الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا الهدنة (2/3)

نشر بتاريخ: 29/08/2018 ( آخر تحديث: 29/08/2018 الساعة: 12:42 )

الكاتب: ياسر المصري

وقد قدمت حماس في أكثر من مرة استعدادها لقبول ما هو مرفوض من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وتحديدا حركة فتح، ولعل الموقف الصادر من قبل موسى ابو مرزوق بتاريخ 15/10/2015 على قناة الجزيرة القطرية، والذي حمل مضمون صريح وواضح بالحديث أن جدار الفصل العنصري هو أحد الإنجازات الفلسطينية خلال الإنتفاضة الثانية، وقد كان بتاريخ 14/9/2015 قد صرح وزير حرب الإحتلال بوغي يعلون في صحيفة إسرائيل هيوم تصريحا نصه الصريح "ان الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية الحالية غير مرغوب بها وأن المطلوب قيادة فلسطينية لا تتحدث عن نهاية للصراع".
وعند الوقوف عند تصريح أبو مرزوق لقناة الجزيرة وما حمله من إشارات فهو جاء إستجابة لتصريح بوغي يعلون، وهو تصريح صريح لإمكانية قبول حماس بالعرض الإسرائيلي الذي عرض على الشهيد الراحل الرئيس عرفات، حين كان الأخير محاصرا بمقر إقامته بالمقاطعة / رام الله -العام 2003 ، حيث عرض عليه (من قبل دولة الإحتلال ووسطائها الغربيين لرفع الحصار عنه ووقف لإسائيل لعملياتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية) عرضان ورفضهما وأغلق الطريق عليهما ، والعرض الأول الدخول للمفاوضات على أساس الحدود المؤقتة ، ويكون جدار الفصل العنصري معلم تجسيد هذه الحدود المؤقتة بالضفة الفلسطينة ، والعرض الآخر أن يذهب من الضفة إلى قطاع غزة لإدراة السلطة من هناك ، وقد واجه الراحل الشهيد عرفات التهديدات والحصار على أن يقبل بأي من هذين العرضين ، وقضى شهيدا وهو رافضا لكل العروض الإسرائيلية التي كانت تحمل مضامين إنهاء الحلم الفلسطيني بقيام الدولة المستقلة كاملة السيادة ، وهذا ما جعل الإحتلال يصفه بالعقبة ام السلام ، والمقصود بالسلام بحسب التفسير الإسرائيلي هو ذلك الذي يترجم الإستسلام الفلسطيني أمام المطامع والوجه الإحتلالي المستقبلي .
وحماس بتصريح موسى أبو مرزوق تعلن قبولها بما رفضه الراحل الرئيس عرفات ، بقبولها بالحل على أساس الحدود المؤقتة وبأن يكون جدار الفصل العنصري معلم هذه الحدود ، وهو بذلك تجاوز لكل المعاناة الفلسطينية لآلاف الأسر وعشرات القرى التي حاصرها الجدار وألتهم أراضها ولقمة عيشها ، وتجاوز بذلك أيضا ما قامت دولة الإحتلال بمصادرته من منابع المياه الفلسطينية التي أصبحت بعد الجدار تقع غربيه ، ولم يكن هذا التصريح سوى إستجابة لتصريح بوغي يعلون في تلك الفترة ، لتعرض حماس نفسها كبديل تفاوضي عن منظمة التحرير الفلسطينة والقيادة الفلسطينية (تفاوض مباشر أو غير مباشر).
إن دولة الإحتلال لم تغير من نظرتها لقطاع غزة منذ عشرات السنوات وحتى هذه اللحظات ، وللتذكير بهذه النظرة أكتفي بعرض تصريح إسحق رابين (1989) إبان الإنتفاضة الأولى حين كان وزير حرب دولة الإحتلال في حكومة الإئتلاف الوطني أنذاك ، عبر وسائل الإعلام عن أمنيته أن يستفيق ذات يوم ويجد البحر قد إبتلع قطاع غزة (وهذه أمنية كانت لدى غولدا مئير).
لم تتغير هذه النظرة من قبل دولة الإحتلال لقطاع غزة حتى يومنا هذا ، وقد كان نضوج وفهم حقيقي لهذه النظرة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح طوال العقود الأربعة الماضية ، ولتوضيح هذا النضوج والفهم يكفي الإشارة إلى تصريح القائد الوطني المرحوم هاني الحسن ، في معرض رده على سؤال من صحيفة الشرق الأوسط عن رد القيادة الفلسطينية على العرض الإسرائيلي برفع الحصار عن الرئيس عرفات شرط أن يجعل مقر إقامته في قطاع غزة ، وكان مضمون تصريح القائد المرحوم هاني الحسن "أن غزة جرح نازف ومطامع الإحتلال الحقيقة ليست في القطاع ، وأن إتفاق أوسلو قام في جزء منه على تحديد 18 موقع أثري وديني يهودي ، للسماح لليهود بزيارة هذه المواقع وكان 16 موقع موجودة في الضفة الفلسطينية ، وبالتالي إن فصل القطاع عن الضفة هو إعطاء الإحتلال الفرصة التي يحتاج لإطباق السيطرة على الضفة .
ان التوقيع من قبل حماس على الهدنة وفق التعريف الإحتلالي بالدلالة والأثر ، وبالمعنى الحمساوي بالحاجة والمكسب السياسي الواهي ، يكون هذا السبيل الكفيل بأن يحصد الإحتلال ما سعى ويسعى له منذ فترة طويلة ، عبر الدخول لأوسع وأقرب الطرق لإنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية على خطوط الرابع من حزيران من العام 1967 .
فإذا كان إتفاق أوسلو قد غير شكل الصراع على صعيد المنطقة وطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي ، فإن هذه الهدنة وبغض النظر عن تفاصيلها ستحول الصراع وستجعله محسوما لجهة الإحتلال من حيث إعادته إلى حيث أراده الإحتلال منذ البداية( قضية إنسانية ) ، وبهذا ستعود قضية اللجوء الفلسطيني إلى حيث أرادتها الحركة الصهيونية منذ البدايات (الحاجة لحل إنساني) وهذا يتنافى مع الأساس الذي قامت عليه منظمة التحرير الفلسطينية ، حيث أنها ارتكزت على محوريين أساسسين (التمثيل واللجوء) ، وطالما ان التمثيل قامت حماس بخرقه وحاولت كثيرا تفتيته وتبديده من حيث الإجماع وبعده السياسي ، فهي اليوم تقدم اللجوء وفق التعريف الإسرائيلي ، وقد يكون تصريح بنيامين نتنياهو قبل يومين ، من أن صفقة القرن لم تعد ملحة ، ومن هنا تكون الهدنة بالبعد الوطني أخطر من قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس .
فإخراج القدس من طاولة المفاوضات كما سعت لذلك أمريكيا ترامب والحكومة الدينية المتطرفة في تل أبيب ، وهذا القرا الذي أجمع العالم أجمع أنه متنافي ومتعارض مع أي فكرة لحل الصراع العربي الإسرائيلي ، فإن الهدنة تتجاوز هذا القرار وتفتح الطريق لإعادة تعريف اللجوء الفلسطيني إلى قضية إنسانية.