الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حروب السايبر بين الاحتلال والمقاومة

نشر بتاريخ: 15/01/2020 ( آخر تحديث: 15/01/2020 الساعة: 14:43 )

الكاتب: عماد عفانه

يبدو أن الملثم أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام أعطى أهمية لافتة لمهمة الناطق العسكري في مثل هذه الظروف، وأظهرت كتاب القسام حرفية لافتة في استخدام أدوات ووسائل تأثيرة في الرأي العام والإعلام والدعاية من أجل خدمة العمليات الميدانية، في الوقت الذي ظهر فيه أداء متزايد لشبكات التواصل الاجتماعي، كماً ونوعاً، مما أدى لحصول تغير في النظرة العسكرية، ما أجبر العدو الصهيوني للإعطاء أهمية لهذا الجانب واصدار هذه التوجيهات التي كشف عنها العدو على لسان رونين مانليس الناطق العسكري السابق باسم جيش الاحتلال، والتي وصفها بمشاريعه الاستراتيجية لخدمه معاركه في الفضاء الافتراضي للتأثير بشكل واسع على الجمهور:

- وأول هذه المشاريع هو إنشاء وكالة أنباء ديجيتال من الإعلام الجديد.

- وتشكيل غرفة عمليات تشرف على كل المنصات الإعلامية في آن واحد.

- تفعيل عمل أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش العدو باللغة العربية، بحيث تصل منشوراته لـ 24 مليون عربي.

- تكليف المتحدثين باسمه للتعليق على منشورات المقاومة في شبكات التواصل، دون أن يكون مقصودا إجراء مفاوضات معهم، بهدف الحرص على حضور روايته على المنصات العربية.

- ملاحقة المقاومين على منصات التواصل لكشف هوياتهم وأسمائهم على شبكات التواصل.

ومنبع هذا الاهتمام اللافت للعدو بحروب السايبر، هو اعترافه بأن حروبا جديدة تحصل على شبكة الانترنت، وفي هذه الحرب تنشط المقاومة الفلسطينية بقوة، من أجل ذلك يسعى العدو للجهوزية والتأثير على هذه الجبهة الهامة أيضاً.

فالمعركة بين الحروب تكون حين تغيب الحرب العملياتية على أرض الواقع، أما حروب السايبر فميدانها الإعلام والدعاية، فإذا حانت ساعة المعركة العملياتية، تكون الجبهات في الفضاء الافتراضي في أكمل جاهزية، فالاستعداد لساعة الصفر يكون في أكثر أوقات الهدوء مثالية.

وكي تخدم الرسالة الإعلامية العمليات التنفيذية على الأرض، يحرص العدو على منح الإعلام الأجنبي سبقا صحفيا يخص العلاقة مع العدو، لأنه معني بمنح سي إن إن هذه الأفضلية، حتى لو انزعج الإعلام الصهيوني، فهو يريد أن يتابعه الناس ويصدق روايته كل العالم من الولايات المتحدة إلى الصين.

مواجهة من نوع جديد بدأت بين الاحتلال والمقاومة في مجال الإعلام والشبكات العنكبوتية، وقد بدأت رحاها مع حركة حماس في الحرب على غزة عام 2014.

حروب السايبر تمثل معركة بين الحروب، فهي أقل من حرب حركية، وأكثر من حرب عملياتية واستخبارية سرية، ودورها كبير في التأثير على العدو وجبهته الداخلية.

ووصلت ذروة المواجهة الجديدة مع العدو مع القرار الجديد للمستوى السياسي الصهيوني بتوصية من الجيش وأجهزة الأمن بإقامة نشاطات وفعاليات أكثر اتساعا، تتزامن مع العمليات العسكرية "المعركة بين الحروب".

العدو نفذ في السنوات الأخيرة العديد من هذه المعارك بين الحروب العملياتية في عدة جبهات، أهمها سوريا ولبنان وقطاع غزة، وبالتزامن مع تنفيذ هذه العمليات كان العدو يستخدم سلسلة من الأدوات ذات العلاقة، بعضها علنية والأخرى سرية، بما فيها تكثيف نشاط مكتب الناطق العسكري كجهاز إعلامي للجيش، ثم جاء القرار بتوسيع رقعة عمله من إصدار البيانات العسكرية فقط إلى محاولة التأثير في جبهة المقاومة.

هذه القفزة في عمل مكتب الناطق العسكري للعدو لم تكن اختيارية أو طوعية، بل مسألة اضطرارية حتمية، وبتوصية قادة جيش العدو، السابق غادي آيزنكوت والحالي افيف كوخافي، بسبب الحاجة العملياتية له، وكذلك بسبب نشاط المقاومة اللافت في شبكات الانترنت، والتغيرات الكبيرة التي حصلت في هذا المجال.

وذلك بهدف تحسين الوضع الأمني والاستراتيجي للعدو، دون الوصول لمرحلة الحرب، نفذ العدو عمليات مكثفة كبيرة، قد لا يشعر بها الناس وعلى جبهات مختلفة.

وخلص العدو إلى أنه من الصعب الشروع بالحرب دون استخدام هذه الأدوات، بهدف إحداث التأثير على مختلف الجبهات، وباستخدام الآيباد والهاتف والحاسوب، لكونها أدوات بالغة التأثير في إيصال الرسائل الإعلامية واشعال المنافسة في جمع الإعجابات على المنشورات، ومشاركاتها، والتصريحات، حيث استغلت المقاومة هذه المساحة بشكل أفضل بكثير خلال السنوات الماضية، الأمر الذي كان بالإمكان لمسه في حالة الخوف التي تنتاب الجمهور الصهيوني عند كل خطاب يلقيه الملثم أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام على التلفاز، حيث يتحول خطابه الى عناوين رئيسية في وسائل الإعلام الصهيونية كما العالمية، مما يؤكد أن حماس استثمرت جهودا كبيرة في هذا الجانب.

خاضت إسرائيل حروبا سرية للتأثير على الرأي العام دون أن يظهر ذلك على هيئة نشاطات علنية، بهدف التأثير على صناع القرار في المقاومة، وها هو الجهد ينتقل لمحاولة التأثير على الجمهور الفلسطيني أيضا وليس التأثير على قيادته فقط.

لا شك أن الوضع الاستراتيجي للمقاومة لم يتحسن كثيرا منذ حرب الخمسين يوما 2014، إلا أن فترة الهدوء الطويلة، استغلتها المقاومة في استكمال أركان قوتها، ومراكمة عوامل وأسباب النصر، وضمان الجهوزية الكاملة في الميدان، جهوزية العنصر البشري بتجويد وتركيز التدريبات، وجهوزية السلاح بتصنيع المزيد منها استعداد لمعركة قد لا تقل طولا عن معركة الخمسين يوما 2014، رغم ان العدو يسعى لتقصير زمن الحرب لأقصر فترة ممكنة، تحاشيا الدخول في حرب استنزاف لجبهته الداخلية يعجز عن تحملها.

كما سجلت المقاومة تقدما لافتا في المجال الاستخباري، في كشف أساليب عمل العدو ما أسهم في كشف مخططاته وافشال عملياته وكشف عملائه، حيث يلعب الفضاء الالكتروني دورا هاما بتوظف هذه الإنجازات ضمن الحرب النفسية على جبهة العدو.