الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

يجب على بريطانيا إعادة ضبط بوصلتها الأخلاقية

نشر بتاريخ: 23/04/2021 ( آخر تحديث: 23/04/2021 الساعة: 01:33 )

بقلم البروفيسور مانويل حساسيان ، سفير فلسطين لدى مملكة الدنمارك.

في 3 مارس 2021، فتحت المحكمة الجنائية الدولية (ICC) تحقيقًا رسميًا في جرائم الحرب المزعومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يعد هذا التوجه من قبل الجنائية الدولية انتصارًا مهماً للفلسطينيين ولحقوق الإنسان في العالم، ولكن منذ الإعلان عنه، سعت إسرائيل وبأستماته إلى نزع الشرعية عن قرار المحكمة الجنائية الدولية ورفضها محاسبتها وفقًا لمعايير حقوق الإنسان التي تم وضعها وأقرارها لحماية جميع شعوب العالم في أعقاب الفظائع التي شهدتها أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

هكذا قرأت بقلق شديد رسالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الموجهة إلى أصدقاء إسرائيل من حزب المحافظين، والتي يدين فيها بشدة قرار المحكمة الجنائية الدولية (ICC)بالتحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية، والتي من خلالها يدعم بشكل صارخ وغير أخلاقي سياسات الفصل العنصري وإرهاب الدولة التي تقوم بها أسرائيل بشكل مستمر ضد الفلسطينيين، الذين ما زالوا يطالبون العالم بالعدالة والحرية.

اسمحوا لي في هذا السياق أن أذكر السيد رئيس الوزراء بوريس جونسون، بأن أسلافكم من أسسوا دولة إسرائيل الصهيونية من خلال وعد بلفور سيئ السمعة في العام 1917، وهذا يعتبر وسام عار وقرار جائر لا أخلاقي بأعطاء ممن لا يملك لمن لا يستحق، والذي نتج عنه مأساة أنسانية مستمرة أدت لتهجير الفلسطينيين ألأمنيين قصراً من مجتمعاتهم، وبدلاً من تصحيح النتائج المترتبة على الإعلان المشؤوم، يستمر رئيس الوزراء البريطاني جونسون بتعزيز دعمه لإسرائيل من خلال رسالته الموجهة الى حزب المحافظين وأصدقاء اسرائيل في المملكة المتحدة،والذي بدوره يشييد في سياساتها العنصرية والغير أنسانية تجاه الفلسطينيين، والذي يمكن تعريفه على أنه الشوفينية السياسية والتناقض مع المبادئ الإنسانية البريطانية وقيم حقوق الإنسان المفترضة، فبذلك فشلت الحكومة البريطانية وأثبتت مرة أخرى للعالم نفاقها كمدافع مزعوم عن الحريات وحقوق الإنسان، من خلال تقديم الحماية المطلقة والتستر الفاضح على سوء السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، وأثبتت بأن السياسات العنصرية متأصلة بشكل ممنهج، تمارس ضد كل من يرفض عقلية الأنجلوساكسونيين البروتستانت الابيض (WASP).

لقد مثلت بكل فخر بلدي فلسطين كسفير لمدة 13 عامًا لدى المملكة المتحدة، وخلال هذه الفترة لم أشهد مثل هذا التصريح المعيب في رسالة رسمية من قبل رؤساء الوزراء السابقون للمملكة المتحدة، سواء من رئيس الوزراء توني بلير، وغوردون براون، وديفيد كاميرون، أو وتيريزا ماي، ليكونوا بمثل هذا الولاء في دعمهم اسرائيل بشكل صارخ وصريح، لذلك أشعر بالذهول والاستغراب من أنكاره كل الوقائع والمسؤولية المترتبة على بريطانيا، وعدم أكتراثه بتصحيح أخطائها التاريخية والانسانية تجاه الشعب الفلسطيني، مثلما تسعى أوروبا وتحتاج إلى التكفير عن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية، كذلك ينبغي على الحكومة البريطانية أن تسعى إلى تصحيح سلوكها وسياساتها وإعادة ضبط بوصلتها الأخلاقية لتلائم عالم العام 2021. أن تصريح رئيس الوزراء بوريس جونسون الاخير دليل واضح ودامغ على أن البوصلة الأخلاقية لم تتغير منذ عام 1917 ويبدو أنه لا يزال يعيش الحالة الذهنية للحقبة الاستعمارية، التي انهارت بشكل دراماتيكي، وأن طموحات الإمبراطورية البريطانية لم تجلب سوى الدمار والألم لشعوب الشرق الأوسط والهند وأفريقيا، بينما كانت تجني وتستولي على كنوز ومقدرات هذه الدول، ولا تستطيع بريطانيا أن تتجاهل وتغفل عن هذه الحقائق التاريخية.

أن المنطق الشخصي لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في تبريره تصريحه اللاإنساني والغير منطقي بأن "إسرائيل ليست طرفًا في قانون روما الأساسي وفلسطين ليست دولة ذات سيادة"، يذكرني بالمراوغة الماكرة والماهرة في رواية أوليفر تويست لمؤلفها تشارلز ديكنز - الشخصية الملتوية التي تفشل بشكل محزن في تبريرها للجرائم المنهجية.

سيد بوريس جونسون، هل الفلسطينيين دون البشر؟ إن عدم كون إسرائيل طرفاً في قانون روما الأساسي، لا يمنحها الحق والضوء الأخضر لممارسة إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين، الذين ليس لديهم دولة ذات سيادة كما تؤكدون، لذلك من وجهة نظرك وكما يفهم من رسالتك، لا بأس في أن تقوم إسرائيل بعمليات قتل ( Extrajudicial Killings ) وبفرض عقاب جماعي على الفلسطينيين بالقوة لأنهم لم يحصلوا بعد على ما تم الاتفاق عليه والذي تأخر كثيراً وهو حصولهم على الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود العام 1967؟

نحن الفلسطينيين نحترم الشعب البريطاني وبرلمانه، الذي دافع دائمًا عن حقوق الفلسطينيين من أجل السعي إلى التحرر وإقامة دولته المستقلة، ألا أن تصريحات السيد جونسون وأفعال حكومته تتعارض تمامًا مع رغبة الشعب البريطاني في أن يرى فلسطين حرة وذات سيادة.

لذلك أدعوا وأحث رئيس الوزراء البريطاني السيد بوريس جونسون، الى قراءة التاريخ بعناية وتجرد وبفهم أكبر، لأن مواقفكم والحكومة البريطانية التي تقودونها في الجانب الخطأ من التاريخ، تأكد بأن الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين سينتهي عاجلاً أم أجلاً كما جاء، فلا تقلل من شأن الصمود الاسطوري للفلسطينيين، وهي سمة لا يمكن للمجتمع الدولي نكرانها، ولا يمكن لتصريحاتكم الاستفزازية إلا أن تشكل خطورة كبيرة بإشعال التوترات والحساسيات الدينية الشديدة، مما يهدد بتحويل الصراع إلى ما هو أبعد من الخلاص من وطأة الاحتلال، ولا شك بانه سيتسبب بعواقب مضرة وخطيرة على السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وتأكد بأن حقوق الشعوب وحق الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص راسخ ويوم ما سينتصر وينعم بالحرية والاستقلال.