الأربعاء: 28/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

مفاوضات واشنطن ، محاولة شرعنة أم خطوة جديدة في طريق تصفية قضيتنا الوطنية التحررية ؟

نشر بتاريخ: 27/05/2025 ( آخر تحديث: 27/05/2025 الساعة: 17:59 )

الكاتب:

فيما جرت تظاهرة الأعلام الأستيطانية فائقة العنصرية والفوقية اليهودية التي تكرس رؤية حكومة الأحتلال في القدس أمس ، وأرتكاب المزيد من المجازر في غزة . تجري خلف الكواليس هذه الأيام مفاوضات غير معلنة بين الولايات المتحدة وحركة حماس ، برعاية مصرية وقطرية ، بناءً على ورقة يُقال إنها صيغت من قبل الباحث الفلسطيني بشارة بحبح بحسب مصادر أعلامية بالتنسيق مع المبعوث الأمريكي ويتكوف . تأتي هذه التطورات التي تضاربت حولها الأنباء في ظل أستمرار المحرقة الإسرائيلية على غزة والتطهير العرقي والتدمير لمخيمات الضفة الغربية ، وتعثر المسار السياسي الفلسطيني كما ومسار السابع من اكتوبر رغم حق وشرعية المقاومة ، بسبب الحسابات الخاطئة وعدم ادراك جوهر الحركة الصهيونية ومشروعها التي لن تقبل اي مسار سياسي يحقق تقرير المصير والحرية لشعبنا ، وتآكل الثقة الشعبية بسياسات الإنتظار والصمت وبكل من الواقع الرسمي العربي والدولي .

لكن قراءة هذه التحركات تتطلب وعياً سياسياً يتجاوز العناوين الإعلامية ، فالموضوع ليس مجرد محاولة لإنهاء الحرب أو البحث عن ترتيبات إنسانية ، بل يتعلق بجوهر المشروع الوطني التحرري الفلسطيني ، بل وبمستقبل القضية الفلسطينية برمتها .

المفاوضات الجارية ليست أعترافاً سياسياً بحماس أو تغييراً في الموقف الأمريكي التقليدي ، بل محاولة لتوظيف حماس من خلال حركة الأخوان المسلمين الدولية ضمن ترتيبات وظيفية لضبط الوضع في غزة بعد الحرب ، وفق التجربة السابقة خلال ما سمي بمشروع الربيع العربي لهدم الدولة الوطنية على طريق تنفيذ مشروع الشرق أوسط الجديد الذي يجري استكمال تنفيذه اليوم بوقائع جديدة . وبما يطرح من جهة اخرى على المستوى الفلسطيني بسيناريو يشبه "الحكم الذاتي الإداري"، عبر تهدئة طويلة الأمد ، وإدارة محلية مدعومة بتمويل خارجي ، دون أي التزام بحل سياسي شامل أو بإنهاء الأحتلال .

هذه الترتيبات تسعى لتحويل غزة إلى كيان منفصل يُدار أمنياً وأقتصادياً ، بينما يُواصل الأحتلال مشروعه الأستيطاني والتهويدي في الضفة والقدس وتكريس واقع المعازل الجغرافية "البانتوستونات" التي قد تحظى بشكل من الإدارة الذاتية الموسعة ، مع الإبقاء على سيطرة الأحتلال الأمنية على الأرض وعلى المصادر والحدود والهواء ، كما على الانقسام كأداة لاستمرار ضرب الوحدة الفلسطينية .

الورقة المنسوبة لبشارة بحبح ، والتي يُقال إنها تُناقش حالياً في هذه المفاوضات ، تطرح خطوطاً تتوافق مع هذه الرؤية المتمثلة في تهدئة طويلة ، ودور أمني غير مباشر ، وربما لاحقا ترتيبات انتخابية محلية . لكنها باعتقادي ، فهي في الجوهر تُخرج غزة من الإطار الوطني الفلسطيني ، وتُعيد إنتاج الأنقسام تحت مظلة دولية وعربية .

هذه ليست مبادرة وطنية ، بل إعادة تدوير لفكرة "التحييد مقابل التمويل"، وإدماج "حماس" في نظام إقليمي دولي يضمن أمن إسرائيل ، شبيه بما تسعى له واشنطن وحلفاؤها بالضفة الغربية من خلال "التدجين السياسي" بواسطة المال والتطبيع والتهديدات للسلطة الوطنية ، بما يمتص غضب الشارع العربي دون أن يحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني .

الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض القوى الإقليمية يعملون على فرض وقائع جديدة على الأرض تحت شعار "إعادة الإعمار"، لكن الهدف الحقيقي هو إنهاء الطابع التحرري للقضية الوطنية الفلسطينية ، وتحويلها إلى ملف إنساني أمني أقتصادي يمكن التحكم فيه ، بعيداً عن أي مسار يؤدي لإنهاء الأحتلال الاستيطاني أو تحقيق الحقوق الوطنية السياسية لشعبنا الفلسطيني .

هذه التحركات تجري في ظل تغييب منظمة التحرير الفلسطينية التي جرى استهداف دورها وتراثها منذ البدايات ، ومحاصرة وتراجع دور السلطة الوطنية ، وتفكك البيت الفلسطيني بفعل الأنقسام وأزمة نظامنا السياسي وغياب أستراتيجية وطنية موحدة تعتمد على مقدرات شعبنا كمصدر للسلطات وغياب برنامج واضح في ظل سياسات ردود الأفعال ، والأنخراط في سياسات المواقف العربية الرسمية التي لا تمتلك الأرادة في مواجهة رؤية ترامب ، بل قد دفعت له ثمن حمايتها وبقائها .

أمام هذه المخاطر لا بد من تحرك وطني شامل يقوم على المحاور التالية :
١. إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية فعلا لا قولاً على أسس ديمقراطية وتمثيلية شفافة ، تضم كل فئات شعبنا السياسية والأهلية والمستقلين ، وتستعيد دورها كمرجعية وطنية شاملة وكممثل شرعي وحيد وكاداة للتحرر الوطني الديمقراطي ، بما يتطلب لهذا الغرض أستنهاض حركة "فتح" وأستعادة دورها بأعتبارها عمود الحركة الوطنية الفلسطينية الى جانب باقي الفصائل والقوى والمستقلين الوطنيين على اساس فكرة وجودها .
٢. رفض أي حلول تُكرس الأنقسام أو تُحوّل غزة إلى كيان منفصل او الضفة الغربية إلى معازل بوجود المستوطنات .
٣. تطوير استراتيجية مقاومة شاملة ، سياسية وقانونية وشعبية تُعيد الأعتبار للحقوق الوطنية ولمكانة قضيتنا التحررية امام العالم ، وتبني على تصاعد التضامن الدولي الشعبي الذي بات يُحرج حكومات الغرب ويساهم في عزل اسرائيل على الساحة العالمية اضافة لما تعانيه من أزمة بنيوية داخلية اليوم .
٤. أصلاح دور ومكانة منظمة التحرير وتطوير بناءها كجبهة وطنية عريضة تستند إلى وحدة الشعب والأرض والقضية ، وتواجه محاولات تحويل النضال الفلسطيني إلى ورقة تفاوض إقليمية بين العواصم .

إن ما يُطرح اليوم من خلال هذه المفاوضات المعلن عنها في غياب مفاوضات سياسية حول مجمل الصراع الفلسطيني الأسرائيلي الذي يتوجب ان يفضي الى إنهاء الأحتلال عن كل الأراضي المحتلة اولاً ، ليس حلاً بل فخاً سياسياً لتصفية القضية الفلسطينية تدريجياً يشابه بالمعنى الى حد ما تداعيات أتفاق "أوسلو" الذي دفنته اسرائيل وأوصلنا الى ما نحن عليه اليوم ، وهو ما يعتقد انه سيجري تحت ستار التهدئة و المساعدات "الانسانية" التي تتكشف الياتها اليوم .

وإذا لم تنهض القوى الوطنية والديمقراطية بمسؤولياتها ليس على المستوى الفلسطيني فقط ، فقد نجد أنفسنا قريبا أمام واقع فلسطيني جديد تُفصل فيه غزة عن الضفة ، وتُختزل فيه القضية إلى إدارة شؤون حياتية لا علاقة لها بالتحرر الوطني الديمقراطي والكرامة ولا بتجسيد مبدأ حق تقرير المصير وهزيمة المشروع الأستيطاني الإستعماري في فلسطين الذي يراد له التمدد بالمنطقة من خلال الدور المهيمن لإسرائيل بغض النظر عن خلافات تجري بين نتنياهو وترامب ، الذي يسعى لتحقيق "الصفقة الكبرى" خاصة بعد جولته الاخيرة لتدفيع الثمن والأدوار المتوقعة للأطراف التي شملتها الزيارة .