الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما المطلوب من الأمة الإسلامية في رمضان؟

نشر بتاريخ: 12/05/2019 ( آخر تحديث: 12/05/2019 الساعة: 10:09 )

الكاتب: د.محمود الفطافطة

إن شهر رمضان يُمثل فرصة ذهبية لإحياء القلب وعمارته بالإيمان، والانطلاق في "رحلة السير إلى الله"، رحلة نفر فيها إلى الله لا أن نفر من الله… علينا أن نتعامل مع رمضان بطريقة أخرى؛ طريقة نقترب فيها إلى الله، ونجدد العزم والتوبة والإخلاص والعمل الصالح، وما دون ذلك، سيبقى حالنا على ما هو عليه من ضنك وعجز وتراجع.
إن شهر رمضان فرصة قد لا تعوض لترويض النفس وتزكيتها، فإن ضاعت هذه الفرصة من المسلم؛ فأي حال سيكون عليه قلبه وإيمانه؟ فمن لم يحيي قلبه في رمضان فمتى يحييه؟ ومن لم يتزود بالإيمان في رمضان فمتى يتزود؟
عند الحديث عن شهر رمضان ومكانته، عادة ما يُطرح سؤالا يتعلق بمدى ارتباط هذا الشهر مع واقع وحال الأمة الإسلامية. وعلى ذلك نجيب أنه إذا كان رمضان فرصة عظيمة لعودة الفرد إلى ربه، وتجديد عهده معه، واستقامته على أمره، فرمضان، كذلك، فرصة هائلة لتغيير الأمة وإخراجها من المأزق العصيب، والنفق المظلم الذي تسير فيه منذ عقود وعقود.
إن الأمة الإسلامية بحاجةٍ إلى مشروع تلتف حوله، وتعيد من خلاله بناء عزها ومجدها السليب، وهنا تظهر القيمة العظيمة لشهر رمضان لو أحسنت الأمة التعامل معه. فنحن نرى يومياً ما يجري في الأرض المقدسة فلسطين من سفكٍ للدماء، وهدم للبيوت، وتجريفٍ ومصادرة للأراضي والعقارات، وإذلال للناس، والتضييق عليهم، وسواها من جرائمٍ ترتكب على أيدي أبشع احتلال عرفته البشرية.
من المؤكد أن المسلمين في ضيقٍ شديد وهم يرون هذا كله، ويرون، كذلك، آلات القتل والتفتيت والفتنة الغربية والصهيونية الهادفة للقضاء على المسلمين أو ترويضهم، ومحو هويتهم والإفساح للمشروع الصهيوني ليهيمن على مقدراتنا وأوطاننا.
إني لأشعر بك أيها المسلم وأنت ترى نفسك مكبل اليدين لا تستطيع أن تفعل شيئا لإخوانك المسلمين المضطهدين في العديد من بلدان العالم. لعلك تساءلت كما نتساءل جميعاً: لماذا يحدث لنا هذا كله؟
لماذا تتكاثر الجراح وتتزايد في جسد أمتنا عاما بعد عام؟ أين أثر الدعاء الذي ندعوه ليل نهار؟ لماذا يتركنا الله حتى تستباح مقدساتنا وأوطاننا؟ أليس هو القائل (وَلَن يّجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). فلماذا يذيقنا هؤلاء الكفار والظالمين سوء العذاب؟ لماذا لم يكف بأسهم عنا وهو القادر المقتدر؟ ألم يقل سبحانه (وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ سُوٓءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥ).
لماذا يتركنا فريسة لأبناء القردة والخنازير يفعلون بنا ما يريدون؟ يذبحون أبناءنا ويهدمون بيوتنا‼ أسئلة كثيرة يتساءلها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ويريدون لها إجابة. فبماذا أجاب القرآن.
لقد أفاض القرآن في الإجابة عن تلك الأسئلة التي تموج في أذهاننا، وبين لنا بما لا يدعو مجالا للشك أن هناك سنناً وقوانين تحكم هذه الحياة، من استوفى شروطها طُبقت عليه. فمن يرد السعادة فطريقها قوله تعالى (فمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) ومن يترك طريقها يُطبق عليه قانون معيشة الضنك (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
وإذا ما بحثنا عن القوانين والسنن التي تجلب لنا العقوبات فسنجدها كثيرة، وتدور أسباب استدعائها حول تقصير العباد في حق ربهم، وارتكابهم ما يغضبه، كقوله تعالى (ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).
لقد كنا في الماضي أقوى أمة على ظهر الأرض. كان الكل يعمل لنا ألف حساب، ثم تراجعنا شيئا فشيئا إلى الوراء، لنصبح في ذيل الأمم‼ أتدرون لماذا؟
يجيب على هذا التساؤل الحديث النبوي الشريف (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ). (حب الدنيا هنا: كره الجهاد، وكراهية الموت: نسيان أو تناسي الآخرة).
ألا توافقني أخي أن الحديث ينطبق علينا، وأن الله عز وجل قد تركنا لأعدائنا بسبب ما أحدثناه؟ ألا ترى أننا جميعا نتحمل مسؤولية ما حدث ويحدث لنا؟
الم يتمثل فينا قول عليه السلام (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ).
وفي ظل هذا التشخيص الواقعي للحالة التي تعيشها الأمة الإسلامية، فإن نقطة البداية التي ينبغي أن نبدأ بها تنطلق من تغيير كل الأوضاع التي تغضب الله عز وجل، ولنعلم جميعاً أنه مهما اشتد الظلم والظلام فلن يغير الله ما يحيق بنا إلا إذا بدأنا نحن بتغيير ما بأنفسنا. ألم يقل سبحانه (إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم).
إن من لا يُغضب الله ويحافظ على أوامره ويتجنب نواهيه لا يعفى من المسؤولية العامة، فأمتنا كالجسد الواحد إذا مرض منه عضو أصبح كله مريضاً، فلا يكفي صلاحك الفردي، بل لا بد وأن يصاحب ذلك صلاح الأمة. لا يمكن تحقيق الخلاص الفردي إلا بخلاص جماعي. معنى ذلك أن عليك إيقاظ النائمين، وإعادة الشاردين إلى الله.
الكل يتساءل، ما العمل؟ إن العمل للخروج مما نحن فيه هو الالتزام بالدواء الرباني… إنه القرآن. فالله يخبرنا أنه أنزل دواءً يُقوم به المعوج من السلوك والتصورات والأفكار… دواءٌ يشفي القلوب ويزكي النفوس ويدفع للاستقامة. (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ). إنه الوصفة الإلهية لعلاج أمراض الأمة (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ).

