الجمعة: 02/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

الواسطة والمحسوبية والاشاعة ومكافحة الفساد

نشر بتاريخ: 29/06/2019 ( آخر تحديث: 29/06/2019 الساعة: 20:08 )

الكاتب: عبد الناصر عطا

الواسطة والمحسوبية والاشاعة، كشكل من أشكال الفساد ظاهرة قديمة في الامم، حيث لا يكاد يخلو عصر من العصور من هذه الظاهرة، وهو أيضا أحد اسباب الفشل والضغف الذي يصيب أي مجتمع ويترك مضاعفات مرضية ويشكل عقبة رئيسية أمام الاصلاح والتنمية والاستثمار والتقدم السليم والنجاح ، وهي كظاهرة تتنافى مع مقولة "الرجل السليم في المكان السليم "، والفساد كظاهرة يشكل أحد أكبر المشكلات العالمية التي تجمع المؤسسات المحلية والدولية على اعتبارها عقبة تصيب المجتمعات العاجزة التي تتدنى بها الرقابة الحكومية، وضعف القانون، وغياب التشريعات، وقد ينشط الفساد نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها، وسيادة مبدأ الفردية بما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية على حساب الدور الأساسي للجهاز الحكومي بما يلغي مبدأ العدالة، وتكافؤ الفرص، والجدارة، والكفاءة، والنّزاهة ، وهي أيضا تضر وتدمر منظومة القيم والأخلاق ، ناهيك عما يسبّبه من شلل في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والّتي تنطوي على تدمير الاقتصاد ، وتضر أيضا في عملية التنمية والتقدم ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فقط بل في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي.
ان ظاهرة تفضيل الأقارب أو الأصدقاء والواسطة والمحسوبية موجودة في دول كثيرة وفي فلسطين أيضا ، وهي واحدة من أشكال الفساد الاداري اذ يتم دعم ومساندة شخص لا يستحق لشغل منصب وظيفي لا يستحقه وغير قادر على القيام به وتحقيق الهدف والمصلحة المرجوة منه ، اذ ان هذا الشخص لا يملك الامكانيات والخبرات لشغل هذا المنصب حيث تكون النتيجة كارثية وتنتج ضعف في الانتاجية ، وتقهقر في العمل وأخطاء متكررة وعلاقات غير سليمة بين الموظفين ، والخطير هنا عندما تكون بسبب الرشوة وليس لاسباب ذات علاقة بتأثير القيم الاجتماعية السائدة أو بسبب مساعدة صديق أو قريب أو نجدة ملهوف ، نشير هنا انه في مجتماعتنا العربية ومنها فلسطين قد تنامت هذه الظاهرة كأنعكاس سلبي لموروث إجتماعي كان وما يزال يمارس وفق معايير أخلاقية إيجابية في إغاثة الملهوف وفي إصلاح ذات البين ودرء المفاسد الاجتماعية وبتأثير القيم الاجتماعية السائدة مثل الولاء العائلي أو العشائري وإعادة إنتاجها دون إستجابة للمتغيرات المجتمعات الحديثة وفي حالات كثيرة نتيجة بسبب قلة الكفاءة ، مما يدفع المواطنين إلى البحث عن واسطة لتسهيل الحصول
على بعض الخدمات.
ومن هنا نفسر أنه قد جاء في مفهوم تجريم الواسطة في قانون النزاهة ومكافحة الفساد بأن الواسطة التي تذهب حقاً وتقر باطلاً ، وبمعنى آخر فأن المشرع ما زال يقر الجوانب الأيجابية للواسطة في مجتمع عشائري متجانس ومتكاتف في حل الخلافات ومساعدة الناس في اقتضاء حقوقها .
المحسوبية أخطر بكثير من الواسطة لأنها تنبع من متخذ القرار الأداري او السياسي سواء اكان ذلك في التعيين ام التنسيب الترقية ، وقد يكون الأقصاء او العزل مقدمة لمحسوبية اخرى بطريقة مباشرة ام غير مباشرة ، ولذلك جرم القانون المحسوبية وقبول الواسطة من الموظفين العموميين ، وكان الأجدر بالمشرع أو الجهة التي تسن القوانين ، أن تجرم قبول الواسطة وطلبها كي يتم سد منفذاً خطيراً وشائعاً واكثر اجحافاً بمبدأ سيادة القانون والمتمثل في طلب الواسطة من متخذ القرار الأداري في جريمة تكاد تقترب من الرشوة التي يعاقب فيها كل من الراشي والمرتشي معاً .
علينا ان نعترف وبمرارة بان المحسوبية استشرت في مفاصل المؤسسات العامة ،وفتكت بها أكثر ، خاصة مع تنامي الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة لكل ابناء الوطن ، واضحى مفهوم سيادة القانون مزاعم يكيلها الساسة هنا وهناك و تطبق بقدر يسير ولا يلقى لها بالاً، الا في بعض القضايا التي تظهر للجمهور او في وسائل الإعلام وتطفو على السطح للعامه وتظر للجمهوربشكل علني خاصة مع تقدم وسائل التواصل الاجتماعي ، بل اكثر من ذلك فقد كشفت الواسطة عن بشاعة المحسوبية في اضعاف الأمن الأجتماعي والأستقرار القيمي وأدت الى انتشار الاشاعه وأحيانا يغرق الحابل بالنابل) ويقع ظلما على البعض بسبب فساد اخرين ، والفقراء والمهمشين (من لا ظهر لهم ) وهم الضحية الاولى لأن المحسوبية تعمل لصالح الأغنياء والأقوياء ، مما يعني أنهم ضحية للحرمان ويصعب عليهم الخروج من حالة الفقر والبطالة والمعاناة، حيث تعزز المحسوبية والواسطة والشللية من حالات التهميش والفقر والاشاعة في المجتمع ومحاربتها هي إحدى الوسائل للتصدي لمشكلات الفقر، واللاتنمية ، والاشاعه.
تتابعت حكومات فلسطينة منذ نشات السلطة ، حكومات متعددة يستقبل الشعب الفلسطيني كل رئيس حكومة بالترحاب والتصفيق والمديح ، وبنفس القدر يشتم ويوجه النقد اللاذع للحكومة السابقة ، وربما هذه الصفه فقط موجوده عند قله قليله من دول العالم وعلى رأسها فلسطيبن .

