الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مراجعة الذات، أم المُراجعة ذاتها؟؟

نشر بتاريخ: 09/07/2020 ( آخر تحديث: 09/07/2020 الساعة: 21:44 )

الكاتب:

مهند أبو شمّة

في كلّ محطة من محطات حياة الفرد أو حياة المؤسسة أو المنشأة؛ أو حركات التحرر أو الأحزاب السياسية؛ لا بد من وقفة تأمل ينتج عنها مراجعة الذات، وتقييم كل ما سبق كل محطة، لتكون بداية الانطلاق تجاه المحطة الجديدة بمعالم واضحة، إضافة إلى تحديد المسلك للوصول إلى المحطة القادمة، والتي من واجب كل ذي صاحب عقل وفطنة تحديد اتجاهها وسبل الوصول إليها .

فالبوصلة باتجاه المحطة المحددة تفاصيلها تكون دقتها أضعاف مضاعفة البوصلة باتجاه هدف أو محطة غير محددة المعالم... فمراجعة الذات تتطلب تعدد أدوات التقييم والتقويم وتجديدها وتطويرها لتتلاءم وطبيعة المحطة القادمة، فمراجعة الذات بذات المراجعة لا تضمن بالضرورة الوصول للمحطة القادمة بحدٍ أدنى من الوقت والتكاليف ، والمراجعة ذاتها من الأشخاص ذاتهم ستعيد تكرار التجارب بالأدوات ذاتها .

زرتُ يوماً الأستاذ الدكتور علي الجرباوي الذي أكنّ له كل التقدير والاحترام؛ غداة كان وزيراً للتعليم العالي، ودار بيننا حديث عن طبيعة المرحلة والدور الواجب علينا إتباعه في البناء المؤسسي وتطوير منظومتنا الحكومية، يومها قال لي عبارة لا زلت أذكرها: " العدة القديمة ما بينشغل فيها " ، وهنا سرح خيالي في هذا التشبيه الذي ربط النهج بالأدوات بهدف التغيير الشمولي في مختلف مناحي حياتنا؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية، ولو طبقنا فعلا مقولة أستاذنا الدكتور الفاضل لتطلب منا الأمر حالاً ودون انتظار أن نبدأ بتغيير فكرنا ونهجنا، فالتغييرات المتسارعة التي يشهدها العالم تحتم علينا الركب سريعاً في قطار التغيير ذي السرعة غير المتناهية، ولا يعني الركوب في القطار السير دون تحديد وجهة محطاتنا القادمة، وليس مطلوب منا مغادرة القطار لمحطة عشوائية نتيه فيها، لمجرد أننا أردنا الركوب في القطار .

ففي الحِقَبِ الزمنية السابقة وعلى مدار سنوات مضت، كنا نشهد إعادة التجارب في مختلف نواحي الحياة بالأدوات ذاتها، وبالأشخاص ذاتهم، وهذا كان سببا كافيا لدفع الثمن تلو الثمن نتيجة الممارسات ذاتها وإصرارنا على الأدوات نفسها .

في أمثالنا الشعبية ما يتطرق للتجارب والأدوات، إذ قيل: "اللي بجرب المُجَرّب، عقله مُخَرّب" يعني جدي وجدك قالوا غيروا أدواتكم غير الصالحة، ولعل واقعنا الفلسطيني اليوم يحتم علينا تغييرا في النهج والأدوات، فمجابهة سياسات الاحتلال اليوم تستوجب الخروج عن النمطية المتعارف عليها، وهذا نهجٌ معبّر عن رغبة حقيقية في تغيير النهج والأدوات وإن ضاقت أحوال البلاد، واشتدت الأزمة فللنفق المظلم نهاية، فما تشهده الساحة الفلسطينية اليوم هو فن الإدارة بالأزمة، متقدمين بذلك عما اعتدنا عليه وهو إدارة الأزمة .

وإن ما قامت به اليوم السلطة الفلسطينية من وقف كافة أشكال التنسيق مع دولة الاحتلال، وما عبر عنه الإخوة جبريل الرجوب وصالح العاروري في المؤتمر الصحفي ما هي إلا خطوات متقدمة لها دلالات في عالم السياسة، تدلل على تغيير في الأدوات، والنهج.

وفي خضم أزمة جائحة كورونا التي تمر بها فلسطين اليوم وبعد انقضاء فترة الإغلاق الأولى، والتي سجلت فيها الحكومة الفلسطينية قصة نجاح في محاصرة الوباء والحد منه، وسجلت فيها الحالة الاقتصادية تراجعاً كاد يؤدي إلى حالة انفجار، ولم تكن هناك خيارات سوى المواءمة بين الحالتين الصحية والاقتصادية، وهنا لم يرتقي سلوك المواطن الفلسطيني إلى مستوى المسؤولية في الحفاظ على الحالة الصحية جنباً إلى جنب مع الحالة الاقتصادية، وقد كنت كتبت مقالة لي أثناء فترة الإغلاق الأولى بعنوان" كيف سيبدو واقعنا بعد كورونا "، تطرقت فيها لسلوك الموطنين بعد الجائحة، وتساءلت فيها عمّا إذا ما كنا سنبقي على عاداتنا الاجتماعية ونهجنا الاقتصادي- كما هو في زمن كورونا- وتحديداَ في حفلات الزواج وفي بيوت العزاء؟ أم سنعود إلى ما كنا عليه؟ وللأسف العودة لما كنا عليه كانت هي المقتل والسبب في تفشي الوباء بطريقة جنونية، وهنا كانت مراجعة الذات هي المراجعة ذاتها التي كشفت عن فقداننا السيطرة على واقعنا الصحي .

وفي الحالة الاقتصادية؛ شاب المعالجة كثير من العشوائية، وخصوصاً التخبط الذي بدا واضحاً في التعليمات المتوالية والمتناقضة لسلطة النقد، والتي لم تستطع توفير الحماية للقطاعات المتضررة، وساوت بين القطاعات المتضررة والمنتعشة.

اليوم وبعد كل الإخفاق السابق وفي ظل أزمة رواتب الموظفين، لم تستطع سلطة النقد تقديم أي حلول تساهم في تعزيز صمود الموظفين والمنشآت الصغيرة في وجه مخطط الضم الصهيوني، وبدت متحيزة للقطاع المصرفي ولو على حساب لقمة عيش أبناء الموظفين، ولم تسارع لإصدار تعليمات حماية للموظفين وحفظا لكرامتهم .

في النهاية؛ صار لزاماَ على كل راعٍ تحمل مسؤولياته تجاه رعيته، فالوطن ينزف، والمواطن يستنزف، والسلوك المجتمعي لا مبالٍ، ولنتقٍ الله في أمورنا، ولنعد النظر في نهجنا وأدواتنا، فمراجعة الذات تستدعي التجديد والتغيير والتطوير في الفكر والنهج وأصحابها أحياناً لضمان النجاح ، ولسنا بحاجة للمراجعة ذاتها وللأدوات نفسها ، وللشخوص ذاتهم.