الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

تراجع القضاء المدني واستقواء القضاء العسكري

نشر بتاريخ: 22/09/2018 ( آخر تحديث: 22/09/2018 الساعة: 13:40 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

قبل أيام صدر القرار التفسيري رقم 20182 الصادر عن المحكمة الدستورية. وقد صدر القرار بغالبية 4 قضاة مقابل 3 قضاة وليس بالإجماع. ويحدد القرار في صفحات كثيرة وملخصها أن جهازي الشرطة والأمن الوقائي (الشرطة المدنية) سيخضعان للقضاء العسكري. ولو أن هناك أي مدني إعتدى على رجل الشرطة فعلا أو قولا ( يمكن أن يكون نشر على الفيس بوك أو مواقع التواصل الاجتماعي). فإن المواطن المدني سيخضع لمحاكمة عسكرية !! 
ونحن نسأل الاّن: ما قيمة هذا القرار بعد انضمام فلسطين للمواثيق الدولية؟ وكيف يمكن محاكمة مدنيين فلسطينيين في الداخل والخارج (سياسيين أو صحافيين أو ناشطي معارضة) أمام محاكم عسكرية لأمن الدولة !!!
توقيت القرار، في الوقت الذي يتوجه فيه الرئيس عباس الى الأمم المتحدة للمطالبة بتنفيذ دولة ديموقراطية على الارض.. غير مفهوم. كما أن المواطن غير جاهز لهذه القرارات لعدة أسباب نذكرها الان على شكل نقاط للتفكر.
- لماذا تعمل جهات عدة على دعم وتقوية القضاء العسكري رغم أن كل السلطة قائمة الاّن على وجه أمني وعسكري من ناحية الميزانية ومن ناحية المراسيم ومن ناحية الواقع العملي؟ وما ينقصنا هو الحكم الرشيد وعدالة التوزيع وليس المزيد من القرارات العسكرية والجنرالات والمرافقين.
- لماذا غاب المجلس التشريعي عن المشهد بصورة كاملة وكأنهم أعضاء في برلمان دولة اخرى ولا يعيشون هنا. لم أقرأ اي تعليق أو تعقيب من جانب أي عضو برلمان على هذه المواضيع. ولو إفترضنا ان المجلس لا ينعقد ومعطّل وهذا صحيح. فهل النائب معطّل؟ وحسب علمي لم يصدر اي مرسوم على تعطيل ذكاء النواب وممثلي الشعب بشكل فردي.
- الأستاذ المحامي داوود الدرعاوي (قاضي سابق) نشر على صفحته على الفيس بوك رسالة تعقيب على القرار أوضح من خلالها البعد الفقهي للتشريع القضائي وخطر القرار المذكور. وهي جديرة بالتفكّر لانها تحذر من عسكرة الحكم في ظل هذا التوجه.
- صحيح أن هناك صعوبة في الفصل ما بين سلوك العسكري خلال وظيفته وبين سلوكه في الحياة المدنية. وهي مسألة فقهية شاقة لان دوام إحساس العسكري بمسؤولياته لا يرتبط بساعات الوظيفة فقط. فهو حارس للقانون وعقوبته تكون أقسى تأديبيا، ولكن ليس بشكل مبالغ فيه وانتقامي لدرجة أن يندم العسكري على أنه دخل هذه الوظيفة ويتمنى كل يوم لو أنه مدني.
- الامر يتعلق بفقه القانون. والقرار لم يعرض على المجلس التشريعي ولا على الصحافة. ولم يأخذ حقه في النقاش.
- يأتي القرار بعد استقالات في رأس هرم المحاكم، وفي ظل "شعور" ان القضاء المدني يتراجع بقوة أمام قوة الاصلاح العشائري وأمام قوة القضاء العسكري وأمام محكمة الفساد التي تم تشكيلها بمرسوم رئاسي.. وهذا تلقائيا سيضعف النيابة العامة بشكل فوري.
- يعيش الفلسطينيون في الأرض المحتلة تحت قوانين عسكرية للاحتلال، وغير لائق الاّن تكثيف القضاء العسكري الفلسطيني مع فارق التشبيه. ولكن التزامن فيه مغامرة كبيرة غير محمودة النتائج. وحين تتقدم جرافة اسرائيلية لهدم منزل ضابط أمن لن يستطيع القضاء العسكري أو المدني حمايته.
- في قطاع غزة قوانين وأحكام ومحاكم لا تخضع لمحاكم السلطة في رام الله، وهو أمر لا يسقط بالتقادم، فلا حماس تعترف بالمحاكم العسكرية للسلطة ولا السلطة تعترف بقرارات المحاكم الفلسطينية في عزة، ولا اسرائيل كقوة احتلال تعتبر كلاهما.
- في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والمادية والسيكولوجية والسوسيولوجية، لا ينصح باللجوء الى قرارات حادة أو أحكام صارمة مبالغ فيها ضد الأفراد المدنيين او العسكريين بإستثناء الجرائم والجنايات الكبرى التي تهدد المجتمع.