الأحد: 05/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الشراكة مع القطاع الخاص البديل الأفضل لبرامج التشغيل المؤقت

نشر بتاريخ: 31/10/2019 ( آخر تحديث: 31/10/2019 الساعة: 11:47 )

الكاتب: سامر سلامه

منذ العام 2007 وقطاع غزة يعاني من أزمة إقتصادية خانقة. وبالرغم من أن الأزمة تشمل كافة المناطق الفلسطينية بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية إلا أن أزمة القطاع تعتبر الأكبر والأخطر، إذ يعاني الإقتصاد الغزي من تحديات بنيوية تجعل من النهوض به صعب جدا مما دفع بالعديد من المنظمات والمؤسسات الدولية للتدخل بشكل طاريء للتخفيف من حدة الأزمة من خلال ضخ ملايين الدولارات في الإقتصاد الغزي ضمن برامج إغاثية يتربع على رأسها ما أطلق عليها برامج التشغيل المؤقت. حيث ساهمت منظمات ومؤسسات مثل الإغاثة الإسلامية ومجلس الكنائس وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي والأونوروا وغيرها من المؤسسات الدولية بملايين الدولارات لإيجاد فرص عمل مؤقتة للشباب والخريجين في محاولة للتخفيف من حدة الأزمة. وبالنظر إلى تلك البرامج ومقارنة ما يتم صرفه بالنتائج المترتبة على تلك البرامج، فإننا نجد أن الأثر الإنمائي يكاد يكون محدود جدا، الأمر الذي يفرض علينا أن نقف بمسؤولية كبيرة أمام تلك البرامج والبحث في أفضل السبل والوسائل للإستفادة من تلك الأموال بالشكل الذي نحقق من خلالها الأثر الإنمائي الحقيقي بما ينعكس بشكل إيجابي على تمكين الإقتصاد الغزي أو الفلسطيني بشكل عام من النمو وتوليد فرص عمل دائمة ولائقة لأكبر عدد ممكن من المتعطلين عن العمل.
بالرغم من أن ظروف وأسباب الأزمة الحالية معروفة للجميع إلا أنها لا تعتبر الأزمة الوحيدة أو الفريدة في العالم. إذ مرت العديد من الدول والشعوب بأزمات مشابهة وإستطاعت في نهاية المطاف من الإنعتاق من تلك الأزمات. وهنا لا بد من التأكيد أنه لا يمكن إحداث تنمية شاملة ومستدامة في ظل الإحتلال إلا أننا قادرون على التخفيف من حدة الأزمة من خلال سياسات وبرامج خاصة ذات بعد وطني. وهنا لا بد أن نستحضر النجاح الذي حققناه إبان الإنتفاضة الأولى بالرغم من أن الإقتصاد كان تابعا بشكل كامل للإحتلال أو بمعنى آخر فإن الإحتلال كان المسيطر الوحيد على كافة مقدرات الشعب الفلسطيني. فقد إستطعنا من بناء منشآت إقتصادية منتجة مثل المنشآت الزراعية في معظم المناطق الفلسطينية وتطوير بعض الصناعات التحويلية وإقامة مؤسسات الإقراض ذات الملكية التعاونية أو الخيرية وغيرها. وقد حققنا إلتفاف منقطع النظير حول تلك المؤسسات والمنشآت تمثل في تشجيع المنتج الفلسطيني ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية. كما أن منظمة التحرير الفلسطينية (الحكومة الفلسطينية في المنفى) قد جندت الأموال لدعم الإقتصاد في الأرض المحتلة من خلال تقديم مساعدات مباشرة لتلك المنشآت لتمكينها من الصمود ومواجهة الشركات الإسرائيلي. وبإعتقادي فإننا قد حققنا نجاحا منقطع النظير بالرغم من العديد من التحديات والقيود الذي فرضها الإحتلال على الإقتصاد الفلسطيني في ذلك الوقت. ومن هنا ما هو المقترح الآن؟
