافظين والإصلاحيين والارثوذكس الذين ليس لهم صوت مسموع في الكيان.
أسباب الخلاف والشقاق حتى داخل المجتمع اليهودي كثيرة، فهم كما قال فيهم القران الكريم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، فاليهود الأمريكيين غير مسموح لهم بممارسة يهوديتهم في إسرائيل بالشكل الذي يمارسونها فيه في أمريكا، فما هو مقبول في أمريكا ليس مقبول في "اسرائيل"، وهذا يخلق قطعا في الروابط، إضافة إلى قلق اليهود الأمريكيين الجالية الأكبر خارج الكيان، هو عجز الكيان عن التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين حتى الآن، وصولا إلى أن يكف اليهود الأمريكيين عن الفخر "بالدولة" الديمقراطية" الليبرالية الغربية ببساطة لأن هذا القانون يجعلها "دولة" اقصائية، ف20% من العرب في الكيان سيعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.
الاعلام الغربي والأمريكي تحديدا لا يركز كثيرا على القضايا الخارجية، فأمريكا شبه القارة لديها من الاحداث الداخلية وإدارة ترامب الفضائحية والأخيار العاجلة ما يصرفها عن التركيز على عنصرية قانون القومية اليهودي، وما لم نتحرك نحن الفلسطينيون ومعنا كل أنصار حقوق الانسان فلن يعيرنا الاعلام الأمريكي الذي يعاني من سيطرة يهودية كبيرة أهمية ولا تركيزا.
بالطبع ليس هناك تعويل على مناصرة الجالية اليهودية في أمريكا للحق الفلسطيني فهم عمليا يخدمون في الجيش الصهيوني ولديهم ولاء قومي، لكن على الأقل يجب بث أجواء الخلاف وتعظيم مسائل الاختلاف واللعب على هذا الوتر كثيرا لإضعاف التأييد "لإسرائيل" في المجتمع وفي السياسة على حد سواء شيئا فشيئا.
كما يمكن اللعب على الوقت على أمل التغيير، والاستمرار في فصح الكيان إلى أن تنضج ظروف التي يضطر فيها لشطب وإلغاء هذا القانون العنصري.
فقانون القومية لمن لا يعلم حاول الكيان العبري تمريره ابان عهد بارك أوباما إلا أنه لم يستطع، وفي ظل إدارة ترامب نحج الكيان في الحصول على غطاء قانوني لتمرير قانون القومية، وربما تأتي إدارة أخرى لا تتماشى كثيرا مع السياسات الصهيونية تضطر معها الدولة العبرية لإلغائه تحت وقع الضغوط والانتقادات، وحتى ذلك الحين يجب الاستمرار في فضح وعزل الكيان الصهيوني دوليا حتى تنضج ظروف أفضل.
تجدر الإشارة الى ان اغلب الجالية اليهودية في أمريكا تؤيد حل الدولتين وتعتقد ان استمرار إسرائيل منوط بتطبيق حل الدولتين، ويأتي هذا القانون الذي لا يضع حدا للاستيطان لينهي عمليا حل الدولتين.
كما يزيد هذا القانون عزلة اليهود في أمريكا الذين يواجهون هجوما أمريكا داخليا على خلفية تأييدهم لإدارة ترامب التي تحارب الهجرة والمهاجرين.
الا انه من إيجابيات هذا القانون العنصري انه أنهى وهم التعايش الفلسطيني في الداخل مع الكيان والاندماج في المجتمع، فها هو النائب العربي في الكنيست زهير بهلول، يعلن استقالته واصفا البرلمان الاسرائيلي بالعنصري رافضا إعطاء الشرعية لهم، ووضع حدا لهذه الضبابية، وكشف هذا القانون الوجه الحقيقي للكيان العنصري، ووضع الفلسطينيين في الداخل في وسط المعركة على الوجود، الأمر الذي سيعقد حياتهم في البداية ولكنهم شاءوا ام أبوا فهم امتداد للساحات الفلسطينية المناضلة ضد الاحتلال وجودا لا حدودا.