السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحياة بدون اوسلو

نشر بتاريخ: 03/06/2020 ( آخر تحديث: 03/06/2020 الساعة: 12:09 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

لم يعد اتفاق اوسلو يكفي، فالاتفاق لا يتسع لأحلامنا ولا لطموحنا ولا لتطورنا ولا لاقامة دولتنا، لقد قدمنا من خلاله الكثير من أجل "دولة" ما، ولكن ذلك لم يحصل حتى اللحظة، هل كانت هناك أخطاء أو خطايا؟؟ هل كان الأداء أو الخطاب أو الأدوات أو الظروف أو قسوة الأعداء ورخاوة الأصدقاء والأشقاء جزءاً من هذا الفشل أو أسباباً تقود إليه؟! قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن الصحيح أيضاً أن المحتل لم يرد من اتفاق اوسلو سوى شرعنة احتلاله وادامته وتلطيفه واجبارنا على التكيف معه أو تجميله. هذا بالإضافة الى أن اتفاق اوسلو لم يكف أبداً لشهوات التوسع والاستعمار والتوهم الاسرائيلي.

الآن اتفاق اوسلو تم استنزافه وتجويفه، ولم يؤد بنا لا إلى دولة ولا إلى عودة لاجئين ولا إلى تحرير، ليس هذا فقط، بل بلغت الصفاقة بالمحتل أن يعيد إلينا بضاعتنا، فهو الضحية وعلينا تعويضه، وهو من يقرر المصير لا نحن، وهو صاحب الأرض لا نحن، ونحن من يتنازل وليس هو، المحتل، في هذه الأثناء، يروج رواية استعمارية لاهوتية ويفرضها على كثير من الأطراف.

هل تأخرنا حتى أخذنا قرار مغادرة اتفاق اوسلو أو التحلل منه؟ قد يكون ذلك كذلك، ولكن ما دام هذا القرار اتخذ، فلا بد من التعود على الحياة بدون اتفاق اوسلو، هناك 25 سنة من اعتياد حياة معينة تميزت بكثير من الترهل والكسل والاعتماد على السلطة الوطنية، وتغييب الجمهور وظهرت ثقوب كثيرة من التوجس والاشتباك والجدل الاجتماعي والسياسي، كان هناك كثير من نقاط الاشتعال والصدام، وتبادل الاتهامات وكان هناك كثير من الاخفاقات على صعيدي النضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

كان هناك انتظار كثير ومراهنات على أطراف محلية وعربية ودولية كثيرة، وكان هناك استنامة لمواقف أو وعود، ولان هذا ليس وقت العتاب أو اللوم، فإن من الواجب القول أن لا بد من التعود على الحياة دون اوسلو وما نتج عنه.

وهذا يعني تغييراً ملحوظاً في سلوك الجمهور الفلسطيني واتجاهاته، فالمرحلة لا تحتمل أن نصدق أن نستنيم أو نتكل على مواقف أو وعود.

وهذا يعني الاعتماد على الذات لا على جهات قريبة او بعيدة.

وهذا يعني ألا نعطي الاخرين فرصة تهديدنا بدويلة في غزة أو بوطن بديل في الأردن الشقيق.

وهذا لا يعني أن نهدم السلطة الوطنية بل أن نحول مؤسساتها إلى مؤسسات دولة تحت الاحتلال.

وهذا يعني أن لا ننتظر المواقف فقط بل أن نخلقها.

وهذا يعني تغييراً في طبيعة العلاقة مع المحتل، وأن لا نصدق مقولة أننا لا نستطيع الانفكاك عنه، وأن بقاء المحتل مصلحة لنا.

وهذا يعني تغييراً في العقلية، عقلية النخبة وعقلية الجمهور في تقاسم الضرر وتوحيد الهدف، وتقبل الخصم السياسي، فالمعارضة القوية تعني مجتمعاً أكثر تماسكاً، ونظاماً سياسياً أكثر صحة ومعافاة.

الحياة بدون اتفاق اوسلو يعني ايجاد مرجعية قانونية أخرى للعلاقة مع المحتل، وتعني أيضاً تغيير قواعد هذه العلاقة، فلابد أن تقوم على مبدأ امتلاك الأرض أولاً، وامتلاك القرار ثانياً.

الحياة بدون اوسلو، تعني في أبسط معانيها أن نعمل جميعاً على ابعاد سكين المحتل عن رقابنا مهما كلف ذلك من ثمن.

وإذا قال قائل اننا نعيش في حالة من الضعف أن لم تكن الهزيمة، وأننا لا نستطيع فرض معادلاتنا أو شروطنا، فإن من الأمانة القول إن الانفكاك عن المحتل عملية مؤلمة بما يكفي، وبدون هذا الألم سيبقى هناك ألم أكبر يتمدد بين خلايانا وفي حقولنا ويشل عقولنا أيضاً.

يجب الاستعداد للحياة بعد اوسلو.