الأربعاء: 11/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

تيتانيك ولحظة الهروب من السفينة .. صحفي تسبب في غرقها

نشر بتاريخ: 28/09/2018 ( آخر تحديث: 28/09/2018 الساعة: 17:29 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

ما سنكتبه اليوم ينطبق على حادث غرق السفينة اّر ام أس تيتانيك عام 1912 شمال المحيط الاطلسي , وان كان يحمل إسقاطات سياسية على المرحلة التي يمر بها العالم العربي اليوم .

الفلم الذي أخرجه جيمس كاميرون عكس أحداثا متخيّلة بشكل ملحمي كوارثي ومأساوي للحظة الغرق . حين يحاول كل فرد أن يهرب من الموت وينجو بنفسه . وكيف يواجه البشر لحظة الفقدان والخوف والتحطّّم والضياع الأبدي .
وقد لفت انتباهي سلوك البشر وفق وظيفتهم ( وليس وفق طبيعتهم ) في لحظة يفترض أنها حاسمة وأخيرة , حيث ينسى الإنسان تكوينه الداخلي الآدمي وينصاع لوظيفته بطريقة "غبية" لا يمكن تخيلها .
الصحفي الذي لا هم له سوى الحياة الطفيلية على ظهر السفينة أراد الحصول على السبق الصحفي بأي ثمن ، وهمس في أذن القبطان بأنه يمكن أن يزيد السرعة والمخاطرة للحصول على عناوين الصحف في نيويورك ، وشجعه مالك السفينة ( الصحفي ومالك السفينة أول من هربا بقوارب النجاة عند الاصطدام ) .
الفرقة الموسيقية التي ظلّت تعزف حين تكسّر ظهر السفينة , تشبه الحكومات . فالحكومات تعزف موسيقى تم التحضير لها مسبقا حتى الرمق الأخير . والمشهد سريالي بحت ، حيث يصرخ الناس ويسقطون في الماء البارد ويلقون حتفهم وحامل عصا الاوركسترا يواصل النوتة ومن أمامه الطباّل وعازف الجيتار والسكسفون والبيانو والناي منفصلون عن الواقع تماما .
شرطة السفينة كان همها الوحيد منع الناس من النجاة . وعملوا كل جهدهم لترتيب لحظة الموت بشكل منظم للفقراء ، وتوفير قوارب النجاة للطبقة الغنية والحاكمة . كل هذا مقابل وعد من مالك السفينة أن يمنحهم قاربا واحدا يضمنون من خلاله النجاة وهذا ما حدث فعلا . ولم يتردد أحد رجال الشرطة في إطلاق النار وقتل ركاب من الطبقة الفقيرة حين حاولوا الوصول إلى قارب النجاة ، ولكنه ندم على فعلته وانتحر برصاصة في الرأس .

الأدوار صارت أهم من طبيعتنا البشرية في لحظة فارقة بين الموت والحياة .

الرجل الغني الذي يلعب دور عريس بطلة الفلم ، ولمّا حانت لحظة الموت لم يهتم لحبيبته وتركها مع شاب فقير تعبث بشرفها وحاول شراء ذمة الشرطة بالمال مقابل السماح له بالصعود لقارب النجاة ، لكن الشرطي رمى النقود في وجهه وصرخ : الأولوية للنساء والأطفال ( نساء الطبقة الراقية وأطفالها ) . فما كان من رجل الأعمال الغني سوى أن سرق طفلا باكيا على ظهر السفينة وقال للحرس انه يحمل طفلا ، وبالفعل نجحت الخطة فدموع الأطفال أهم بكثير من الأموال ، والعمل الخير الذي تفعله أهم من المال الذي تجمعه .

الثائر من الطبقة الفقيرة " ليوناردو دي كابريو " كان يقدر على النجاة ولكنه قرر أن يضحي بحياته من أجل فتاة " كيت وينسليت " عرفها قبل يوم واحد في ظروف عصبية كئيبة حين كادت تنتحر وهي من طبقة مختلفة . وفي حالتنا اليوم نستطيع القول ان دي كابريو يشبه المقاتلين الثائرين العرب الذين يفتقدون للإستراتيجية وان الممثلة كيت وينسليت تشبه السلطة المتوفرة بسهولة في بعض الاحيان ولكنها فرصة خطيرة قد تكلف المرء حياته .

القبطان ، واجه الموت بصمت ورفض الهروب ، فالتهمته الأمواج الباردة ، كما تلتهم سمكة قرش قطعة من اللحم تطفو على سطح الماء في طريقها .

صرخت إمرأة مستحدثة النعمة في قارب النساء الأرستقراطيات : دعونا نرجع لإنقاذ أزواجنا !! فردت النسوة الراقيات أن القارب لا يحتمل المزيد من الناجيين . وهددوها اذا لا تخرس فإنهم سيلقون بها في البحر .