ومما يزيدنا يقينا في قدرة القرآن على تغييرنا وإعادة صياغتنا وتشكيلنا لنكون من خلاله قوماً صالحين وأقوياء أن هناك قوماً استخدموه، وأحسنوا التعامل معه، ليجعل منهم أمة جديدة تقود الأمم في غضون سنوات معدودات. إنهم جيل الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا قبل إسلامهم أمة غريبة تغرق في الجاهلية وإراقة الدماء، لا يقيم لها الآخرون وزنا.
إنه القرآن الذي يقيناً سيعيد لنا الأقصى وفلسطين. سيعيد لنا العزة والمجد، وسينقلنا من ذيل الأمم إلى مقدمتها مرة أخرى لو أحسنا التعامل معه وأعدنا تشغيل مصنعه، وتفعيل معجزته. ولنعلم جميعا بأن الجيل الموعود بالنصر والتمكين لا يمكن أن يتخرج إلا من مدرسة القرآن كما حدث مع الجيل الأول.
المطلوب إذن، هو قوة دافعة تنطلق بها رحلتنا في العودة إلى الله من خلال القرآن.
من هنا تبرز قيمة شهر رمضان ودوره العظيم في استثارة الهمم، وإخراج الناس من حالة الفتور والسلبية والإحباط التي تنتابهم وتقعدهم عن العمل. فلتكن إذا، بدايتنا الجديدة مع القرآن في رمضان (قرآنا لا يُتلى فقط، بل يطبق). وليكن هذا الشهر عودة الروح لنا من خلاله.