الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

"نتنياهو ودويلة غزة"

نشر بتاريخ: 25/11/2018 ( آخر تحديث: 25/11/2018 الساعة: 22:13 )

الكاتب: السفير انور عبد الهادي

نتنياهو في الحقيقة مُنظِّر أيديولوجي -منظر لفكرة "أرض إسرائيل". ومنذ اللحظة التي تولى فيها منصبه في العام 1996، وبالتأكيد منذ عودته إلى السلطة في العام 2009، كان مصمماً على منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أي قطعة أرض بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وينظر نتنياهو إلى هذا على أنه مهمة تاريخية، والتي سلمها إليه والده، الذي استلمها بدوره من الزعيم الصهيوني الراحل زئيف جابوتنسكي. وفي "أرض إسرائيل"، تكون السيادة اليهودية هي السيادة الوحيدة الممكنة. ومن أجل استمرار سياسته الزاحفة -وإنما الآمنة- لضم الأراضي الفلسطينية، يحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الهدوء، وليس إلى الحرب.
لكن نتنياهو ليس متحجّراً. إنه يعترف بالواقع. وهو يفهم أن المجتمع الدولي لن يقبل إلغاء لاتفاقية أوسلو إلى جانب تفكيك للسلطة الفلسطينية وقيام إسرائيل بضم الضفة الغربية. وحتى في ظل حكم دونالد ترامب، الذي فعل الكثير لتشجيع هذا المشروع أكثر من أي رئيس أميركي سابق، فإن الاعتراف الدولي بعملية تؤدي إلى تدمير السيادة الفلسطينية هو أمر مستحيل.
وهكذا، فإن ما يجب أن يفعله نتنياهو هو كسب الوقت -من جهة، للدخول في عملية سياسية تصنع جموداً عميقاً، ومن جهة أخرى، للاستمرار في مشروع الاستيطان وخلق حقائق على الأرض في الضفة الغربية والقدس الشرقية، على أمل أنه لن يكون هناك، في غضون 10 سنوات أخرى، أي خيار آخر سوى دولة إسرائيلية تستأثر بحكم وحيد وحصري على "أرض إسرائيل" التاريخية.
منذ أوائل التسعينيات، تطمح إسرائيل إلى قطع غزة عن الضفة الغربية عن طريق حجب تصاريح الخروج وفرض الإغلاق، ومن خلال حصارها القاسي المفروض على قطاع غزة. وكانت الفكرة هي أنه طالما ظل جزءا الجسد السياسي الفلسطيني منفصلين عن بعضهما بعضا، فإن قدرة منظمة التحرير الفلسطينية، والفلسطينيين بشكل عام، المطالبة بالدولة سوف تتلاشى.
تشكل حقيقة وجود حكم حركة حماس في غزة ومنجم ذهب سياسياً لكل من يرغب في إخراج أي عملية تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة عن سكتها. ونتنياهو، كما رأينا، هو بالضبط هذا هدفه .
وهكذا، من وجهة نظر نتنياهو، يشكل الحفاظ على حكم حماس في غزة رصيداً استراتيجياً من الدرجة الأولى. وفي رأيه، ستكون أي عملية يُرجح أن تؤدي إلى إقامة دولة مستقلة في غزة، منفصلة عن الضفة الغربية، نعمة حقيقية لتنفيذ صفقة القرن .
واهتمام نتنياهو المفاجئ بـ"إعادة تأهيل" غزة - هو أيضاً الذي جعله يوافق، تحت عيون الكاميرات، على دخول حقائب محشوة بنحو 15 مليون دولار أرسلتها دولة قطر، والمخصصة فقط لدفع رواتب موظفي حماس في غزة.
وهذا يفسر السبب في أن نتنياهو تراجع عن استمرار عدوانه على غزة ورغم كل ذلك فإن موقف الرئيس محمود عباس الصلب في رفض سياسة نتنياهو وترامب بمايسمى صفقة القرن سيكون الحاسم في منع إقامة دويلة غزة وسيفشل هذا المخطط الاسرائيلي الخبيث .