إن نشر العدل والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ، واحترام الكفاءات واستغلالها وخاصه الشباب لهو سبب أساسي في بناء الدول ، وهذا بالعكس تمام ما يولده استخدام المحسوبية والواسطة والأخطر من كل هذا ان علاقة الموظف العام مع الوظيفة العامة والموقع العام تصبح علاقة نفعية مصلحية فردية مائلة بعيداً عن أخلاقيات واولويات البناء الوطني الخلاق .

ان عقوبة الواسطة والمحسوبية الواردة في قانون الخدمة المدنية وقانون ديوان الرقابه الادارية والمالية ، وهيئة مكافحة الفساد لا تحقق الردع ، والحل الأمثل والأسرع للقضاء على هذا الوباء الذي تمكن من خلايا الدولة ومفاصلها هو في سياسة العزل لكل من يطلب الواسطة او يقبلها او يمارس المحسوبية بأي شكل من اشكالها ، أو يسعى لشطب الكفاءات ، وبالتالي العمل على سن قانون يعطي القضاء الحق في تقرير عدم أهلية المسؤول او الوزير او شاغل الموقع العام البناء الطبيعي للدولة وأستقرارها وسلمها الأجتماعي.
علينا جميعا أن نعمل بجديه على بناء وطناً يتنفس العدالة الأجتماعية بنكهة الوفاء وعبير الأنتماء ، لا فرق فيه بين مواطن وآخر الا بحجم العطاء فنحن وفي ظل ممارسات الاحتلال من اعتداءات على كل شيء ، وصفقة القرن وورشة بعض العرب في المنامه ، ومحاولة تقسيم فلسطين مرة أخرى واللعب بقضية غزة واستغلال الانقسام ، وكل تلك الأسباب وغيرها تجعل الشعب الفلسطيني يعيش في ظلل تحديات كبيره جدا ، ففلسطين تستحق منا ان نتجرد من انانيتنا ، وأن نرتقي الى مستوى البناة الاوائل المؤسسين والشهداء الذي سطروا منذ بداية الثورة الأولى عام 1936 الى انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 الى الانتفاضة المجيدة عام 1987 وحتى يومنا هذا ، لنفكر جميعا ونقرر وبكل تفانٍ وأخلاص لنكون مخلصين صادقين اوفياء لشهداءنا وأسرانا وقدسنا ، لأجل بناء مؤسسات ومجتمع سليم خالي من الفساد الذي سببه الواسطة والمحسوبية وغيرها من الطرق غير القانونية .
وفي النهاية علينا ان ننوه على ان الاشاعات التي تطلق احيانا لها ايضا دور تدميري للمجتمع والدوله ، حيث ان الإشاعات لا تعني أن هناك دائما فساد،والفساد الحقيقي يحتاج دائما إلى إثباتات وأدلة ، ولا ننسى أن هدف الفساد دائما هو ايقاع الخلاف والفرفة في البيت الواحد والمجتمع الواحد ، ولنتذكر ايضا أن الشائعات والأكاذيب الملفقة تشكل خطراًكبيراً يهدد استقرار الدولة وأمن أجهزتها، فهي قادرة على خلق حالة من الفوضى والبلبلة في المجتمع، والتشكيك بمدى مصداقية وموثوقية الجهات المسؤولة في الدولة، ناهيك عن نشر الرعب والذعر في نفوس المواطنين، وصرف نظرهم عن قضايا هامة لا يريد المعنيون منهم الانشغال بها مثل صفقة العصر في الحالة الفلسطينية والاستيطان وتهويد القدس ومصادرة الاراضي والاعتقال وتصفية المشروع الوطني برمته .
فهناك قضايا فساد كبيره وربما لا يعرفها احد من عامة الناس حتى فئة المثقفين ، ولا يتم الكشف عنها في كل دول العالم الا بعد عقود من الزمن وهناك حالات اقصاء لكفاءات يقررها مسؤول أوزير،،، وتحياتي للحكومة والوزير والله هو المعين....

الكاتب : عبدالناصرعطا الاعرج