أولا لا بد من الإشارة إلى أن البنوك الفلسطينية والأجنبية العاملة في الأراضي الفلسطينية لديها إيداعات نقدية تصل إلى 12 مليار دولار أمريكي. ونظرا للظروف الصعبة التي يمر بها الإقتصاد الفلسطيني وإرتفاع نسبة المخاطرة بالمقارنة مع الإستثمار في الدول الأخرى فإن هذه البنوك تستثمر ما يقارب ثلث قيمة الودائع خارج فلسطين، الأمر الذي يفقد الإقتصاد الفلسطيني أهم موارده الذاتية المتمثلة في توفير السيولة النقدية وضخها في إستثمارات إقتصادية ذات جدوى إقتصادية تساهم في تحقيق النمو الكافي لتوليد فرص عمل كافية ولائقة للشباب والقادمين الجدد لسوق العمل. وللخروج من الأزمة وإنسجاما مع خطة الحكومة المتعلقة بالتنمية العنقودية فإن البحث عن صيغة جديدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يؤسس إلى واقع إقتصادي جديد وقادر على الإستفادة من موارده الذاتية. فالمطلوب إقامة شركات قابضة أو متخصصة ذات ملكية عامة وخاصة وبتمويل من البنوك المحلية للإستثمار في فلسطين. حيث تعمل الحكومة على تقديم التسهيلات اللازمة لتلك الشركات بالإضافة إلى تقديم الضمانات المطلوبة للبنوك، في حين يعمل القطاع الخاص على توفير موارده المالية والفنية والبشرية لإدارة تلك الشركات والإستثمار في كافة المحافظات في القطاعات التي تتميز فيها تلك المحافظات. هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمشاركة البنوك المحلية سيشكل نموذجا فلسطينيا فريدا ضمن رؤيا التنمية العنقودية مما يحقق التنمية الإقتصادية المحلية ويزيد من فرص العمل. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يمكن أيضا العمل وفقا للشراكة العامة والخاصة على توسيعها لتشمل دعم وتشجيع المنشآت الإقتصادية القائمة التي تمتلك فرص واعدة للتمدد والتعدد في إنتاجها وخدماتها. فعلى سبيل المثال يمكن التوسع في الخدمات الفندقية ضمن العناقيد السياحية ووتطوير صناعة الحجر والرخام ضمن العناقيد الصناعية ورقمنة شركات التسويق الزراعي ضمن العناقيد الزراعية وهكذا. فإن تمكين المنشآت الإقتصادية القائمة وتقديم التسهيلات المختلفة لها لتمكينها من التوسع الأفقي والعمودي في إنتاجها وخدماتها فإننا سنعزز من قدرة هذه المنشآت على النمو وخلق فرص عمل جديدة. هذا ولا يمكن أن ننسى ضرورة إيجاد الوسائل الخاصة لتعزيز البيئة الإستثمارية للرياديين الشباب وتقديم التسهيلات والمساعدات المالية لهم في إطار شراكات خاصة بين الشركات الكبيرة والناشئة من منطلق المسؤولية الإجتماعية نحو تعزيز فرص التشغيل الذاتي. هذه الشراكة سينتج عنها إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة تعمل على تقديم الخدمات الإسنادية والضرورية إلى الشركات الكبيرة الأمر الذي سيضاعف الأثر الإنمائي لتلك الإستثمارات. فعلى سبيل المثال تشجيع شركات التسويق الزراعي الكبيرة على إنشاء شركات صغيرة للنقل بالشراكة مع صغار المستثمرين أو الرياديين الشباب، سيعزز من الحصول على خدمات متميزة وفعالة لتلك الشركات من جهة وإيجاد فرص عمل ذاتية للرواد الشباب في الشركات الصغيرة من جهة أخرى.
إذا فإن توفير البديل لمشاريع التشغيل المؤقت من خلال إستثمار الأموال ذات البعد الإغاثي في شركات ومنشآت ذات بعد إنمائي بالشراكة بين القطاعين العام والخاص وبتمويل إضافي من قبل البنوك بضمانة الحكومة يمكن أن يشكل البديل الأفضل لتلك البرامج الإغاثية وسيعزز من فرص الإقتصاد الكامنة على النمو والتطور.