الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الضم الزاحف، كالضم الشامل

نشر بتاريخ: 29/06/2020 ( آخر تحديث: 29/06/2020 الساعة: 11:56 )

الكاتب: د. مصطفى البرغوثي





لا يوجد في تصريحات وسلوك الحكومة الإسرائيلية ما يشير إلى أي نية للتراجع عن مخطط الضم الإجرامي الذي صممه نتنياهو و روجت له "صفقة القرن".
وقد تلجأ هذه الحكومة، بإرشاد أميركي، إلى محاولة امتصاص النقمة الفلسطينية والإقليمية والدولية الشاملة، عبر تجزئة الضم إلى مراحل تبدأ بفرض القانون الإسرائيلي ( أي الضم الفعلي) لكتل استيطانية ثم تتوالى حتى تصل إلى هدفها الحقيقي الذي لن يقل، برأيي، عن ضم 62% من مساحة الضفة الغربية مع تحويل ما سيتبقى إلى جيتوستانات فلسطينية تمثل معازلا في إطار نظام أبرتهايد عنصري.
ولذلك لا يجوز التراخي أو الإسترخاء إن لم يتم الضم دفعة واحدة، فالضم الزاحف هو تماما كالضم الشامل، وقد بدأ بضم القدس وبعدها الجولان.
والضم بحد ذاته ليس سوى المحطة الحالية في مسيرة صهيونية اعتمدت أسلوب الخداع السياسي مع الشراسة المطلقة في فرض الوقائع على الأرض.
الضم هو محطة في مسيرة بدأت بنكبة عام 1948، وأُتبعت باحتلال الضفة والقطاع في عام 1967، وتواصلت في البناء الاستيطاني الإستعماري، الذي رفض الإسرائيليون بعناد وقفه عندما وقعوا اتفاق إسلو، والذي اتضح أنه فخ نُصب للفلسطينيين لإمتصاص نتائج انتفاضتهم وإثارة الانقسامات في صفوفهم، وتجسدت في إقرار الكنيست الإسرائيلي قانون القومية، الذي يحصر حق تقرير المصير في فلسطين باليهود فقط، وفي منظومة الأبرتهايد العنصرية بكل مكوناتها، التي أصبحت العنوان الحقيقي للسياسة الصهيونية، بعد أن فشلت في إستكمال طرد من بقي من الفلسطينيين من أرض وطنهم.
ولذلك فإن التعامل الفلسطيني مع جريمة الضم ومع الاحتلال ومنظومة الأبرتهايد، يجب أن لا يكون بأي حال تاكتيكيا، أو جزئيا، أو أن يسمح لنفسه بالتعلق بأوهام إمكانية التفاوض، أو الحل الوسط، مع منظومة عنصرية متطرفة كالتي يمثلها تحالف نتنياهو- غانتس وحزب العمل.
التعامل الفلسطيني يجب أن يستند إلى إدراك واعٍ، بأننا دخلنا منذ قدوم نتنياهو للسلطة، والتحول الواسع في أوساط الجمهور الإسرائيلي نحو التطرف العنصري، وخصوصا بعد إعلان " صفقة القرن"، في مرحلة مواجهة جديدة مع الحركة الصهيونية، لا يمكن أن تنتهي بدون إسقاط منظومة الأبارتهايد العنصرية وبدون إحداث تغيير استراتيجي في ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني.
مسألة الضم، التي يحاولون تمويهها الآن، فتحت أمامنا كفلسطينيين فرصة لا تعوض لحشد المجتمع الدولي وشعوب الدنيا، ضد العنصرية الإسرائيلية، وذلك بحكم فداحة خرق الضم لكل القوانين الدولية، والنظام الدولي.
وهذه الفرصة يجب أن تتجسد باستنهاض الشعوب العربية للضغط من أجل تبني المقاطعة الشاملة لإسرائيل، ولوأد نشاطات التطبيع المخزية معها، وكذلك لاستنهاض أوسع حملة عالمية لفرض العقوبات والمقاطعة على نظام التمييز العنصري الإسرائيلي. ويساعدنا على ذلك النهوض العالمي الجاري ضد العنصرية.
جريمة الضم، وضرورة مواجهته، فتحت كذلك أفقا لإنهاء الإنقسام الداخلي الفلسطيني وتشكيل قيادة وطنية موحدة تتبنى إستراتيجية كفاحية، ( وليس تكتيكا) تركز على تصعيد المقاومة الشعبية، والمقاطعة، وتعزيز صمود الفلسطينيين على أرض وطنهم.
لو لم يكن نتنياهو وحكومته وحليفه ترامب في أزمة وعزلة دولية، لما حاول الفلات بتحويل الضم الشامل إلى ضم زاحف، ولا يحق لأحد أن يسمح له، بعد اليوم، بالإفلات من المصير المحتوم لكل نظام عنصري.