السبت: 18/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الضمان الاجتماعي "نظام حماية وتكافل" للعمال وذوي الدخل المحدود

نشر بتاريخ: 30/10/2018 ( آخر تحديث: 30/10/2018 الساعة: 11:56 )

الكاتب: سامر سلامه

بعيد عما أثير ويثار حاليا عن قانون الضمان الاجتماعي والتجاذبات بين مؤيديه ومعارضيه، هذا القانون الذي جاء كنتيجة لحوار إجتماعي مسؤول شارك فيه كافة الشركاء الإجتماعيين دون إستثناء من ممثلين عن الحكومة وأصحاب الأعمال والعمال ومؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية، يعتبر من أهم إنجازات الحكومة وشركائها الإجتماعيين جميعا. 
هذا القانون أصبح نافذا منذ توقيع السيد الرئيس عليه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. ومنذ ذلك التاريخ قد بدأ العمل به عبر تأسيس مؤسسة الضمان الإجتماعي التي ستعمل على إنفاذ القانون. هذه المؤسسة الوطنية المستقلة تماما عن الحكومة تتمتع بإستقلالية إدارية ومالية ويشرف عليها مجلس إدارة يمثل كافة الشركاء الإجتماعيين لضمان نزاهة وشفافية وإستقلالية المؤسسة. فإنني وفي ظل الحراك الأخير سأناقش موضوع الضمان الاجتماعي من زاوية أخرى غير تلك القانونية أو زاوية المآخذ على بعض بنود القانون أو الفجوات الموجودة به، وإنما سأركز الطرح على أهمية هذا الضمان كمنظومة متكاملة للحماية الإجتماعية للعمال وكأداة فعالة لضمان حقوق ومستقبل الطبقة العاملة وذوي الدخل المحدود.

فالضمان الإجتماعي هو حق طبيعي لجميع العاملين في سوق العمل الفلسطيني الذي كفله القانون الأساسي (الدستور) الفلسطيني. كما أن قانون العمل الفلسطيني قد كفل أيضا هذا الحق. ويعتبر إنجاز قانون الضمان الإجتماعي الفلسطيني بالرغم من تأخره لأكثر من عشرين عاما، إنجازا لا بل إنتصارا للطبقة العاملة الفلسطينية. 
لذلك فإن تطبيق القانون أصبح مسؤولية وطنية وحق مقدس للطبقة العاملة في فلسطين. ولتوضيح الأمر فإنه علينا أن نعي بأن صندوق الضمان الإجتماعي هو صندوق تكافل وليس صندوق إدخار أو إقراض. وعليه فإن هذا الصندوق سيشكل أهم أداة للحماية الإجتماعية للعاملين في سوق العمل الفلسطيني. كما أن مؤسسة الضمان الإجتماعي ستساهم بشكل فاعل في الرقابة على تطبيق قانون الحد الأدنى للأجور هذا الموضوع الذي يعتبر أولوية وطنية لإنصاف العاملين في سوق العمل. أضف إلى ذلك أن منظومة الضمان الإجتماعي ستساهم في تنظيم سوق العمل الأمر الذي سيعزز من حماية العاملين الأساسية. 
وعلينا أن لا ننسى أن الضمان الإجتماعي سيساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تعزيز السلم الأهلي والإستقرار الإجتماعي ويمكن أن يكون الخيار الوحيد لإستعادة حقوق عمالنا داخل الخط الأخضر. ومن أهمية الضمان الإجتماعي أيضا أنه سيصبح بديلا عن مكافئة نهاية الخدمة الواردة في قانون العمل، هذه المكافئة التي لا يحصل عليها العاملين في السوق غير المنظم ويتهرب من دفعها أو الإلتفاف عليها العديد من أصحاب أعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة. كما سيعمل الضمان الإجتماعي على تقليل أعداد الفقراء من كبار السن عندما يشملهم الضمان بعد حياة حافلة وطويلة من العمل. إذ تشير بيانات وزارة التنمية الإجتماعية أن هناك ما يقارب 110 آلاف أسرة تحصل على إعانات مالية من الوزارة في ظل غياب أي منظومة للضمان الإجتماعي في فلسطين.

أما فيما يتعلق بثقة الجمهور بمؤسسة الضمان الإجتماعي والتي تعتبر ضعيفة حتى الآن وخاصة أن المؤسسة لا تزال في بداية الطريق. إلا أن مؤسسة الضمان الإجتماعي تتمتع بأربع مستويات من الحماية التي من شأنها تعزيز ثقة الجمهور بالمؤسسة في المستقبل القريب. 
وهذه المستويات هي: أولا ضمانة الحكومة لجميع المخاطر على المؤسسة (وهذا كان مطلبا جماهيريا في إحتجاجات العام 2016)، وثانيا مجلس الإدارة الذي يتكون من ممثلين عن كافة الأطراف الحكومية والعمال وأصحاب الأعمال والمجتمع المدني. هذه التركيبة متعددة الأطراف ستعزز من نزاهة وشفافية المؤسسة وستحقق التوازن المطلوب داخل المؤسسة ومنع إستحواذ أي طرف على قراراتها، وثالثا الحافظ الأمين المتمثل بأحد أكبر البنوك الوطنية الفلسطينية الذي سيعمل على حفظ وحماية أموال الضمان ومنع التصرف بها من قبل أي جهة، ورابعا الرقابة المجتمعية والتي تعتبر من أهم مستويات الحماية للضمان إذ يعتبر المجتمع الفلسطيني مجتمع ديناميكي وواعي ويتفاعل إيجابيا مع قضاياه العامة وسيشكل جدارا واقيا من أي قرارات يمكن أن تضر بمصلحة العمال المنتسبين للضمان.

أما فيما يتعلق بالمنافع التأمينية فإن لمنظومة الضمان الإجتماعي عدد من المنافع التي تعتبر ضرورية وتحقق أهم متطلبات الحماية وعددها سبعة سيتم تطبيق ثلاث منافع منها في المرحلة الأولى، في حين سيتم تطبيق الأربعة الأخرى في المرحلة الثانية. ومن هذه المنافع التأمينية أولا تأمين الشيخوخة والوفاة والعجز الطبيعيين وثانيا تأمين اصابات العمل وثالثا تأمين الأمومة. ولهذه المنافع الثلاث بعد تأميني وحماية إجتماعية أيضا. اما المرحلة الثانية فسيتم تأمين العمال على أربع منافع تأمينية هي التأمين على المرض والتأمين الصحي وتأمين البطالة وتأمين التعويضات العائلية. كل هذه التأمينات ستعزز من حماية العاملين وتقلل من القلق على مستقبله وورثته من بعده. وبمقارنة هذه المنافع التأمينية بما سيقتطع من العامل فإننا نجد أن قيمة المنافع أعلى بكثير مما يقتطع منه إذ سيتحمل صاحب العمل الجزء الأكبر من هذه التغطية التأمينية كجزء من حق العامل الطبيعي في الحصول على تلك المنافع وتحمل صاحب العمل المسؤولية الأكبر عنها.

إنني أعتقد أن صندوق الضمان الاجتماعي يمكن أن يشكل نموذجا فعالا للشراكة ما بين القطاع الخاص والعمال تحت إشراف مجلس إدارة مؤسسة الضمان وضمانة الحكومة الفلسطينية نحو إنشاء محفظة استثمارية ضخمة تساهم في إنعاش الاقتصاد الفلسطيني لما فيه مصلحة الطبقة العاملة في فلسطين.